القاهرة 13 فبراير 2018 الساعة 11:36 ص
تغطية: محمد زين العابدين
ينتمى وليد علاء الدين لنوع من الكُتَّاب يتعامل مع الكتابة بجدية متسلحاً بثقافة كبيرة ومهنية تحترم القارىء ولا تضيع وقته،وبرغم غيابه عن مصر فهو دائم التفاعل مع الواقع المصري من خلال مقالاته بجريدة المصرى اليوم،والتى جمعها فى جزئين(واحد مصري)أما الكتاب الثاني فهو(شجرة،وطن،دين)الذى دارت عنه هذه الندوة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب،وأدارها الإعلامي خالد منصور،وشارك فيها كل من مؤلف الكتاب وليد علاء الدين،د.خالد عزب رئيس قطاع المشروعات الثقافية بمكتبة الإسكندرية،الناقد د.محمد عبد الباسط.تناول د.خالد عزب تحليل وليد علاء الدين فى مقالاته للأداء الإعلامي المبتذل الذى جعل بعض مقدمي برامج التوك شو يتخيلون أنفسهم فلاسفة يفتون وينظرون فيما لا يفقهون ويصنعون معارك كلامية جوفاء لا فائدة منها،وأشار مدير الندوة إلى انطلاق وليد فى مقالاته
من الواقع فى تحليله للخطابات المختلفة، حيث ينطبق عليه وصف المثقف العضوي الذى يشتبك
مع هموم الواقع،ويضع أسئلة تسعى لتفكيك المفاهيم الملتبثة مستفيداً من خبرته فى كتابة المقالات بشكل ثابت بجريدة المصري اليوم منذ سنوات،فيما تحدث الناقد د.محمد عبد الباسط عن الكتاب فأشار إلى أنه يضم حوالى ستين مقالاً كتبت على مدار عامى 2015 و2016 وتناول فيها الكاتب معظم مشكلات مصر وتطرق إلى بعض الأحداث والذكريات الخاصة به فى مصر،ويمكن أن نقف عند تيمة رئيسية أو فكرة أساسية تنتظم معظم الموضوعات وتستحق التثمين،ألا وهى حق الإنسان العادي فى أن يستمع للآراء المختلفة فى مختلف الجوانب وينتقدها بحرية،ومن أبرز المقالات التى تعبر عن هذه التيمة الرئيسية وتستحق الإشارة مقال تناول فيه الكاتب المناظرة التى جمعت بين الشيخ على الجفري وإسلام بحيري،وكان الجفري يقدم فيها الخطاب الديني باعتباره علماً لا يجب أن يُستمع فيه إلا للعلماء المختصون،حيث أشار الكاتب إلى خطأ هذا الكلام وأن من حق كل إنسان أن يبحث عن الحقيقة ويقول رأيه فيما يسمع،وأكد الكاتب على نسبية العلم ولا نهائيته حيث هناك جديد كل يوم،وإذا كان الخطاب الديني علماً فمن حق أى إنسان أن يضيف إلى هذا الخطاب أو يعترض على بعض مفرداته،وتوجه بسؤاله للجفري:هل تقبل بوجهات النظر المختلفة فى الدين؟وهو يسأل هذا السؤال لأنه ممتلىء بهذا المعنى المنهجى ولا يسعى بذلك إلى الثناء على إسلام بحيري فهو فى المقابل يلتقط ملاحظة شديدة الذكاء على أسلوب خطابه،وهى أنه خطاب يقيني أيضاً يقدم بطريقة يسيطر عليها نوع آخر من التشدد فى الرأى لا يختلف عن تشدد الأصوليين،ونفس المنحى إتبعه عند نقده لمحاضرة للداعية عمرو خالد كان يتحدث فيها عن مفهوم الطاعة المطلقة حيث يقدم شاهداً من التاريخ الإسلامي من خلال حكاية منسوبة للرسول(ص)تفيد بأنه عندما أراد أن يرسل على بن أبى طالب(رضى)فى مهمة استطلاعية أمره بعبارة قاطعة بألا يولي الأعداء ظهره أبداً خلال جمعه للمعلومات ومغادرته،لكن علياً بعد أن قطع شوطاً فى الصحراء إكتشف أنه كان يجب عليه أن يسأل الرسول سؤالاً ما حول المهمة التي خرج من أجلها فرجع من منتصف الطريق،ولكنه كما يروى عمرو خالد
رجع بطريقة غريبة لكى يمتثل لأمر الرسول حيث رجع ممتطياً جواده بطريقة عكسية لكى يظل نظره موجهاً نحو الأعداء،ويشيد الداعية بمفهومه
للطاعة العمياء فى هذه الحادثة التى لا نعرف مدى صحتها حيث أن علياً رضى الله عنه لم يكن شخصاً عادياً بل كان ذا فطنة كبيرة ويفهم المعاني الحقيقية والمجازية للكلام،وهنا تجدر الإشارة إلى مقال هام للمفكر د.فؤاد زكريا كتب منذ نحو ثلاثين عاماً بعنوان"مرض عربي إسمه الطاعة"باعتبارها عند الساسة والمعلمون والمربون الفضيلة الكبرى،وأن الشعب المطيع أفضل من الشعب المتمرد،وهذا الأمر يمر به الفرد فى مجتمعاتنا بدءاً من الأسرة والمدرسة وصولاً إلى رؤسائه فى العمل،ويعتبر الكاتب أن الطاعة بمعنى الإنقياد الأعمى دون تفكير هى أم الرذائل،وأنه فى مقابل فضيلة الطاعة توجد فضيلة أخرى هى التمرد الذى ترتبط به كل مظاهر التحضر والإنجاز البشري،فكبار العلماء والمكتشفين والمبدعين هم فى الواقع أناس قرروا الثورة على المعرفة والأساليب التقليدية فى عصرهم والبحث عن أفكار جديدة،أما عن الناحية
المنهجية للمقالات فيطرح الكاتب تساؤلاته دائماً على طريقة سقراط حول المعانى والكثير من
المفردات التى تبدو ملتبثة مثل معنى الوطن وفى إحدى مقالاته يلتقط حادثة معينة وهى استشهاد الجنود المصريين فى الشيخ زويد ليشير إلى أنه يمكننا أن نختلف حول معانى كلمة الوطن بالنسبة لكل واحد منا لكننا لا يمكن أن نختلف حول فكرة الإنتماء للوطن نفسه،ويخلص د.عبد الباسط إلى أنه إذا لم يكن لهذه المقالات غاية سوى دعوتنا إلى التفكير والتساؤل حول معانى الكثير من المفردات التى تمر بنا فى حياتنا مرور الكرام فيكفيها ذلك للدلالة على أهميتها.ثم تحدث المؤلف نفسه وليد علاء الدين مشيراً إلى أن منهج النقد الثقافى الذى يسعى لاتباعه فى الكتابة فيستعين بالنهج العلمى لعلم الإجتماع وفروعه بهدف مناقشة الواقع ومحاولة وصف مشاكله وقراءتها والتفكير فيها وطرحها على الناس،والتفكير يبدأ من البديهيات التى نظن أننا فهمناها ونعتقد أنه لا داعى لإعادة النظر فيها،فيجب أن نتعود على إعادة النظر فى المفردات والمصطلحات التى تبدو مسلمات فى حياتنا بشكل شبه يومي لأنه قد يطرح الكاتب مصطلحاً معيناً ويبني عليه فكرته من المقال ثم يكتشف أن القارىء قد استقبله بطريقة مختلفة تماماً عما كان يرمي إليه،وهنا تحدث قطيعة معرفية لا تؤدى لوصول الرسالة بشكل صحيح،وأضاف"فى ظنى أن الموهبة الأساسية التى يجب أن يتحلى بها كل من يكتب هى أن يندهش دائماً أمام كل ما يحدث وكأنه يحدث للمرة الأولى،كما يندهش أمام كل مفردة تمر به وكأنه يسمعها للمرة الأولى ثم يستعين بكل ثقافته وخبراته لإعادة تفسير الأشياء فتبدو المقالات وكأنها تفكير بصوت مسموع،فالكاتب فى الماضى كان يتحدث بنزعة أستاذية وكأنه مرشد،ويكمن الخطأ فى الطريقة الوعظية التلقينية التى تربت بها أجيالنا،وأظن أنها السبب فى تفشي ظاهرة التدين المغلق الذى لا يرى الآخر،ولا يتقبله".