القاهرة 19 ديسمبر 2017 الساعة 11:26 ص
خطوات
سمعها وهو يرقدمُتعَبًا. فتح عينيه بسرعة. حجرته ألوان مختلطة. حدق فى كل اتجاه فلم يرَ لهاأثرًا. ظن أن ما سمعه منذ لحظات كان عتبة حلم يغريه بالدخول، ثم يرميه بالأهوال.أغلق عينيه مرة أخرى، فسمع وقع خطواتها قادمًا نحوه. أصاخ السمع: "ليسحلمًا" قال لنفسه، وقد بدأ يشم رائحة الفل التى تعطر به ملابسها، ورائحةجسدها التى يعرفها. كان بانتظارها منذ وقت طويل. أنفاسها ملأت حجرته كموسيقىدافئة. أحس أنها تنظر نحوه بدلال. يسعده ويؤلمه فى نفس الوقت شغفه نحوها. شعر بعدقليل بأصابعها وهى تُنحِّى جسده برفق؛ لتجلس على طرف السرير، لكنه لم يفتح عينيههذه المرَّة؛ كى لا تهرب.
النخلة
عاش وليًا بلا كرامات طوال حياته، لكن البذرة التى غرسهاقبل موته على الشاطئ أثمرت نخلة محنية الظهر. كأنها فى صلاة خاشعة بلا نهاية. فوقترعة الماء صارت النخلة جسرًا. يَعبُر الناس فوقها فُرَادَى من ضفة لأخرى، أويعبرون وهم يحملون أدواتهم، وأجولتهم بحرصٍ أكثر، مختصرين المسافة من هنا حتىالجسر القديم. أما ثمرها الذى يتوهج متدليًا على بعد ذراعٍ من الأرض فقد باتطعامًا للمساكين، ولأطفالهم الجوعى، ولعابرى السبيل الذين يؤون على ضفة الماء،متذكرين سيرة الولى الذى كان يعيش فى كوخ فقير على الضفة الأخرى، وبلا كرامات عاشومات.
فيلسوف
"الحق .. الخير .. الجمال. بضاعة توشك أنتُعدم فى سوق حارتكم العتيقة، فمن يَذُود عنها وعنى؟".
بحركة مباغته بصق الجمع الصاخب فى وجهه، فيماخلع الموسرون فِرد أحذيتهم الوحيدة وشيعوه بها وهو يهرول أمامهم كالمجنون.
فىالليل، ممزقا مَرَّ بالحارة الساكنة، القديمة. أخرج قطعة نقد برونزية من جيبه،وقذفها بخفة فوق رصيف الشارع. برنينها العذب كوتر مشدود إلى قيثارة أخرجت الحابل،والنابل بالسكاكين، والنبابيت، والكشافات ضعيفة الإضاءة.. وبأمل ضائع فى الذود عنقطعة البرونز ذات الصوت الصاخب.