القاهرة 20 فبراير 2018 الساعة 11:10 ص
ضياء حامد
ما المقصود بمصطلح "التيارات الفكرية" في عالمنا العربي؟ وما وجودها الحقيقي على أرض الواقع؟ وما قيمة وجود هذه التيارات ؟ وما هى علاقاتها بالسلطة وبالشعوب؟ وعلاقاتها بالآخر الحضاري؟ هل استكملت تجاربها وكشفت عن حقيقة دورها؟ هل حقا لم تعد هناك تيارات فكرية ذات مشروعات وإنما مجرد اجتهادات فكرية ؟ هل لهذه التيارات هويات متمايزة أم أنها تيارات وهمية ذات أهداف سياسية؟
تعريف مصطلح "التيارات الفكرية"
بقراءة نصوص الكتاب والسنة فإن مفهوم التفكير سابق لمفهوم التحزب أو التنظيم فقد حثّ الشرع على وجوب التفكير وجعله من منطلقات الإيمان بالدين وإدراك الحقائق الكونية والخلقية قال تعالى: ? قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ? (سورة سبأ: 46]
وروي عن أبي الدرداء قال "تفكر ساعة خير من قيام ليلة" فوصف الله صاحب الفكر الثاقب في القرآن بعدد من الخصائص المميزة منها: له تجوال في فضاء الزمان والمكان له وعي وإدراك بنفسه وبمحيطه على بصيرة بمآلات الأمور رجلٌ رسالي يعمل من أجل غاية يطمح لبلوغ هدفها ويبني خطته على أسس منطقية واقعية.
إن تعدد التيارات الفكرية في عالمنا العربي سواء القديمة منها أو الحديثة هي نتاج طبيعي لسنن الله الكونية في الأرض ومنها سنة التدافع بين الناس والذي يتعدى مفهومه الحقيقي ليشمل مجال الأفكار والنظريات فتعدد التيارات والأحزاب الفكرية هو من باب سنة الاختلاف التي أوجبها الله على خلقه ليميز الله الخبيث من الطيب والتمحيص وسنة التدافع هي الضمان لبقاء الفكرة من عدمها ومدى صلاحيتها للتطبيق والتداول بين الناس أم لا؟
وتعدد الأفكار في جزء منه يمثل ظاهرة صحية في مراجعة المواقف والمبادئ من الحدث الواحد والمشروع الواحد وكيفية التعامل معه والناس بشكل عام تتعدد وجهات نظرهم دائما في المراجعة وفي المواجهة وفي التعبئة وفي المعالجة وفي أوليات مشروعاتهم.. وفي منهجية التطبيق لذا فإن أحادية الرؤية هي سبب من فساد الحياة السياسية والاجتماعية ومضادة لفكرة الإصلاح في حد ذاتها.
إن واقع المجتمع العربي في الوقت الحالي بقضاياه ومشاكله يدعو لضرورة تعدد التيارات وإلى تدافعها وصراعها وذلك نتيجة لتدني الوعي الجماعي بالأصول الاجتماعية والمقاصد الحضارية التي نصت عليها رسالتنا وأيضا لغياب آليات ودوافع الإنتاج القادر على المنافسة في جميع المجالات ولوجود صعوبة في التنظير ووجود عوائق كبيرة في إنجاز مشروع حضاري متكامل مستقبلي واعد.
التيارات الفكرية تتنازع حول ثلاث مشكلات أساسية متداولة منذ عدة قرون
أولها: مشكلة الهوية: من نحن؟ وهل نريد أن نبقى كما نحن؟
ثانيها: مشكلة المرجعية: إلى أي مرجعية نستند؟ وأي أصول نعتمد؟
ثالثها: مشكلة وضوح الرؤية بأي اتجاه نسير؟ وماذا نريد؟ وما هي المقاصد الأساسية التي يجب أن نتوخاها؟
نحن نعاني من قصور في وجود "المنهجية" التي يجب أن نعتمد عليها في معالجة هذه المشكلات الثلاثة وأيضا غياب "المرحلية" الزمنية لإنجاز أي هدف من تلك الأهداف.. لكن الواقع يشهد أن تدهور ومأساوية واقعنا العربي يدفع إلى تنامي تعدد هذه التيارات وتدافعها وصراعها لإيجاد آلية للنهوض بعالمنا العربي
أبرز التيارات الفكرية في عالمنا العربي - التيار السلفي : وهو التيار الغالب في مجتمعاتنا العربية وهي أنواع: فمنها المعتدل ومنها الخافت ومنها الثائر وإن كانت جميعها تعلن العودة إلى منهج السلف كمرجعية أولى لها وقد عانت طوال تاريخها من تذبذب القرار السياسي تجاهها رغم ميلها في بعض الأحيان لمهادنة السلطة القائمة وإن كان التيار السلفي في مجمله قد استفاد من فراغ القرون السابقة في أن ينتج بابا في العلم وأبوابا في المعرفة لم يسبقه إليه أحد من التيارات الوافدة الجديدة وكان له دوره في مقاومة الاستعمار الخارجي.
التيار الحركي: لا يخلو من سلفية إلا أن الاهتمام بالشؤون السياسية والسلطوية عن الشئون الدعوية والتربوية والمنهجية أكبر بل ربما طغى الجانب السياسي على الجانب الدعوي ودخل بذلك في حيز الاحتجاج والضغط المجتمعي على السلطات القائمة وهو خير من تصدى للتغريب والمشروع الصهيوني في المنطقة وله مواقف تاريخية تحسب له وإن كان أصاب بعض فئاته كالمعتاد داء الزعامة واتهام الآخر وتمجيد الذات وتبنيه للديموقراطية في شأن التغيير المستقبلي ركيزة أساسية في تحركاته.
التيار الصوفي: الصوفية في بدايتها لم تكن دخيلة على جسد الأمة الإسلامية بل كان الزهد والرجوع إلى الخلوة واعتزال الفتن هو هدفها عبر العصور لكن الصوفية الحديثة بتطورها بالالتفاف حول شيخ معين وطريقة غير منصوص عليها في الذكر حول الصوفية إلى كهنوت إسلامي غير مبرر إلى جانب محاباة الصوفية للسلطة وارتمائها في أحضانها ساهم في خفوت ذكرها وإن كان للصوفية دورها التاريخي في مقاومة المحتل الخارجي في مختلف بلداننا العربية.
التيار العقلاني: هذا التيار ولد داخل فكر حركي وبعضهم وفد من التيارات الأخرى كالسلفية لكن يعطي الأولوية دائما للعقل وليس النقل ويدعو للاستفادة من العلوم المعاصرة وخاصة الاجتماعية والسلوكية بدرجة كبيرة تسهم في تجديد الفكر ويجلب إليه طائفة واسعة من داخل المثقفين والمفكرين حتى من داخل الصفوف الأخرى كاليسارية والأحزاب غير الإسلامية التي تطمح للاستفادة من النتاج الحضاري للإسلام بثوب عقلاني حديث وإن كان لبس ثوب مطالبته بتجديد التراث بتشجيع غربي يهدف في الأساس لتقويض أسس ودعامات منهجية الإسلام في المقام الأول.
التيار اليساري: ظهر هذا التيار مع مجموعة من مثقفي العالم العربي الاشتراكيين كحسن حنفي في مصر الذى اعتمد على وضع الاشتراكية كأيديولوجية أولى في إصلاح المجتمع عن طريق المساواة بين الطبقات وأنتج هذا التيار أدبيات خاصة به قد لا تتفق في حقيقتها مع منهجية الشريعة لدي باقي التيارات المذكورة وهو لم يعمر طويلا لفشله في استكمال أي مشروع بدأه في أي دولة عربية
التيار الجهادي: تيار انبثق من باقي التيارات كالتيارات السلفية والحركية بل واليسارية أيضا عانى من تضخيم الإعلام والصدام مع الغرب في المقام الأول وإن كانت في الآونة الأخيرة قد ظهرت له أدبيات خاصة به تنادي بعودة الخلافة واستكمال مشروع الدولة الإسلامية ومال في بعض الأحيان إلى التطرف والعنف المجتمعي والغلو مع التصادم مع السلطات القائمة ويعاب عليه انحراف أتباعه نتيجة لغياب استراتيجية واضحة وقلة الحنكة السياسية ومشروعه مشروع سريع في النظرة المستقبلية وإن كانت له كثير من الإيجابيات في إبطال وإفشال كثير من مشروعات الغرب طويلة الأجل في عالمنا العربي.
كما أن هناك تيارات أخرى كانت سجينة في إطارها الضيق وارتبطت برعاية الغرب لها ومناداتهم بها وتبنيهم لأحزابها كالتيار القومي والتيار العلماني والتيار الحداثي.. وغيرها من التيارات الأخرى