القاهرة 17 يناير 2018 الساعة 01:01 ص
التحديات الكبرى أمام وزيرة الثقافة المصرية
د. هويدا صالح
يظل حلم "تمكين المرأة" وإتاحة مناصب مهمة في الدولة المصرية لها يراود النساء اللاتي يشتغلن على قضايا المرأة، ويوصفن بأنهن نسويات، يتبنين الخطاب النسوي، الذي يطالب بمساواة حقيقية بين النساء والرجال.
صحيح إن النظام المصري دأب على اختيار بعض النساء كتمثيل محدود للمرأة في حقائب وزارية، لكنها تظل حقائب وزارية في وزارات غير مؤثرة في التكوين السوسيوثقافي في المجتمع، بل تظل هذه الوزارات المخصصة مجرد "كوتة" للمرأة وتنحصر دوما في البيئة والبحث العلمي، وأخيرا أضيف لها التضامن الاجتماعي والهجرة، وظلت وزارة الثقافة منذ إنشائها تقتصر على الرجال، ربما لإحساس النُظم المتعاقبة على الدولة المصرية بأن الثقافة لها تأثير هام وخطير على التكوين الثقافي لوعي المجتمع.
وبعد تغير النظام المصري بعد ثورتي 25 يناير و30 يوليو تمّ ترشيح الدكتورة إيناس عبد الدائم رئيس دار الأوبرا المصرية في وقتها لتولي حقيبة وزارة الثقافة، لكن التيار السلفي مارس ضغطه على الحكومة المصرية، وبعد التواصل معها لتولي حقيبة الوزارة وموافقتها، تمّ الاعتذار لها؛ لأن ذلك التيار الراديكالي الرجعي يؤمن من ناحية بخطورة وزارة الثقافة، كما يؤمن بمفهوم رجعي مفاده" لا يفلح قوم ولوا أمرهم أمرأة"، وظل حلم تولي سيدة لوزارة الثقافة مؤجلا.
هل يمكن أن تغير إيناس عبد الدايم السياسات الثقافية للوزارة؟
هذا سؤال مشروع، وظللنا ـ نحن ـ كمثقفين نطرحه مع كل وزير جديد يتعاقب على هذه الوزارة الخطيرة، التي لا يعترف بأهميتها النظام المصري، بل يعتبرها وزارة خدمية لا تعينه ولا تساعده، حتى في حربه الخطيرة ضد الارهاب. بل لو استطاع النظام أن يلغي هذه الوزارة ، ويوفر ميزانيتها لما له أولوية بالنسبة إليه لفعل، لكن النظام يظل دوما حريصا على تجنب صوت المثقفين العالي الذي يزعجه في الإعلام المرأي والمكتوب والمسموع، ولو وجد فرصة سانحة لتخلص فورا من وزارة "وجع الدماغ" وزارة " الصوت العالي".
لذا كل وزير أتى إلى هذه الوزارة منذ تولي جابر عصفور لها في نهايات حكم مبارك وحتى اليوم، الجميع جاء لتسكين الأوضاع فقط، ومن فكر في وضع استراتيجية، للنهوض بها، ,من فكر في وضع استراتيجيات ثقافية وتحقيق عدالة ثقافية تغير من المفاهيم الخاطئة والرجعية في المجتمع وجد من يعرقل عمله، وأصبح هذا متوقعا، لكن مع مجيء سيدة لتولي هذه الوزارة هل لو فشلت، لا قدر الله، سوف تجد من يرجع فشلها إلى المعوقات التي توضع أمام كل الوزراء للنهوض بها؟ أم سيرجعون ذلك الفشل لكونها امرأة، وسوف تنطلق دعوات أن النساء عاطفيات، والنساء لا يصلحن للقيادة، والنساء كذا وكذا؟!.
إن مشكلات الوزارة كبيرة وواضحة، للجميع، وثمة من ينادي بإلغائها وتحويلها لمجلس قومي للثقافة،أسوة ببعض الدول الغربية التي ليس بها وزارة للثقافة ولا وزارة للإعلام، لكن قد يصلح هذا في بلاد استقرت فيها الديمقراطية، واستقرت كذلك حقوق المواطنة في دولة مدنية لا تعاني من تخلف ولا عنصرية وطائفية، لكن ونحن نعاني من كل ذلك فهل تجد إيناس عبد الدايم وهي امرأة عُرف عنها أنها مقاتلة، فهل تعتبر ذلك تحديا يجب أن تجتازه، أم سوف تستسلم لكل المعوقات التي توضع في طريقها؟ هل تفضل السياسة الأسلم والأكثر أمانا أن يظل الوضع على ما هو عليه؟ هذا موقف قد يفعله شخص عادي، لكن شخص مقاتل، يعرف كيف يصر على النجاح حتى يحققه، مثلما فعلت إيناس عبد الدايم طوال عمرها، هل تتخذ هذا الطريق؟
الوزير منصب سياسي قبل أي شيء آخر؛ لذا من المفترض أن نرى بصمتها في سياسات جديدة يمكن أن تغير من بنية تفكير وذهنية مجتمع يعاني من الإقصاء والتهميش لبعض من عناصره الثقافية، مثل: المرأة والأقباط وغيرهم من المكونات الثقافية التي يجب أن تكون سبب قوته، لا سبب ضعفه. إيناس عبد الدايم وجه مصري مشرف، لأنها فنانة عالمية حققت إنجازات وتواجد على المستوى العالمي، كما أنها فنانة ذات رؤية أثبتت نجاحات على مستوى الإدارة في فترة إدارتها لدار الأوبرا المصرية في السنوات الماضية.
لدينا جميعا حلم طالما أعلنا عنه في السنوات الماضية التي تراجع فيها الدور المصري في الوطن العربي، بتراجع قوته الناعمة في مجالات الفنون والآداب، فهل امرأة بهذا الوعي وهذه الصلابة يمكن أن تنتبه لهذا الملف الخطير، وتضع استراتيجية واضحة لإعادة الدور المصري الناعم المتمثل في قوة ثقافته وفنونه وآدابه؟
هل تضع استراتيجية تحقق العدالة الثقافية في ربوع مصر جميعها، من شمالها لجنوبها، ومن غربها لشرقها؟
هل تضع استراتيجية ثقافية تشتغل على تنمية الوعي المصري ونشر قيم المدنية والحداثة وحقوق المواطنة؟
أم أن الحكومة كلها بوزرائها المختلفين حكومة مؤقتة ستسكن الأوضاع حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية الجديدة، وبعد مجئ رئيس جديد أيا كان وضعه سوف يختار حكومة مختلفة ومغايرة؟
نتمنى من سيدة بهذه الصلابة والإرادة أن تدرك أنها في فترة، ولو مؤقتة، تمثل عنق زجاجة للثقافة المصرية، وأن تضرب بيد من حديد على يد كل من يضع العراقيل أمامها؛ ليشغلوها بتفاصيل ومشكلات الوزارة عن التطوير والنهوض بالثقافة المصرية.