القاهرة 23 يناير 2018 الساعة 11:44 ص
بقلم: رشاد بلال
قرأت للكاتب أحمد حميدة عددا من قصصه القصيرة، منشورة فى جريدة الأهرام، ذلك قبل أن أراه. وقد رسخ اسمه فى ذهنى حينئذ، ثم التقيت به بعد ذلك، وبسرعة اقتربت منه. وقد لمست فى شخصيته الإنسانية صفات من الصدق والجدية والموضوعية، واستمعت إليه ناقدا فى بعض الندوات، ولاحظت صراحته فى النقد للكتاب حتى ولو كانت له علاقات طيبة مع بعضهم أو بعضهن.
وقد أصدر أول أعماله الإبداعية وهو مجموعته القصصية "النبش فى الذاكرة" عام 1981م، ثم توالت أعماله الأدبية، وله تسع مجموعات قصصية وخمس روايات.
وفى مجموعته ظل باب الصادرة عام 2000م تتجلى خصائص الكاتب أحمد حميدة افبداعية، فهو يكتب عما يشاهده فى يومه، عما يراه فى الشوارع والمركبات.
فمثلا قصة ظل باب والتى تحمل المجموعة اسمها؛ نرى القصة مكتوبة بضمير المتكلم، وأحداثها تجرى ما بين سوق الجمعة والقطار، والكاتب يحكى عن امرأة اشترت بابا قديما، ومعها ابنها الصبى، وظل القاص يتابع المرأة فى مشوارها ومعاناتها فى حمل الباب، ثم تشدد مفتش التذاكر فى المحطة، وبالكاد سمح لها بالركوب دون قطع تذكرة طرد للباب لأنها ليس معها أية نقود، لكن مفتش القطار كان أشد قسوة حين أنزلها هى وابنها والباب فى محطة سيدى جابر لتسليمها لنقطة الشرطة.
وفى قصة الوافد وهى أولى قصص المجموعة، نجد أن القصة أيضا مكتوبة بضمير المتكلم، وأحداثها تجرى فى الترام ما بين القاص وبين أحد الركاب، دون أن يتبادلا كلمة واحدة، لكن مرة بعد مرة تزايد هذا النفور حتى يصير متبادلا، بحيث أنهما ركبا مرة متجاورين وحاول كل أن يزحزح الآخر من مكانه. ونفور الكاتب من هذا الراكب أيضا فى قصته ولد صغير وهى بدورها مكتوبة بضمير المتكلم، وحكايتها عن صبى ممن يركبون أسطح القطارات، وقد وصل إلى محطة الوصول ميتا، والقاص يتساءل عن المكان الذى مات فيه الصبى ويذكر محطات بنها وطنطا وكفر الزيات وبركة السبع ودمنهور وسيدى جابر.
وفى قصته فقدان الحواس، وهى مثل ما سبق كتبت بضمير المتكلم ومكانها داخل قطار، وبطل القصة متهرب من قطع تذكرة القطار وقيمتها ربع جنيه بالشرود المفتعل، مع ملاحظة الآخرين، ويرى امرأة ورجلا يجلسان أمامه وسط الزحام الشديد، وعند اقتراب مفتش التذاكر ينزلان من الباب، وحين يهم القطار بالمسير يركبان من الباب الآخر.
وفى قصة صمت الغفوة يصف الكاتب القطار ويبدأ القصة بقوله: "تمايل القطار كسكير عربيد يترنح، منبعج الجوف، محشور بأحشائه بشر مرهقون.."
وعلى هذا المنوال باقى قصص المجموعة والتى تتكون من اثنتى عشرة قصة وفيها خصائص الكاتب أحمد حميدة، فهو يكتب كما قلت عما يراه فى يومه، أو فى مواصلاته، وفى سيره فى الطريق، فقصته فى الترام، وغيرها فى القطار، وغيرها فى سوق الجمعة.
وأحمد حميدة كما عرفت منه قرأ عددا كبيرا من الأعمال الإبداعية من قصص وروايات عربية وأخرى أجنبية مترجمة، واستوعب الفن القصصى جيدا، كما أن كثرة قراءاته قد أكسبته لغة عربية ممازة يعبر بها فى سلاسة ويسر.
وإن كان فى رواياته الأخيرة قد استعمل لغة غليظة بها شئ من القبح، ولعله تعمد ذلك إذ يكتب رواياته هذه عن المهمشين والعشوائيين، وأنا كنت صارحته بأنه كان يمكنه أن يعبر عن هذه الفئة بلغة غير التى كتب بها، لكنه إغراقا فى الواقعية الاجتماعية عمد إلى هذه اللغة فى الحوارات، مع مقدرته على غيرها.
وهو يكتب عما جربه بنفسه وعاشه، ولذا فعنصر الصدق الفنى فى أعماله ظاهر بوضوح.
وقد تعهد نفسه منذ علم نفسه بنفسه القراءة والكتابة، ووجد موهبته الأدبية تلح عليه، أن يوفر لنفسه متطلبات هذه الموهبة، بالإضافة إلى ما يتسم به من دقة الملاحظة والفراسة، وبالفعل وصل إلى درجة كبيرة من البراعة والإتقان فى أعماله، وخصوصا فى القصة القصيرة.