القاهرة 15 ديسمبر 2017 الساعة 01:24 ص
د. هويدا صالح
فوجئت بمنشور على شبكة التواصل الاجتماعي ( (face bookنشرته الكاتبة والإعلامية المغربية سعيدة شريف رئيس تحرير مجلة ذوات الإلكترونية التي تصدرها مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" تُخبِر فيه عن فعالية ثقافية سوف تُقام في قسم الشعبة الدولية بثانوية "بول فاليري" بمكناس بتنسيق مع ثانوية "أندري مالرو" بالرباط لقاء ثقافيا للتبادل و التداول حول الكتابة النسائية العربية: أسئلة الذات و أفق التغيير.
استوقفني هذا المنشور هذا المنشور، وأثار لدى عدة تساؤلات هامة، أولا هل ندرس في مدارسنا الثانوية المصرية موضوعات بهذا العمق(الكتابة النسائية العربية: أسئلة الذات وأفق التغيير )؟ هل نهتم بالتكريس ونشر الثقافة النسوية التي تدعم وجود النساء وتدعوـ على أقل تقدير ـ إلى المساواة بينهم وبين الرجال، أو تدعو للتمييز الإيجابي للنساء حتى يعوضن القرون التي طالهن فيها التهميش والإقصاء؟ وهل يمكن يوما أن نسمي مدرسة من مدارسنا باسم فيلسوف مثل أندري مالرو أو فيلسوف مثل بول فاليري؟ أم ستظل مدارسنا تُسمّى بأسماء " أبو حفص" و" عمرو بن العاص" و" عمر بن عبد العزيز" و " خالد بن الوليد" و" عباد الرحمن" وغيرها من أسماء تعود بنا للماضي؟ المثير للتساؤل ليس أن هذه الأسماء فقط تعود للماضي، بل لانتمائها لحقل معرفي واحد، فلا نحلم يوما أن نسمي مدرسة من مدارسنا باسم فيلسوف، ولا يهم أن يكون فيلسوفا ينتمي لثقافة مغايرة، فماذا لو سمينا المدارس باسم فلاسفة مسلمين وعرب، ماذا لو أسمينا مدرسة باسم" ابن رشد" أو" بن سينا" أو "البيروني" أو" الحسن بن الهيثم" أو " الغزالي" الغزالي الفيلسوف، وليس محمد الغزالي رجل الدين.
وهل يمكن في يوم من الأيام أن نناقش قضايا ثقافية وفكرية ونقدية في مدارسنا الثانوية ونحن نقف في تدريس تاريخ الشعر العربي عند مدرسة الشعر الحر، ولا نستشهد من شعرائها إلا بقصيدة يتيمة لم تتغير منذ عقود، هي قصيدة " النسور" لمحمد إبراهيم أبو سنة، ولا يحلم كل واضعي مناهجنا الثانوية بقصيدة لأمل دنقل أو صلاح عبد الصبور، بل إن تاريخ الشعر العربي الذي يُدرس في مناهجنا يتجاهل تماما قصيدة النثر وكل شعرائها الذين قطعوا مشوارا طويلا في نحت ملامح مشروعهم الإبداعي، وكذلك يتجاهل واضعو المناهج تاريخ قصيدة العامية المصرية التي وصلت للنضج الفني حتى أن البعض يرى في العامية المصرية التي حفرت مشروعا شعريا إبداعيا بأنها لغة مستقلة بقواعدها وجمالياتها وليست مجرد لهجة تعتبر امتدادا للغة العربية.
أما في تدريسنا للقصة القصيرة فتقف عند " محمد تيمور" و" محمود تيمور" و" يوسف إدريس" والقصة الوحيدة المقررة منذ سنوات طويلة ولم تغير للآن هي " قصة " نظرة " وهي من أضعف قصص يوسف إدريس وكأن النهر لم تمر فيه مياه كثيرة، فهل نحلم أن نجد قصة ليحيى الطاهر عبد الله أو محمد المخزنجي؟.
نحن نعاني من التحيز ضد النساء، وإنقاصهن حقوقهن، رغم أن الإحصائيات الرسمية تقول أن 40% من الأسر المصرية تعولها امرأة، سواء كانت امرأة فقدت زوجها لسبب أو لآخر، أو امرأة تعول الأسرة رغم وجود الرجل، ومع ذلك يستقوي الرجال على النساء في بلادنا، كما تعاني نساؤنا وبناتنا من التحرش الجنسي، حتى أن الإحصائيات العالمية تصنف مصر من ثاني أكثر البلاد تحرشا في العالم، فكيف تقاوم الدولة هذه الظواهر، ظاهرة العنف ضد النساء، وظاهرة التحرش الجنسي في الشوارع؟
ألا يرى القائمون على هذه البلاد أن الحل الأمني لهذه الظواهر لن يفيد، وإنما الحل الثقافي الفكري؟! لماذا لا تكرّس الدولة لثقافة تحترم النساء، وتقرر ذلك في مناهجنا؟ لماذا نعتبر طلاب المدارس ما قبل الجامعية طلابا سُذجا لا يمتلكون وعيا يتحمل مناقشة موضوعات عميقة وفلسفية؟ لماذا لا نضع مناهج تشتغل على مساحات من الوعي وثقافة قبول الآخر المختلف والإعلاء من قيم الإنسانية والمشتركات بين المكونات الثقافية للوطن والتقليل من مواضع الاختلاف التي تمزق الهوية الوطنية لهذا الوطن؟ إن الحل لكل مشاكلنا في مصر هو حل ثقافي تعليمي فكري، فلماذا لا نضع استراتيجية تعليمية منذ السنوات الأولى في الحضانة والابتدائي ومن ثم بقية المراحل يتم فيها البناء، بناء الوعي، والتكامل والتنمية المستدامة ؟.