القاهرة 19 ديسمبر 2017 الساعة 10:46 ص
ترجمة : سناء عبد العزيز
البيت الذهبي هي الرواية الثالثة عشر للكاتب الهندي الأصل سلمان رشدي، وكانت ضمن توقعات القائمة الطويلة لبوكر مان البريطانية ولم يحالفها الحظ. نشر رشدي أولى رواياته "غريموس" عام 1975، ولكنها لم تلفت إليه الأنظار ولم تنل أي اهتمام أو شهرة. بينما اعتبرت روايته الثانية "أطفال منتصف
الليل 1988" أحد أهم أعماله إذ أخذت حيزا واسعا من الشهرة والتقدير.
وتحت عنوان "البيت الذهبي لسلمان رشدي: التأثير مرهق ومميت، أي شيء يمكن أن يحدث، لذلك لا شيء يهم." كتب دوايت غارنر في مقال له نشرته الاندبندنت منذ أيام: عندما بدأ سلمان رشدي العمل على روايته الثانية، أطفال منتصف الليل (1981)، الرواية التي صنعت اسمه، أدرك أنه لا يستطيع أن يكتب "باللغة الإنجليزية الفورسترية الباردة. والهند ليست ببلدٍ بارد، إنها متوهجة ومكتظة ومبتذلة وضاجة بالأصوات وهي بحاجة إلى لغة لتتناسب مع ذلك"، ولابد أن يعثر على تلك اللغة. وبعد محاولات في البحث عن لغة، كتب رشدي أطفال منتصف الليل والآيات الشيطانية والعديد من الروايات التي تلتها."
أما روايته آيات شيطانية فقد تلقت ردودًا نقدية إيجابية، إذ اعتبرها الناقد هارولد بلوم أكبر إنجاز جمالي عند رشدي، ووصفها تيموتي برينون بأنها أكثر الروايات المنشورة حتى الآن طموحاً في وصف تجربة المهاجرين في بريطانيا، وعلى الجانب الآخر وصفه البعض بأنه شرير طالب شهرة وبسببها أهدر دمه.
ويصف دوايت غارنر في مقاله عن رواية البيت الذهبي، الصادرة هذا العام عن جوناثان كايب، بأن كل جملة فيها بمثابة قفزة "سيرك دو سوليه" في شبكة كان بوسعه هو فقط أن يراها. حيث تبدو كل جملة توليفة من غبار النجوم "ستاردست"، غبار جنية، غبار ملاك، حبوب لقاح الشمر ومسحوق تميمة الفودو، مرصعة بالذهب كما لو كانت لوحة لغوستاف كليمت، مزدانة بأحجار الراين المنقطة. جميع الإيماءات تعد بمثابة لفتات كبيرة؛ جميع المرايا سحرية. كل ضراوة هي ضراوة صادقة؛ كل شواء بمثابة مجمرة؛ كل أسف مرير للغاية.
تقع الرواية في 380 صفحة، وعلى الرغم من أن حبكتها المزدحمة تتحدى التلخيص، حسبما ذكرت صحيفة الجارديان، فهي تبدأ من يوم تنصيب باراك أوباما، حين ينتقل نيرو غولدن وهو رجل ثري من بومباي (وليس هذا اسمه الحقيقي) إلى قرية غرينتش مع أبنائه الثلاثة، بترونيوس، لوسيوس أبوليوس وديونيسوس (وهذه ليست أسماءهم الحقيقية أيضًا).
يتم اختصار الأسماء بترونيس ("بيتيا") مخترع ألعاب الفيديو في العالم، الذي يعاني من رهاب الأماكن المكشوفة وقلق من إعادة اكتشاف نفسه، ولوسيوس أبوليوس ("أبو") نجم عالم الفن الذي يتمتع بـ"موهبة تقنية مثل دالي العظيم" وديونيسوس ("دي") شخص يناضل بنبل مع قضايا الهوية الجنسية.
يعيش الراوي في البيت الذهبي في ميدان مانهاتن. وهو مخرج شاب يدعى رينيه، يقوم بالتلصص على أسرة غولدنز بطريقة تستدعي كلا من غاتسبي العظيم وهيتشكوك في النافذة الخلفية؛ رغبة منه في تقديم فيلم عن تلك الأسرة التي تراءت له كتمثيل قوي لاضطراب الهوية. ورينيه شخص غريب الأطوار، يذكر لنا عدة مرات حقيقة تشككه في الدين والتصوف. ويكتب كما لو كان يعيش في مخزن عطور متجر ناماستي. كل صفحة تقريبا من هذه الرواية بها إشارة إلى نساء التنين أو بطاقات التارو أو الأساطير اليونانية أو مسحوق الدجاج جالب الشر أو أنا تشينغ أو قصص شبح اليابانية أو كوبلاي خان أو السحرة أو الرومي أو كهف علي بابا أو الصوف الذهبي أو الدمى السحرية. فعندما تفتح هذه الشخصيات أفواهها، تشي بأعماق مؤلفها المهاجر سلمان رشدي مثل: "هناك لون معين من الحزن يكشف عن انسلاخ المرء عن هويته".يلاحظ الراوي بنفس الطريقة "لغة الرقص تهمس كلماتها السحرية"، أو يقول: "لقد بدأت أعتقد في قابلية الذات للتحول كلية".
هويات الأبناء الثلاثة غير مستقرة بشكل أكثر إشكالية، كما يصفهم أليكس كلارك في الجارديان تحت عنوان "البيت الذهبي لسلمان رشدي من نيرو إلى أوباما" حيث تتأرجح الأسماء بين التاريخ الروماني والأساطير اليونانية، وتتحول إلى صيغ مصغرة ومشوهة، مرارا وتكرارا (بيترونيوس، على سبيل المثال، يأخذنا عن طريق الساتيريكون إلى شخصية تريمالشيو).
وفي منتصف الرواية تقريبا تظهر شخصية دونالد ترامب، إذ يجد رشدي أنه من المتعذر أن يدعه يمضي. ويسمى ترامب غاري "غرين" غوينبلين، السوقي الثري، ذو الشعر الأخضر، الذي يحب أن يشير إلى نفسه بالجوكر. هذا الجوكر يراه رشدي يمثل تهديدا كبيرًا لأمريكا التي يحبها، وإخلالا بمنصب الرئاسة وحزمه. يفكر المهاجر في رشدي: أيمكن أن يحدث هذا بالفعل وتنتهي التجربة التي بدأت مع مايفلور؟ "لماذا نحاول حتى أن نفهم حالة ووضع الإنسان إذا كشفت الإنسانية عن نفسها بكونها بشعة، مظلمة، لا تستحق كل هذا العناء". ويضيف: "لم تكن هوية أميركا السرية البطل الخارق. لقد تبين أنها كانت الشرير الخارق." وتظهر طرافة رشدي بشكل تلقائي في كل لحظة، لتذكرك بأن الإنسان يقود هذه الآلة، أن قدميه لا تزال تلمس الأوساخ والأسفلت. كتبت الأديبة الأميركيّة الشهيرة، أورسولا لي غوين، عن رشدي بعد رواية "مذكرات جوزيف أنطون"، الصادرة عام 2012: "لا بد أن يعجب القراء بشجاعة هذا الكتاب، وأفكاره القوية، ومرحه الصاخب، وفكاهته وإثارته الهائلتين".
عودة رشدي إلى الواقعية:
أعلن ناشر رشدي أن رواية البيت الذهبي تعتبر عودة قوية لرشدي إلى الواقعية. ربما لكونه اعتمد على أحداث واقعية مثل فضيحة غيمرغيت التي كشفت التحرش المستمر بالصحفيات المتخصصات في ألعاب الفيديو، وتناولت السنوات الثماني الماضية من السياسة الأمريكية وصولا إلى ترامب، ومع ذلك فإن مدينة نيويورك تبدو في العرض مذهبة جدا ونائية. تذكر الاندبندنت أن الرواية تقرأ مثلما تكون انطباعات المرء بعد قراءة جريدة أو مجلة. حيث يعتمد فيها على الأخبار المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتنمحي المسافة بينه وبين الراوي رينيه. وبينما تقترب هذه الرواية من نهايتها، فإنها تصنع نوعًا من الغرافيتاس وكأن ماضي نيرو يبدأ في اللحاق به. وتبدأ الشخوص من حوله في الموت: هناك جرائم قتل، محاولات انتحار، حرق. يكتب رشدي بشكل واضح عن سلسلة الهجمات الإرهابية التي وقعت في عام 2008 في بومباي، في فندق تاج محل بالاس وأماكن أخرى. بعد هذه الهجمات تلمس الجميع في هذه الرواية، وهذا يمد البيت الذهبي بسلسلة من المتغيرات الفرعية الأخلاقية والسياسية التي تم سحبها بشكل كامل على السطح. وينتهي دوايت غارنر إلى أن رواية البيت الذهبي هي رواية كبيرة، واسعة تلم بالأحداث، غير أنها ضحلة.
قامت المترجمة بترجمة هذه الآراء والتصريحات والمقالات للكتاب بعد أن جمعتها من صحف أمريكية