القاهرة 13 فبراير 2018 الساعة 11:33 ص
كتبت : نضال ممدوح
في روايتها"فستق عبيد" والتي فازت عنها? الروائية الأردنية"سميحة خريس" بجائزة كتارا للرواية العربية في فئة الروايات العربية المنشورة، والتي كانت قد صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب مطلع العام الجاري? تنقب خريس في تاريخ أوجاع القارة السمراء وسكانها السود مع الرجل الأبيض? ذاك الماضي الحافل بأحط أنواع الاستنزاف والنهب الممنهج والإفقار للقارة البكر من قبل الرجل الأبيض? من أول حركة الكشوف الجغرافية التي تصدرتها كل من البرتغال وأسبانيا وهولاند ولاحقا فرنسا والمملكة المتحدة الإمبراطورية التي لم تغب عنها الشمس? وفي البداية روج الرجل الأبيض لمهام نبيلة عن تغيير العالم? وحمل الوثنيين/الأفارقة علي الإيمان وانتهاج طريق الرب? فكان التاجر والكاهن في
مقدمة تلك الحملات التي شنها الأوروبي الغربي علي الأفارقة.
وفي اختبار لقولة مقولة"أكتب عما تعرف" نجحت خريس في تفكيك تلك الأسطورة? حيث نسجت علاقة الأفريقي بالسيد الأبيض في دائرة تبدأ بالجد "كامونقة أو معتوق"مرورا بحفيدته "رحمة" وصولا إلي إبنتها "كريولو" تلك التي أنجبتها من سيدها "ساراماجو. ودوما ما يجد المنتصر من يكتب حكايته? وظل المنهزم منسيا مهمشا? لكن خريس منحته تلك الفرصة? وقصت لنا طرفا من ميراث التاريخ الأسود الذي تعرضت له القارة العذراء. تبدأ الحكاية بالجد كامونقة والذي أختطف من دياره في "دارفور"وهو يسعي علي رزقه? فيتحول من فتي حر إلي عبد أشتراه"التيجاني" والذي يحسن معاملته حتي يصير كاتم أسراره وساعده الأيمن? إلا أن توق كامونقة للحرية? يجعله يلتحق بجيش"المهدي" لينال حريته كما روج عمن يلتحق بالجيش الذي يندحر أمام الإنجليز والمصريين. أهوال عاناها كامونقة سواء فقد زوجته الحامل "اللمون" وتعرضه للموت جوعا مرات عديدة. وفي عام 1900 يعود كامونقة أو معتوق بعدما أسترد حريته إلي قبيلته ليبدأ فصل جديد من العبودية عبر حفيدته رحمة? تلك الفتاة اللاهية عن هموم الحياة ومكدراتها? تنطلق ضحكتها تملأ الأرجاء عفية غير مدركة من يخبئه لها القدر من بؤس وشقاء. تقع رحمة كما جدها في شباك صيادي البشر ممن يحولون الأحرار إلي عبيد وسلع يتاجرون بها .
ورغم أن الجد معتوق قد زرع أرضه بالفول السوداني? ليجنب أولاده وأحفاده مرارة العبودية? إلا أنها تختطف:" تذكرت كيف كان الجلابة وقطاع الطرق يقتنصون الصغار الجوعي عارضين عليهم ملء أكفهم حفنات من الفول? مستغلين جوعهم وهم يختبئون وراء الأشجار مادين أكفهم لطفل جائع يهمسون: "مجاوة ..مجاوة"تغري حبات المجاوة في أكفهم الأطفال الجوعي? هكذا اختطفوا السذج في الماضي? وأنا أنظر أولادي وأحفادي أردت تحصينهم من غواية الفول? والذي يسمونه في أماكن كثيرة فستق عبيد? الذي يمكن أن يوقعك في العبودية? قلت لنفسي أزرعه فيشبع الأولاد? ولا يذهبون إلي العبودية بأقدامهم."
في رحلتها إلي الأصقاع الباردة بعيدا عن شمس أفريقيا الساطعة? تقع رحمة في متلازمة "ستوكهولم" رحمة التي ظنت أن سارماوجو الذي أشتراها وصار يعاملها سيدا علي عبده أمام الناس علي سطح السفينة? بينما يعاملها
كعاشق حينما تضمهما غرفة واحدة بعيدا عن العيون? قد يكون عاشق حقيقي فتنسي الذل والمهانة التي تعرضت لهما ضمن جموع العبيد علي ظهر السفينة التي كانت تنقلهم كالحيوانات? مكومين بالعشرات في قاع السفينة? يتغوطون ويتبولون في مكانهم? ومن يموت منهم يلقي في قاع المحيط. لكنها تصحو من أحلامها التي قضتها في الجزائر? علي الواقع المرير البائس كعبدة جلبها ساراماجو لتخدم زوجته "كارولينا"? متنكرا لها وكأنه لم يشعر برجولته وكيانه إلا بين نهديها. ربما في داخله كان ساراماجو يهرب من تحقير زوجته له وإهانته علي الدوام وتذكيره بأصله? وأنه مجرد إبن آمر المزرعة? حتي بعد أن صار من كبار التجار الأثرياء الذين أغتنوا علي مدار الحربين العالميتين الأولي والثانية. يمارس ساراماجو سلطويته الذكورية علي عبدته رحمة كأمرأة? تلك السلطوية التي تمارسها زوجته الأرستقراطية عليه? لذا كان من البديهي والمتوقع أن يتنكر لها بمجرد أن وصلت السفينة شاطئ البرتغال. في مزرعة السيد نتعرف علي الخادمة العجوز"آوا" وحلقة أخري من إستباحة العبيد? استباحة أجسادهم وأرواحهم? وقوتهم التي بنت وشيدت حضارة الرجل الأبيض? تعرضت آوا للإغتصاب هي الأخري علي يد آمر المزرعة وحملت جنينيا هو شقيق ساراماجوا. وإن كانت آوا تستمد قوتها من الله وما تبقي في أطياف الذاكرة من ذكرياتها في بلدها السنغال? وكيف كانت أميرة ابنة لملك القبيلة? حتي أنها عندما تلد رحمة وينقلونها لحظيرة الخنازير وكادت أن تهلك وتموت? ترسل لها آوا مسبحتها إليها حتي تلتمس منها قبس من القوة والضياء? لكن رحمة التي رفضت الكنيسة فيما بعد تعميد ابنتها? تلقي بالمسبحة بعيدا وتتساءل:" ألست من عبيد الرب؟ ألا تحب سيدة الرحمة كل الناس؟ ألا ينطبق هذا علي السود؟ هل تمنعون الصلاة علي إذا مت؟."
تحضر في الرواية الدور الذي لعبه اليهود خاصة من الجزائريين ذوي الأصول الفرنسية? في تجارة العبيد الأفارقة? فهم كما تشير الرواية سادة تجارة العبيد علي طول ساحل المتوسط? قادرون علي تجاوز الأنظمة المعلنة والتحايل عليها والالتفاف للإفادة بها? رغم صدور القوانين التي تحرم وتجرم هذه التجارة