القاهرة 16 يناير 2018 الساعة 10:45 ص
كتبت: هالة موسى
ولد عبد الرحمن بن أحمد الكواكبي في حلب سنة 1854م ، من أسرة علمية يعود نسبها لآل البيت النبوي . تلقى تعليمه الأولي في أنطاكية حيث تعلم التركية ، ثم تابع تعليمه العالي في المدرسة الكواكبية بحلب . وقد أتقن اللغتين العربية والفارسية ، ما جعله يثقف نفسه عبر الاطلاع على الكتب والمراجع في مجالات علمية وشرعية وقانونية متنوعة .
بدأ الكتابة في الصحافة وهو في الحادية والعشرين من عمره عندما كلفه المؤرخ التركي المعروف أحمد جودت باشا بتحرير جريدة شبه رسمية اسمها ((الفرات)) التي أسسها سنة 1868م. عمل الكواكبي في هذه الجريدة خمس سنوات ، ثم غادرها ليصدر جريدة مستقلة سماها ((الشهباء)) ، وبدأ ينشر فيها مقالاته التي يصفها حفيده القاضي سعد زغلول الكواكبي بأنها كانت كالسيف المسلط على الحكام والموظفين الظالمين ، ما دفع السلطات إلى إغلاقها ، فأصدر صحيفة أخرى سماها ((الاعتدال)) مُنعت هي الأخرى . ترك الكواكبي الصحافة بعد ذلك ليتولى عدداً من المناصب الإدارية ، فقد ترأس بلدية حلب ، ثم غرفة التجارة ، والمصرف الزراعي ، كما ترأس لجان فحص المحامين وكتابة العدل . اتهم خلال مزاولته أعماله بجنايات سياسية بسبب تصديه لمظاهر الظلم والإجحاف التي كان يتعرض لها مواطنوه ، فأدخل السجن ، وحكم عليه بالإعدام لكن محكمة بيروت برأته .
سافر إلى اسطنبول ثم عاد إلى حلب ، فتفرغ لكتابة كتابيه ((طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد)) و((أم القرى)) . ولما أتمهما بدأ في نشر كتابه الأول ((طبائع الاستبداد)) ـ (يقع في 136 صفحة من الحجم المتوسط ، ويحتوي على مقدمة وسبعة فصول) ـ في صحيفة المؤيد المصرية ، على شكل مقالات تحمل العناوين التالية: الاستبداد والدين ، الاستبداد والعلم ، الاستبداد والمجد ، الاستبداد والمال ، الاستبداد والأخلاق ، الاستبداد والتربية ، الاستبداد والترقي ، الاستبداد والتخلص منه . .
أما كتابه ((أم القرى)) (يقع في 217 صفحة من الحجم المتوسط) فهو عبارة عن ضبط لمقررات مؤتمر النهضة الإسلامية الذي عُقد في مكة المكرمة سنة 1316هـ ، وقيل إن هذا المؤتمر لم ينعقد وإنما من صنع خيال الكواكبي ، ليعرض من خلاله أفكاره الإصلاحية والتغييرية المقترحة . بالإضافة إلى هذين الكتابين ذكر حفيده سعد الكواكبي بأن للكواكبي كتب أخرى قد ضاعت بالمصادرة ذكر منها: صحائف قريش ، العظمة لله ، أحسن ما كان من أسباب العمران ، وغيرها من الكتب التي لم يعثر عليها لحد الآن .
من مصر انطلق الكواكبي في رحلة طويلة إلى إفريقيا الشرقية والهند وجنوب آسيا ، ثم عاد قافلاً إلى الحجاز والخليج العربي ، ثم عاد بعد ذلك إلى مصر محملاً بتجارب ومشاهدات عمقت فكره ورؤيته الإصلاحية ، وقد التقى فيها زعماء الإصلاح مثل محمد عبده ورشيد رضا وعبد العزيز الثعالبي ، كما كانت له لقاءات مع خديوي مصر .
في السادس من ربيع الأول سنة 1320هـ الموافق للثالث عشر من حزيران سنة 1902م . توفي الكواكبي فجأة بعد ألم شديد في بطنه لم يمهله ، وقد قيل إنه توفي مسموماً .
أثارت كتابات الكواكبي معاصريه ومن جاء بعدهم ، ونالت اهتمام عدد كبير من الباحثين الذين اعتبروه من رواد حركة الإصلاح في العصر الحديث ، وممن أثرْوا الفكر العربي والإسلامي ليس فقط في المجال السياسي ولكن في عدد من المجالات التي تطرق إليها أو عالجها . ولايزال الكثير منهم يعتقد أن ما قدمه الكواكبي من تشريح للاستبدادين الديني والسياسي ، ووصفاته العلاجية لهذا الداء العضال لاتزال سارية المفعول لمعالجة الراهن ، فالاستبداد التركي زال ليحل محه استبداد عربي بمظاهر وأشكال لا تبعد كثيراً عن سابقه ، يشهد على ذلك عمق الأزمة السياسية التي تعصف بالعالم العربي ، وتجعله يراوح مكانه بين حنين لأمجاد الماضي ، وبين عواصف حداثة كاسحة ، وهي في طريقها لإعادة تشكيل هويته الفكرية والثقافية بعدما انتهت من تشكيل جغرافيته السياسية.