القاهرة 13 ديسمبر 2017 الساعة 07:09 م
د. إيمان سند
كنا نجلس أنا ومجموعة من الأصدقاء فى (جروبي) حينما دخل فجأة مكاوي سعيد .. كانت هذه أول مرة أتأمله فيها؛ ذلك السمار الفارع صعيدي الملامح بهيئة الكهنة المطهرين. كنت أعرفه قبلًا بالتأكيد، فهو مَعلم من معالم القاهرة، تلتقي به وأنت تصافح شوارعها ليلًا أو نهارًا دون قصد منك أو منه.
كنا نضحك بصوت عالٍ حينما وجدناه يقف بيننا، ويبحلق فينا بالرغم من أنه دخل جروبي فقط لاستخدام دورة المياه. هب أكثر من صديق للترحيب به، ودعوته لمشاركتنا الجلسة، لكنه ابتسم ابتسامته اللطيفة، تمتم ببعض كلمات الاعتذار، وطافت عيناه بنا قبل أن يرحل. بعدما غادرنا سألت صديقي الصحفي: لماذا كان يبحلق فينا هكذا..؟ قال: عينيَّ مكاوي عدستي تصوير، تلتقط أشياء عدة، وما تسمينه بحلقه ماهو إلا (زووم) ليقترب، فيلتقط أدق تفاصيلنا. ومن يومها، وكلما التقيت به فى ندوة، أو فى أمكنته المتعددة فى قلب القاهرة، وأنا أصافحه بعينيَّ، فيرد على بإيماءته، وابتسامته الشهيرتين. وقد اكتفيت بذلك فلم أقترب أكثر. وعرفته من خلال كل ماكتب وخاصة حكاياته عن شخصيات وسط البلد؛ ذلك التشريح الرائع الذى لا يمكن أن يقوم به سواه.
حينما قرأت كلمات الوداع التى صاغتها الرقيقة نيرمين رشاد (ناشرته)، والتى لم تتحول أبدًا مع الوقت إلى اعتبار طباعة ونشر الكتب بيزنس كما يسمونه، بل ظلت هى وأختها نورا تقدسان الكتاب والكاتب أكثر من أى شيء آخر، وكانت كلماتها تعنى ذلك. فبرغم اعتزازها بمنجزه الأدبي إلا أنها ركزت على مكاوي الإنسان الذى عاش فى سلام ورحل فى سلام دون أن يشتبك مع الواقع والحياة المادية البائسة، بل ظل مترفعًا عن كل ماهو صغير ودنى.
واليوم ياصديقى مكاوي .. وقد كنت أتمنى أن نكون فعلًا أصدقاء فى هذه الحياة. اعترف لك بخطئي؛ وهو أننا نتصور أحيانًا أن الأشخاص، والأشياء الجميلة متوفرة ومتاحة طوال الوقت، ولن تذهب إلى أى مكان. ونعاملها باعتياد، وننسى أن الموت لنا بالمرصاد، فإذا بنا نصحو يومًا وقد تركتنا ورحلت دون سابق إنذار.
سلام إلى روحك الجميلة .....
وإلى لقاء.