القاهرة 13 فبراير 2018 الساعة 09:37 ص
أسامة الحداد
الرواية في صيرورة مستمرة ومحاورة الماضي وملفوظاته ليس لعبة فخصوصية الرواية ترتبط بقدرتها على الوجود الإشكالي والمتفاعل داخل التاريخ ومسائلة العالم وتثير ’سورة الأفعى” إشكاليات عديدة في معمارها اللغوي وبنيتها وعوالمها... إن الزمن قد هجر استطراده والفصول ال 11 تتشظي لدرجة أنه يمكن القول أنها رواية عنقودية فوصفها بمتوالية سردية سيغدو مجحفا فالسارد يندفع داخل النص باستخدام تقنيات القصة القصيرة ليكون الحدث هو البطل ومن خلال الأحداث التي تتناثر وتنفصل مع ترابطها ندخل تلك اللعبة حيث تفكيك النص يتجاوز ما هو شكلاني ليكون مساحة داخل الخطاب السردي وليعلن منذ البداية عن تفكك العالم وبعثرته بما في ذلك الأمكنة والتاريخ والأسئلة التي تتجاور داخلها الأسئلة الأولي عن الماهية والوجود مع السؤال الآني عن كيفية الحياة ومواجهتها، ويمكن ترتيب الفصول والمقاطع بأشكال متعددة، فالنص يتميز بمرونته الشديدة ويعيدنا أحيانا إلى بدرو بارامو لخوان رولفو حيث لعبة التباديل والتوافيق بين الفصول وإن كانت – بعيدا عن المقارنة – تبدو هنا أكثر تحققا بفضل تقنيات القصة القصيرة التي تم توظيفها لتشكل عوالم الرواية ولغتها الشعرية باعتبار أن القصة القصيرة هي أقرب الأشكال السردية إلى الشعر حيث تبرز الملامح الذاتية للسارد والتكثيف واستخدام المفارقة وسرعة الإيقاع وجميعها سمات داخل النص تتجاور مع تعدد الأصوات وكسر مطلقية الصوت الاحادي ليحقق المبدأ الحواري بشكل لافت .
وثمة جدليات متعددة داخل العالم الوحشي الذي يبدأ من مقابر أبو الريش إلى الغربان وهي تهرب من نجم الدين ومن الشيخ الذي لا يجد مريدين للغريب وهو يتحول إلى غبار يتشكل فعلي التمرد والانتهاك ويتزامنان مع خلخلة العالم وبعثرته فمن العنوان عتبة النص يبدأ التمرد " سورة الأفعى" ولفظ سورة كمصطلح في علوم الفقه والتفسير ليس بحاجة إلى شرح وسورة بجانب أنها نص داخل المقدس تعني أيضا قفزة ومصدرها سار في وسار من وسار على ويقال سورة الغضب إذا أشتد، أما الأفعى فهي العدو ورمز للغواية ألم تكن الحية هي من وسوست لحواء وخرج الأبوان من الجنة، والأفعى صفة للخبيث والشرير، ومن عتبة النص أحد مفاتيحه وأولها حيث مواجهة المقدس والتضاد معه إلى الإهداء الذي يكشف عن التوجه نحو الغرائبية ( إلى الغراب والغريب والمسخ ) وهو ما يكشف عن حالة شبحية تسكن داخل المتاهة السردية بأشكال متنوعة كالأحدب والصياد ولبنى وتلت الإهداء مقولة من سفر أيوب ( العهد القديم ) " حرب هي حياة الإنسان على الأرض" وهي توطئة لتقديم صراعات متعددة بين الحياة والموت والحلم والكابوس/ الشخص وشبحه ... ولم تكن رأس ميدوسا وعين حورس ولا تفاحة أو الساحرين إشارات عابرة ومجرد عناوين داخلية أومفاتيح للقراءة فجميعها من نسيج النص تحلق في فضائه وهو يواجه المعرفي بسخرية واضحة فثورة يناير في أغسطس "أغسطس 2011، ومرآة زرقاء ضبابية، يقف امامها الغريب. يبدو باهتا مثل شبح"ص 47 وهنا الخطاب الروائي يتأرجح بين التمرد والنقد فالثورة حاضرة في فضاء النص تتشكل مقدماتها حينا وتلوح من خلف الستار أحيانا ( إن القاهرة صارت مدينة أخرى لا يعرفها، مدينة للظلام والخفافيش واللصوص والقتلة، ونهضت المرأة وأغلقت الباب بثلاثة أقفال، وربتت على كتف رجل وقالت " لا تخف، عندنا من الطعام ما يكفي " )ص 50 والحال ذاته مع ثورة يوليو والتي ترتبط بأزرار تلك البدلة وبالرئيس القادم من الجيش الذي يقرأ المنشور الأول للضباط في أكتوبر 1950وكأنه يتعمد صدمة القارئ والتفاعل معه والإلحاح على أنه لا يقدم تاريخا فألكسندر غير الأسكندر الأكبر وحياته التي نثرها داخل العمل ليست حياة القائد المقدوني الذي غزا العالم، إن السارد يعلن عن موقفه النقدي وعلاقة الأدب والكتابة بما هو معرفي فالنص الأدبي ليس إنتاجا له ولا يقدمه كما هو كائن أنه لايرصد الأحداث ولا يسجلها هذه ليست وظيفته، فلا يوجد ما هو حقيقي " العالم مرهق جدا كالألغاز " وهو ما صرح به داخل النص الذي يمكن أن نرصد في فضائه ملامح عديدة تخص ما بعد الحداثة كاستخدام الأسطورة الذي يعيدنا إلى مقولات ليفي شتراوس في كتابه العقل المتوحش وكيف أن ما هو مجسد يمكن أن يكون أدوات فكرية للتعبير عن أفكار وعلاقات مجردة، وأن التفكير الجامح يتجه لتنظيم عوالمه بتلك الوسيلة فالأسطورة والتفاعل النصي معها سواء ما كان شعبيا كالنداهة والأشباح، وحتى ما هو في الميثولوجيا الأغريقية مثل ميدوس، وما هو قادم من المتاهة العربية الكبرى ألف ليلة وليلة حيث تعيدنا عروس البحر التي تطارد الصياد حتى تقتنصه إلى حكاية الجنيات السبع بنات ملك البحار،والجنية ميمونة في حكاية الملك قمر الزمان ابن الملك شهرمان وغيرها من حكايات شهرزاد، وفي الوقت ذاته إلى النداهة بما تمثله من موروث شعبي،وحكاياتمعاشة من الطفولة حيث التحذير من الجنية خوفا على الأطفال من الغرق والبلهارسيا فتلجأ بعض الأسرلصناعة أسطورة تبعد الصغار عن الخطر، فالتفاعل النصي والممارسة الدلالية من ظواهر النص وهي من بين آليات ما بعد الحداثة، ومن الاستحضار والتضاد كآليتين للتفاعل النصي بداية من العنوان عتبة النص ومرورا بشخصيات تاريخية كالمسيح وأرسطو ومحاورات الفلاسفة إلى نشرات الأخبار وأحداث الحروب في المنطقة خاصة في بغداد وارتباط هذه الوقائع بالربيع العربي وتاريخ الأسكندرية من عمود السواري وشارع النبي دانيال إلى المقدونيين وبناء المدينة التي تعيش كأسطورةوهو ما منح النص حالة ديالتيكية متجددة في رحلة البحث عن حقيقة وجود أشخاص لا يمكن أن نثق في غيابهم أو حضورهم أيضا وهو ما يحيلنا إلى إشكالية الشخصية داخل العمل الأدبي وهل هي تصور ما لأشخاص يعيشون بيننا وإعادة إنتاجهم عبر النص أم كائنات ورقية وأن الشخصية في الرواية لا لزوم لها كما يرى بارت الذي يقلل من أهمية الشخصية داخل العمل،وفي الوقت ذاته يذهب بنا إلى مقولات عديدة حول الغرابة والأشباح والمسوخ، ويعيدنا إلى المقولة الشهيرة لدريدا "ربما كان الشبح هو الحقيقة الكامنة داخلنا .
وفي فضاء النص ثمة عالم متوحش ليس في جسد أم علاءولا مظهر الأحدب ومشاهد القبور وعودة الموتى بل هو تيار يسري داخل العمل في أبو الريش وكانتين الوحدة العسكرية الذي يظنه راحة فإذا به كارثة وديون وعقاب أشد إيلاما، وفي حوار الأحدب والشيخ حيث تنتصر الغواية وينهزم الشيخ في استسلامه لرغباته الطبيعية (- الأرض منفانا. لقد غوى آدم لذا فإن الله يعاقبنا
تقصد: يروضنا.
لا مشاحة في الاصطلاح
لن أقبل بهذا المنفى
ماذا ستفعل؟
لن أرضخ. سآخذ ما أريد بيدي.
- تفاحة أخرى...خطيئة أخرى.
إن التمرد داخل الحوار- والذى ينتهي لتبادل الأدوار بين الأحدب والشيخ - يحمل وحشيته وغرائبيته ومن خلالهما يتشكل الفضاء النص ويبرز الخطاب المسكوت عنه بمستويات متعددة للتلقي .
وعلى الرغم من أن الخطاب الروائي في سورة الأفعى خطابا شاعريا إذ اللغة تتجاوز فكرة الوظيفية والأداة إلى لغة شعرية محلقة تحمل التخييل والمجاز وتتجاوز المفاهيم الراهنة للخطاب الشعري القائم على عدد من المسلمات المعتبرة والتي تكونت من خلال قوى تاريخية متصلة بالصيرةرو الللفظية والأيديولوجية لبعض الفئات الاجتماعية المحددة ...إننا أمام عمل سردي يحمل خطابه الخاص ويشكل عنقودا من العلاقات غير المنتظمة من خلال شخصيات غير منتمية فالاضطراب والفوضوية أعمق تجذرا من النظام الذي يمكن الإيمان به وعالم اللامنتمي هو جو كريه جدا يتجاوز تصورنا عن المتشائم كما يرى ويلسون فالأحدب ونجم الدين وحسن وأم علاء وسالي والصياد جميعهم يمكن وصف أي منهم بالغريب واللامنتمي والشبح إنهم غير متوافقين مع المجتمع وإن تباينت الشخصيات وتنوعت إلا أن ما يجمعها هو تلك الغرائبية والابتعاد بمسافة ما عن المجتمع والانعزال عنه أو العزلة بعيدا عن قيوده في موقف نقدي حاد ضد المجتمع وتارخه وعاداته.
إذا كانت عملية الكتابة الأدبية هي لعبة من ألعاب التوافيق والتباديل وفق نظام من الاحتمالات والتوقعات فداخل النص بعلائقه المرتبكة والمتشظية الكثير مما يقال عن الجسدانية والأيروتيكية ... عن اأسئلة والزمن والحيز فالزمن هو زمن الحدث وهو هنا يقترب مما ذكره باشلار عن الزمن في كتابه لوتاريامون حيث الزمن هو لحظة التحول وارتباطه بالعنف وهو هنا لحظة الحدث بعيدا عن التاريخاني والماضوي وزمن الكتابة وزمن التلقي وزمن الحدث يعني تشظي الزمن وتبعثره فلحظة الإضاءة لحظة الفعل هي ما يتحقق بها الزمن ومع تشظي الزمن يبدو تشظي المكان وتعدد الأمكنة من أبو الريش إلى محافظة بابل الأسكندرية شاطيء النيل المقابر الشيخ زايد، فثمة خطوط متقاطعة ودوائر متداخلة تجعل من تأويل النص – وهو ليس هدفا – أمرا عسيرا إذ النص ينطلق في صراعات عديدة في اللحظة ذاتها ويضعنا في مواجهة ذواتنا وهزائمنا وتصوراتنا أيضا ليس عن الحياة والموت والعالم بل حول مفهوم الأجناس الأدبية وأنواع السرود والشعريات الرئيسية والتمايزات بينها وبخاصة عن القصة القصيرة والرواية حيث كل مقطع داخل النص في عنوان جانبي هو قصة قصيرة مستقلة والكثير منها مثل سحر بابل بني على تقنية الحلم والحالة الكابوسية وهي احدى التقنيات العديدة التي تتوائم والعالم المتوحش في سورة الأفعي