.:: مجلة مصر المحروسة ::. احد مواقع الهيئة العامة لقصور الثقافة

مازال الغضب الحادث فى الشارع العربى مستمراً، على إثر إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإذ تحتل القدس مكانة عظيمة في قلوبنا جميعاً، فإن السينما العربية لم تقف صامتة أمام القضية الفلسطينية، بل زخرت بالعديد من الأعمال السينمائية التي رصدت نضال الشعب الفلسطيني وجسدت قضيته منذ زمن بعيد وحتى الآن، فالسينما تأثير قوي يجعلها سلاحاً فكرياً ونضالياً فى آنٍ واحد، من خلال قدرتها التأثيرية والإقناعية الكبيرة، خاصةً لما تتمتع به هذه الوسيلة الاتصالية من خصائص وسمات تميزها عن باقي الفنون، مما يجعلها قادرة على تقديم رسالة للمجتمعات تظل عالقة فى الأذهان على مدى التاريخ. في هذا المقال سنستعرض بعض الأعمال الفنية من أرشيف السينما المصرية، والتي جسدت ملامح وتفاصيل القضية الفلسطينية، أو حتى تطرقت إليها بمشاهد بسيطة، فهذه الأفلام تعدَّ جزءاً لا يتجزأ من دور مصر التاريخي في نصرة الشعب الفلسطيني

إنتاج عام 1948م، وهو أول فيلم يتناول القضية الفلسطينية في تاريخ السينما المصرية ، ويتحدث عن بطولات الجيش المصري المنسية في حرب 1948م، وقد تم عرضه لأول مرة في نوفمبر 1948م بسينما رويال، وتدور أحداث الفيلم حول فتاة فلسطينية هاجرت من فلسطين بعد مقتل والدها على يد عصابة صهيونية، حيث ترحل إلى القاهرة لتعيش مع خالها، ويرتبط بها ابن خالها ضابط الطيران تاركًا خطيبته، ثم سرعان ما يذهب هو للحرب وتصاب طائرته ويكاد يفقد حياته ويصاب بإصابات تعوقه عن الزواج. الفيلم من إخراج محمود ذو الفقار، وتأليف يوسف جوهر وعزيزة أمير، وشارك في بطولته : سعاد محمد، ومحمود ذوالفقار، وحسن فايق، زينب صدقي، صلاح نظمي، سعيد خليل. وقد تم اختياره عام 2007م في المهرجان القومي للسينما المصرية الثالث عشر للسينما المصرية، من ضمن مختارات الأفلام القديمة التي تعرض لأول مرة كعرض أول بعدما يزيد علي 70 عاماً من عرضها بدور السينما.

الفيلم أنتج عام 1953م، وقد بدأ التحضير له منذ العام 1952م بعد إنتهاء حرب 1948، وهو من تأليف وإخراج أحمد بدرخان، عن قصة إحسان عبد القدووس، ومن بطولة عماد حمدي، وفاتن حمامة، ماجدة، محمود المليجي، حسن رياض، علوية جميل، سراج منير. وتدور أحداثه حول الضابط عماد الذي يذهب للمشاركة في حرب فلسطين، بعد أن يودع خطيبته ابنة عمه التاجر الثري، لكن في الحرب يصاب عماد ويتم بتر ذراعه، قبل أن يعود مع عدد من الجرحى من ميدان المعركة، وهذا يؤدي إلى حركة تذمر بين رجال الجيش بسبب الأسلحة الفاسدة، ويكون من بين موردي الأسلحة الفاسدة للجيش والد نادية، ثم سرعان ما تتكون جماعة الضباط الأحرار، الذين أخذوا على عاتقهم أن ينتقموا لوطنهم من الفسدة والمجرمين، فيطلب عماد من نادية البحث في أوراق والدها على دليل يؤيدهم، وعند القبض على والد نادية يموت إثر انفجار قنبلة يدوية فاسدة، وتنتهى الأحداث بالإطاحة بالملك وتحرير الوطن. جديرٌ بالذكر أنه في يوم 14 مارس 1955م قد حضر الرئيس جمال عبد الناصر حفل افتتاح الفيلم بدار سينما ريفولى بالقاهرة، والفيلم هو أول فيلم يحضر الرئيس عبدالناصر افتتاحه بعد الثورة. وقصة الأسلحة الفاسدة قد تم تناولها مرة أخرى فى فيلم (وداع في الفجر) الذي تم إنتاجه عام 1956م، من إخراج حسن الإمام وبطولة شادية وكمال الشناوي ويحيى شاهين.

فيلم أرض الأبطال تم عرضه في إبريل 1953م، وهو من إخراج نيازي مصطفي، وتدور أحداثه في أجواء حرب فلسطين عام 1948، حيث يُصدم البطل جمال عندما يعلم أن والده الثري قرر أن يتزوج الفتاة التي يُغرم بها، فيتطوع في الجيش، ويشترك في الحرب، وفي مدينة غزة يلتقي بفتاة فلسطينية، ويتحابان ويقرران الزواج، فيقوم الأب بتوريد أسلحة فاسدة إلى الجيش، تكون سببًا في فقدان الابن لبصره في خلال إحدى العمليات. الفيلم من بطولة: كوكا، وجمال فارس، وسيد عبد الله، وهبة حسب الله، لولا صدقي، توفيق إسماعيل، وهو من إنتاج أفلام جمال فارس، وتوزيع ستوديو مصر. أما فيلم أرض السلام فهو فيلم حربي درامي مصري، تم تقديمه باللهجة الفلسطينية، وهو من بطولة: فاتن حمامة التي قدمت دور سلمى، وعمر الشريف الذي قد دور أحمد، وشاركهما البطولة: توفيق الدقن، عبد السلام النابلسي، عبد الوارث عسر، فاخر فاخر، فايدة كامل، ومن إخراج كمال الشيخ، وتدور قصته حول شاب مصري فدائي متطوع يتجه إلى فلسطين ليشارك في إحدى العمليات الفدائية داخل الأراضي المحتلة? وهناك يتعرف على فتاة فلسطينية تساعده

يعد فيلم الناصر صلاح الدين واحداً من أهم الأفلام التى أنتجت عام 1963 م ، حيث تدور أحداثه حول فترة من حياة القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، وهي فترة الحروب الصلبية ومحاولة صلاح الدين إثبات أن القدس كأرض ومكان مقدس للمسلمين فالفيلم يناقش قضية الأرض، وقضية القومية العربية والعروبة. الفيلم قصة يوسف السباعي، سيناريو وحوار محمد عبد الجواد ونجيب محفوظ، وعبد الرحمن الشرقاوى، بطولة أحمد مظهر،نادية لطفي، صلاح ذو الفقار، حمدي غيث، عمر الحريري، محمود المليجي، ليلى فوزي،ومن إخراج يوسف شاهين. أما أثناء افتتاح أول دورة لمهرجان دمشق السينمائي عام 1977م، تم عرض الفيلم الفلسطيني عملية شناو، الذي قام ببطولته عدة نجوم عرب، كان أبرزهم النجوم المصريين: عزت العلايلي، ماجدة الخطيب، وقام بإخراج الفيلم سمير سيف. وهذا الفيلم يحكي قصة حقيقية جرت أحداثها فى سبتمبر عام 1973، قبيل حرب أكتوبر، عندما قام فدائيان فلسطينيان باحتجاز بعض ركاب القطار الذى يحمل المهاجرين اليهود من الاتحاد السوفيتي إلى قصر شناو فى النمسا تمهيدا لإعطائهم جوازات سفر إسرائيلية وترحيلهم إلى إسرائيل، وكانت مطالب هذين الفدائيين إغلاق هذا المعسكر وإيقاف هذه الهجرة، وقد استجاب المستشار برنوكرايسكي، وأغلق هذا المعسكر، وكان سبب تسجيل هذه العملية وتخليدها في صورة فيلم سينمائي، أنها حققت أهدافها بالكامل دون أن تراق فيها نقطة دم واحدة.

(الظلال في الجانب الآخر)، و(إسكندرية ليه؟).

عقب نكسة 1967م، انشغلت السينما المصرية بقضيتها الداخلية، وانصرفت بعض الشئ عن قضية فلسطين، لكنها عادت مرة أخرى بعد نصر أكتوبر بعامين، وتحديداً في العام 1975م، حيث تم تقديم فيلم الظلال في الجانب الآخر، والذي يناقش القضية الفلسطينية وقضايا أخرى من منظور مختلف هذه المرة، الفيلم من إخراج غالب شعث، وتأليف محمود دياب، ومن بطولة نجلاء فتحي ومحمود ياسين، ويتناول الفيلم علاقة حب بين البطل والبطلة والتي تسفر عن طفلة، فيهرب البطل من المسؤولية ويلجأ إلى العوامة حيث الأصدقاء الجُدد، وهناك تُدار المناقشات عن ظروف البلد الداخلية والخارجية، وأهم تلك المناقشات ما يدور في فلسطين، وفي النهاية تموت الطفلة وتنتحر البطلة كعادة أفلام السبعينيات. أما فيلم (إسكندرية ليه؟) للمخرج الكبير يوسف شاهين، والذي تم إنتاجه عام 1978م، فهو أيضا من الأعمال الهامة التي تناولت القضية الفلسطينية من زاوية معينة، كما انه يعتبر من زاوية أخرى أول سيرة ذاتية سينمائية للمخرج يوسف شاهين، ولكن من زاوية أوسع هو رصد لتاريخ دول تتبدل أحوالها حيث نهاية الحرب العالمية الثانية وتأثيرها على البلدان والشعوب في المنطقة، وففي الفيلم يعرض شاهين مقتطفات من حياته من خلال شخصية (يحيى)، الفتى الذي يعشق السينما بجنون، ويتطرق إلى التهجير القسري في فلسطين وتشكيل العصابات الصهيونية، ويصبح صديق اليوم عدو ومغتصب في الغد، فصديقه اليهودي الذي كان يرافقه دومًا يرحل إلى فلسطين ليكون واحداً من عصابة تعمل على قتل أهل فلسطين هناك، وكذلك شخصية سارة اليهودية، التي قدمتها نجلاء فتحي، وعلاقة حبها مع

(ناجي العلي)، (باب الشمس)، و(عيون الحرامية).

فيلم (ناجي العلي) الذي تم عرضه عام 1992م، تدور أحداثه حول سيرة حياة الفنان الفلسطيني ناجي العلي، لكنه في نفس الوقت يمثل سيرة حياة لوطن بأكمله اسمه فلسطين، حيث يعود الفيلم بأحداثه إلى الوراء ليسترجع المحطات التي مر بها العلي في حياته، بداية من نزوحه مع أسرته إلى لبنان، ثم عمله في الكويت، ثم عودته إلى لبنان مجددًا خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية، كما يتعرض الفيلم لأبرز مواقفه السياسية التي سجلها في رسوماته الكاريكاتيرية،وهو مبدع شخصية حنظلة، حيث ناضل من خلالها بالكلمة أو الصورة ليكون جزاؤه في النهاية الاغتيال، واقعة الاغتيال الشهيرة التي تعرض لها العلي في العاصمة البريطانية لندن في عام 1987م، ودخوله لغرفة العناية المركزة، الفيلم من إخراج عاطف الطيب، وتأليف بشير الديك، ومن بطولة نور الشريف، محمود الجندي، ليلى جبر، محمود مبسوط، وجيه عساف، سليم كلاس. أما فيلم (باب الشمس)، فيحكي تاريخ فلسطين من خلال قصة حب بين البطل الفلسطيني يونس، الذي يذهب للمقاومة، بينما تظل زوجته نهيلة متمسكة بالبقاء في قريتها بالجليل، وطوال فترة الخمسينات والستينات يتسلل من لبنان إلى الجليل ليقابل زوجته في مغارة تسمى باب الشمس، الفيلم مأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم للأديب إلياس خوري، جسد الأدوار نخبة من الممثلات والممثلين السوريين والعرب، وتم تصويره في سوريا ولبنان، ومن إخراج يسري نصر الله.

أما (عيون الحرامية) فهو فيلم دراما فلسطيني من إنتاج وإخراج نجوى نجار، ويحكي قصة الشاب طارق خضر (الذي يجسد دوره خالد أبو النجا) بعد أن قضى عشر سنوات في المعتقل بعد عملية فدائية قام بها ضد مجموعة من الجنود الإسرائيليين، حيث يخرج وهو يضع نصب عينيه أن يعثر على ابنته المختفية منذ عام 2002م، ويقوده الطريق للعمل في نابلس كأخصائي في شبكات المياه تحت إدارة عادل (سهيل حداد)، لكن سرعان ما يكتشف طارق أن عادل يتلاعب بشبكات المياه بغرض تحقيق مصالحه الشخصية،و بعد ذلك يكتشف طارق خيانة عادل الذي يسرق الماء من الأراضي المحتلة ويحرم أهله وعشيرته ليوجه أنابيب الماء المخفاة بعناية نحو المستوطنات الإسرائيلية. الفيلم مستوحى من واقعة حقيقية حدثت في عام 2002م، عندما استهدف (ثائر حماد السلوادي) إحدى الكمائن العسكرية الإسرائيلية في شمال مدينة رام الله، وقام بقتل 11 جنديًا إسرائيليًا، وصارت هذه العملية الفدائية تعرف منذ ذلك الحين باسم (عملية عيون الحرامية). وقد تم اختيار الفيلم كممثل لفلسطين لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية لحفل توزيع جوائز الأوسكار السابع والثمانون، ولكن لم يتم اختياره عالميًا كمرشح. ويشارك في البطولة: خالد أبو النجا، وسعاد ماسي، نسرين فاعور، ميساء عبد الهادي، عرين عمري.

كانت ولا تزال القضية الفلسطينية حاضرة دوماً في الأفلام العربية بصفة عامة، والمصرية خصوصاً، وقد كان فيلم (صعيدي في الجامعة الأمريكية) تدشيناً لمرحلة سينمائية جديدة تعبر عن الشباب ووعيهم بقضايا الأمة، فبالرغم من أن الفيلم يعتمد بالأساس على القصة الكوميدية، إلا أن الفتي الصعيدي (خلف) الذي جاء من قريته ليلتحق بالجامعة الأمريكية، يحرق علم إسرائيل ليصبح بطلاً في عيون الجميع!، والمدهش أنه عقب عرض الفيلم بأعوام قليلة اندلعت انتفاضة الحجارة وأصبح حرق العلم الإسرائيلي داخل جامعات مصر هو المشهد الأكثر انتشارًا. الفيلم من بطولة محمد هنيدي ومنى زكي وأحمد السقا وطارق لطفي وغادة عادل، ومن إنتاج مدحت العدل وإخراج سعيد حامد. وبعد مرور ثلاثة أعوام يعود مدحت العدل ليكتب فيلم (أصحاب ولا بزنس) ويخرجه علي إدريس، وهو من بطولة مصطفي قمر وهاني سلامة وزينة وعمرو واكد وسامي العدل، ويحكي الفيلم عن صديقين يتنافسان على إعلان لشركة ملابس، كريم وطارق، ويفوز طارق بالإعلان في حين تجبر المحطة التلفزيونية كريم أن يسافر إلى فلسطين لتغطية أحداث الإنتفاضة، وهناك يتعرف على الشاب الفلسطيني جهاد الذي يقرر أن يفجر نفسه في كمين لجيش الاحتلال، ويفوز كريم بسبق إعلامي يضمن له جماهيرية عريقة. وهناك

ولم يكتفِ المصريون بالبطولة والإخراج والتأليف حول القضية الفلسطينية في أفلامهم المصرية الخالصة، بل ان بعضهم قد شارك في أفلام من إنتاج أو إخراج عربي مشترك، مثل الفنانة سناء جميل التي قامت ببطولة الفيلم اللبناني (فداكي يا فلسطين) الذى أنتج عام 1969 ، وشاركها بطولته محمود سعيد، طلحت حمدي، ومن إخراج أنطوان ريمي، تدور أحداثه حول أم تعشق بلدتها فلسطين، وتدفع أولادها الثلاثة إلى الإنضمام إلى منظمة فدائية حيث ينخرطون فى حركة المقاومة المسلحة بعد أن يتأكد لهم أن السبيل الوحيد لتحرير بلادهم، يجب أن يمر عبر فوهة البندقية، ويستشهد الثلاثة فى أرض المعركة، وعندما تعلم الأم باستشهادهم لم تبك ولم تنهار، ولكنها قالت : أولادي فداكي يا فلسطين. ونفس الأمر حدث مع الفنانة سهير المرشدي ففى عام 1971م قامت ببطولة الفيلم السوري (السكين) عن قصة الكاتب الكبير غسان كنفاني، وشاركها البطولة رفيق سبيعي وبسام لطفي، وقد عالج الفيلم جانباً من القضية الفلسطينية بشكل غير مباشر. أما الفيلم السوري (المخدعون) فقد قام بإخراجه المخرج المصري (توفيق صالح)، ويعد الفيلم أيقونة أفلام القضية الفلسطينية، وهو مقتبس عن رواية رجال تحت الشمس للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، والتي تناولت أوضاع مجموعة من العمال الفلسطينيين في العراق، وتبرز مشاهد النكبة من خلال ذكريات أحد العمال عن قريته التي غادرها عام 1948.

القضية الفلسطينة لم تغب يوماً عن أفلامنا السينمائية، لكن في نفس الوقت يتحدث بعض النقاد والمتابعون عن أنها لم تعد تلق اهتماماً كافياً من صانعى السينما العربية مؤخراً، رغم أهميتها والمكانة التى تحتلها فى قلوبنا وعقولنا، لذا يجب التأكيد على اننا مازلنا في حاجة للمزيد من الأفلام التي تخدم القضية الفلسطينية شرحاً ورصداً أسوة بالسينما الصهيونية التى لم تتخل عن ثوابتها فى جميع أفلامها، حيث تعمل على تشويه التاريخ وتزوير الحقائق، وتصدير تلك الأكاذيب إلى العالم، لذا فنحن بحاجة ماسة إلى أفلام تخاطب العالم وتشرح وتوضح حقيقة القضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى.

سينما

السينما المصرية .. نصيرة القضية الفلسطينية

هل لديك تعليق؟