القاهرة 13 فبراير 2018 الساعة 09:27 ص
د إيمان الجمال
" إن كل كتاب يحث الإنسان على الفضيلة والتقوى ، إنما هو كتاب مقدس ".
" سيبنوزا " رسالة في اللاهوت والسياسة
يقول " سيجفريد مورينز " : " أن أفضل تبرير لدراسة الديانة يمكن في كونها الركيزة الأساسية التي قامت عليها الحضارة المصرية ".
لخص المصرى مفهومه عن الموت في أحد نصوص الأهرام : " إن الروح ( مستقرها ) السماء ، بينما الجسد للأرض".
يقول النص: " روحك تنتمي إلى السماء عند رع ، وجثتك تنتمي إلى الأرض عن أوزير ، روحك ينبغي أن تستريح على جثتك كل يوم ".
النص بمقبرة " بيبى" : " إنك تصعد إلى جوار أمك " نوت " إنها تمسك بساعدك ، إنها على الطريق نحو الأفق ، محل إقامة "رع " عندئذ تفتح من أجلك أبواب السماء ، وتتفتح من أجلك أبواب النسيم العليل ، وتلتقي ب " رع" واقفاً إنه يحبك ويمسك بيدك ويقودك إلى المقربين الإلهيين فى السماء ، ثم يعهد إليك بعرش أوزوريس" .
" يا صاحب العظمة .. يا الهي الأب أوزوريس .. يا من أوجدت نفسك بالحياة بواسطة أعضائك .. أنت لن تتحل .. أنت لن يصيبك الفساد .. أنت لن تتعفن .. وأنا لن أتحلل .. سيكون لى وجودي .. سأعيش .. سأنمو.. سأستيقظ فى سلام.. جسدي سوف يرسخ ولن أسقط لأصبح أطلالاً .. ولن أدمر خارج الأرض "
وارتبط الدين بالخلود فكان ينظر إلى الموت على انه مجرد امتداد للحياة وكانوا يعتقدوا في السماء وفى الحياة التي يحياها المرء بعد موته ." واعتقدوا أن الوصول إلى حقول الخيرات الأخروية يكون بالاهتمام بالشعائر الدينية والاعتناء بها ".
عن الكتاب المقدس لدى قدماء المصريين ، تنوع واختلف بداية من نصوص الأهرام في الدولة القديمة ونصوص التوابيت في الدولة الوسطى والتنوع في الدولة الحديثة لكتاب الموتى وكتاب الأم داوات وكتاب البقرة السماوية وكتاب الطريقين وكتاب الليل وكتاب النهار.
هي نصوص تعبر عن تطور الفكر الديني عن المصري القديم وحداثة لنصوص الأهرام والتوابيت ، لتزويد المتوفى بكل ما يمكن أن يحتاجه من زاد فكرى في رحلته إلى العالم الآخر، في تطور للاهوت المصري وفى محاكمة للميت في صيغة معيار كامل للقيم الخلقية لحياة الإنسان و إطاحة للموت وجعله تعميقاً للخلود ، وصولاً لأرقى حس في استنكار الكبائر، في حضرة ماعت ريشة الحق .
عن صياغة كتاب الموتى تحدثنا الكاتبة في مستهل المقدمة ،انه تتصل هذه الطبعة إلى الأسرة الثامنة عشرة ، وهذه النصوص قام بتجميعها عالم المصريات الهولندي "ادريان بوك"
وهذا الكتاب مقتبس من النصوص الجنائزية في الدولة القديمة والوسطى ، ولكن الرسوم اختلفت عن نصوص التوابيت ونصوص الأهرام، تقترب النصوص إلى الحداثة نتيجة الديمقراطية في الطقوس
وسمة إسهامات في تكوين كتاب الموتى ومنها الإسهام الطيبى الأول فكانت الرسوم غاية في الدقة واعتنى الفنان بالألوان بشكل رسوم متلاصقة .
ومن البرديات المحفوظة في المتاحف بردية "يويا" المحفوظة في المتحف المصري بالقاهرة ولكنها لا تتضمن غير أربعين جزء أو تعويذة من حوالي مائة وخمسين تعويذة ، وهناك بردية "خع" المحفوظة في متحف "تورينو" وتتضمن ثلاثة وثلاثين تعويذة وترجع إلى عصر أمنحوتب الثالث أما بردية "آني" المحفوظة في المتحف البريطاني تتضمن 137 تعويذة ، ومن أشهر التعاويذ تعويذة القلب ، وتعويذة التحولات ، وتعويذة البراءة ، والتعاويذ ضد الحيوانات الزاحفة، والتعاويذ التي تدل على معرفة أماكن الأرواح المقدسة والتي تعتبر من التعاويذ الغامضة فى معرفة أماكن الأرواح المقدسة .
وعن الإسهام الصاوي وذلك في الأسرة السادسة والعشرين تحت حكم الملك بسماتك وسميت بالنهضة الصاوية والتي ظهرت في جدران المقابر الصاوية في سقارة وهليويوبليس نقلت من نصوص الأهرام والتوابيت والتي قدمها "ليبسيوس" الألماني بنسخة منسوخة باليد عام 1842 وقدمها في 165 فصلا عن العصر البطلمي للمدعو "أيو – غف- عنخ "، وقدم عالم الآثار الهولندي "بلايت" عام 1881 وأضاف تسعة فصول على ما قدمه "ليبسيوس"واسماه كتاب الموتى ، ونشر نافيل السويسري طبعته الكتاب المقدس للمصريين القدماء وقام نافيل بتخصيص جزء خاص للاختلافات التي طرأت على التعاويذ ونشر السير "ولاس بيدج" عام 1898 مجموعة فصول وأسماه كتاب الخروج في النهار " برت إم هيرو" وقام فيها بجمع نصوص الأسرة الثامنة عشر والعصر البطلمي وأضاف التعاويذ في بردية آني والعمل مكون من 190 فصلا ، ونشر في كتاب وصف مصر نص عن بردية تورين والتي قام ليبسوس بنشرها ، واهتم شامبليون بالطقس الجنائزي في متحف تورينو .
و عن الخروج في النهار هو عنوان كان على ظهر البردية وجد في الأسرة التاسعة عشر وهو تعبير يعنى رغبة المتوفى في السعادة الأبدية عندما يرقد تحت التراب يستمد من نور الشمس فتضئ الظلمات في العالم السفلى ولذلك كان يرغب المتوفى في الخروج من تابوته تحت أشعة رع ليتمكن من الفرار من شراك الظلمات والذي يعتبر الولادة من جديد بشكل يومي على هيئة قرص الشمس .
ارتبط الكتاب بالسحر والدين ويعرف المصري نفسه بأنه الإله أو يرتبط اسمه بالإله وجعل نفسه "با" روح تنفصل عن الجسد بعد الموت وهى كالطائر بوجه إنساني يشبه المتوفى ويظهر ذلك في الفصل 85 في امتلاك هيئة الروح الحية ويصبح بذلك الأبدي وتجعل من المتوفى الاندماج بروح "البا"، والسحر هو سلطة ملزمة يملكها المتوفى بقوة التميمة الحامية حول عنقه في قوة سحرية للصلوات حتى يحين الانصهار الكلى مع الآلهة .
وفى ضرورة أن يشهد القلب لصالح المتوفى حتى وان كان مذنباً فعليه أن يكون بدون ذنوب مدرك قوة السحر في اعترافه الإنكاري ووجود المحاكمة في الفصل 125 ووضع القلب في كفة وريشة الحق "ماعت" في الكفة الأخرى ويتغير نتيجة الميزان ويتخلص المتوفى من خطاياه ويشرح البراءة أمام اثنين وأربعين قاضيا فهو يعتبر نفسه طاهراً .
وفى الفصل 17 ،64 ميز اللاهوت الخاص بهليوبوليس والفصل 81 والذي يشير باتخاذ زهرة اللوتس يحملها رع وتتفتح وتبزغ وتشير إلى النور وهى الولادة للنور وتشير الفصول
(54 ،56، 59 ) إلى أن البيضة الأزلية قد فرخت في هيرموبوليس .
وتم وضع لأوزوريس أهمية كبيرة في اندماج المتوفى مع أوزير والخضوع لكل طقوس التطهير والتحنيط والتمتع بالخلود واصطحاب رع في مسيرته .
والجزء الأول الطريق إلى الجبانة في الكتاب يضم من الفصل 1 إلى الفصل 16 في تجسيد رحلة المتوفى إلى الجبانة وتقدم التابوت الكهان بمصاحبة مجموعة من النائحات وخلف التابوت صندوق الأواني الكانونية الذي يضم الأحشاء يعلوه أنوبيس ويليه صندوق الأوشابتى أي المجيب وأخيراً الأساس الجنائزي ويقوم الكهان بتلاوة الفصول الأول والثاني والثالث أمام جحوتى والرابع يتقمص المتوفى شخصية جحوتى والفصل الخامس يقوم أنوبيس بحماية صندوق الأحشاء والسادس التعويذة التي تطلب من الاوشابتى أن يقوم بالأعمال التي كان يقوم بها المتوفى وفى الفصل السابع يصل المتوفى إلى المقبرة بالجهة الغربية والفصل الثامن والتاسع يهتم بسهولة المرور على العالم السفلى وبفضل التعاويذ( 10 و11) يتحقق له النصر على الأعداء ويعبر الأبواب بفضل الفصلين (12 و13 ) وبفضل النص 14 يواجه المتوفى بغض الآلهة ويتلى الأناشيد في الفصل 15 والفصل 16 يصور الفصل مع تمثيلية للعملية التي ترمز إلى تحويل المتوفى إلى عنصر شمسي.
والجزء الثاني من الكتاب خاص بالخروج بالنهار " البعث"ويمثل الجزء الكبير من الكتاب ويتمثل الفصل 17 بتقديم الخلاصة والتفسير في تقديم المتوفى نفسه كخالق وفى جزء آخر يتجه إلى رع لطلب الحماية والفصول من (18 إلى 20) تتمثل في علاقة شروق الشمس الجديدة في صلاة في الصباح لصالح المتوفى ويستعيد المتوفى فمه ونطق الكلمات في الفصل
(21- 23) والقوة السحرية في الفصل 25 ويرد إليه قلبه في الفصول (26- 30 )، وذلك بعد أن يشهد على نقاء صاحبه ويزود بكل سلاح في الفصول( 31 - 36 )، ويأمن من الإغراءات المحتملة في الفصول( 37 – 40 )، وبفضل نقائه فهو آمن ويحيا إلى الأبد في الفصول
( 43- 46) ويتجنب الخطر القاتل في الفصول( 48 إلى 50 )، إلى نهاية الفصول 63 يضع تحت تصرفه نسمة الهواء والمياه والنار .
والجزء الثالث بالكتاب يمثل الخروج في النهار التحولات وهو الأكثر تعقيداً ويجمع عدد كبير من الفصول وفيه يتحول المتوفى من بعد تجدده حتى يستطيع الخروج في النهار بحيث يتطابق المتوفى مع الشمس مع الحفاظ على شخصيته في الفصل 64 وفى الفصول( 67-86 )، يستيقظ مثل أوزوريس ويتحرر من قيوده ويتطهر في الفصول( 72 – 75 ) وبذلك يمكنه الذهاب إلى هليوبوليس مدينة الشمس في الفصل 75،والفصول (76-88 ) تسمح للمتوفى بان يتخذ أشكالاَ مختلفة وتتبع الإنسان روحه والاتجاه يكون من الشرق إلى الغرب في اتجاه مسيرة الشمس الفصول( 89-92) ويستمد القوى السحرية في الفصول( 94الى 97 ) ويحمله زورق رع في الفصل 98 والفصل 99 يقومان بإجراء حوار مع قائد الزورق وفى الفصول (100-102) يأخذ المتوفى أن يأخذ مكانه في الزورق الشمسي لعبور السماء وتوجد فترة تفصل بين دخول المتوفى الزورق إلى جانب رع والتقرب إلى حاتحور وتعتبر هذه الفصول تشهد على معرفة المتوفى لبعض الأسرار الدينية والرموز الأسطورية توجد الفصول من (103 إلى 116) ، ومن الفصل 117 وصولاً للفصل 129 وهو دخول المتوفى إلى العالم السفلى ووقوفه أمام أوزوريس واتجاهه إلى مجلس محاكمة الآلهة في الفصل 124 في أن يشهد على براءته مروراً بمشهد المحاكمة في الفصل 125 منتظراً نتيجة وزن القلب بينما يقوم جحوتى بتدوين النتيجة ويقف بالقرب منه الوحش الذي يلتهم المذنب إذا ثبتت إدانته ويتوجه المتوفى إلى أوزوريس والآلهة حتى يتمكن من اجتياز قاعة المحاكمة ، والفصول من (126 إلى 128) تمكنه من عبور الأبواب المخفية في العالم الآخر .
والجزء الرابع من الكتاب – العالم السفلى وممكن تصنيفه إلى مجموعتين تعالج رحلة المتوفى الشمسية بالزورق في العالم الخفي والعبادة الواجبة له في الأعياد والمجموعة الثانية هي وصف لجغرافية عالم الموتى في الفصول من( 130 إلى 136 ) تعتبر صيغة موجودة في كتاب الطريقين في ملاحة زورق الشمس في مطابقة المتوفى رع يوم ولادة أوزوريس ويظهر رع كنجم في النهار وكالقمر منتصراً على الأعداء ، والفصل 173 يعطى المتوفى حماية مشاعل المجد الأربعة التي يحملها أبناء حورس الأربعة لتضئ الضريح وتضاعف حماية التعاويذ الأربعة ، وفى الفصل 140 تظهر العين المقدسة منتصرة وتقدم لها القرابين وذلك في اليوم الأخير لفصل الشتاء ويصبح المتوفى حورس بن أوزوريس ويعرف أسماء كل الآلهة في الفصول 145 إلى 146 ، ويحقق المتوفى زاده من خلال الفصل 148 وتأتى الفصول من (149 - 162 ) تزداد حماية المتوفى وجسده من التعفن .
وبنهاية الكتاب يأتي الجزء الخامس وهو التعاويذ الإضافية والمأخوذة من مجموعة أخرى والتي تكمن في الثناء على أوزوريس .
الآخرة الأوزورية احتلت مكانه قوية وأصبح " أوزير " سيد العالم السفلى بصحبته للمتوفى واعتقد المصري أن عقيدة أوزوريس تيسر لهم الحياة بالعالم الآخر ، و نهرهم العظيم وأرضهم الخصبة تزدهر بسببه ، فهو رمز لحياة الأرض .
ترجم المصري القديم الفكر الديني في رؤى تصويرية تتجلى في المعابد والمقابر، وتجلت كتب العالم الآخر في نصوص دينية احتوت على أفكار فلسفية فقد كانت أدباً وفلسفة أخلاقاً وديناً في آن واحد ، و الفكر الديني في نشأته لم يخل من الملامح الأسطورية.
وسأختتم بالصيغة التي قدمها المتوفى في المحاكمة الأوزورية لينجو من المهالك ويخلد في الدار الآخرة المسماة بالاعتراف الإنكاري والتي ختمها بلم ألوث مياه النيل
أنى لم أقتل،
أنى لم أحرض على القتل،
أنى لم أخالف أوامر الإله
لم تسرق
لم ازن
لم اشهد زورا
لم أتفوه باللعنات
لم أغش في الموازين
لم اخدع أحدا
لم أتكبر على احد
لم ارتكب خطيئة تجاه احد أو أتسبب فى شر لأحد
لم أقم بالتصنت على احد
لم أتدخل في شؤون الغير
لم اغضب بلا قضية عادلة
لم أتسرع بلا ضرورة
لم أعارض عائلتي
لم اسبب الألم أو الخوف لأحد
لم أتسبب ببكاء احد
لم أتسبب بجرح احد
لم أقم بإشعال فتنة أو نزاع
لم استول على أملاك مسكين
لم اقتطع من ارض جارى لأضيف لأرضى
لم اطرد الماشية عن مراعيها
لم ابعد اللبن عن أفواه الأطفال
لم اقطع مجرى مائي أو قناة
لم ألوث مياه النيل
أنا طاهر طاهر طاهر..