القاهرة 12 ديسمبر 2017 الساعة 11:41 ص
سؤال يفرض نفسه علي عقلي و يتصدر الواجهة، ولا أستطيع تأجيله بعد فداحة ما تسلل إلى سلوكيات تعاملنا اليومي و أصبح عاديا تقريبا . الرجولة هي مايجب علينا أن نبحث عنه الآن و بشكل مُلِحٍ ، فهي روح هويتنا المصرية.وقوامها الذي طالما عرفناه، وتربينا عليه و شاهدناه في أفلام الأبيض و الأسود.
تلك المفردة التي تختزن بداخلها معنى الشهامة. و الزود عن الآخر و نصرة الحق . لكن المعنى الكبير الذي تتجلى فيه هو الدفاع عن المرأة و مناصرتها. قد يري الجميع أن الثورة التكنولوجية التي لم تلاحقها و تلحق بها ثورة أخلاقية تتواءم معها، قد ساهمت إلى حد بعيد في اختلاط المفاهيم و ارتباك المشهد و تكسر القيم و التقاليد تحت ثقل القطار السريع للعولمة. لكني و للصدق كنت أعتقد أن الأمر مازال يحتفظ بأوراق التوت فيما يتعلق بالتعامل مع المرأة على الأقل في الدوائر الاجتماعية الصغيرة الآمنة مثلم كان عملها و النوادي التي تذهب إليها و العلاقات الأسرية.
لكن المشاهد المفزعة التي تمخضت عن حالة الهرس القيمي و حدثت أمامي، أفزعتني . شاهدت على مدار سنوات من المشاهد في تلك الدوائر الكثير من الكوابيس،كأن تلطم سيدة من زميلها في العمل على وجهها و يدفعها ويبصق في وجهها لمجرد أنها تدخلت و دافعت عن تلميذ صغير تهجم عليه هذا الزميل و عنفه في لجنة الامتحان، دون أن يتدخل أحد من الرجال من حولها . فبئس الرجولة.
و عندما يضرب طالب المعلمة على وجهها ولا يهب الجميع لفصله من المدرسة و تصمت المعلمة خوفا من تفاقم الأمر و تدخل زوجها و أولادها في الموضوع و تكتفي بتقريع الطالب و غصة في القلب فبئس الرجولة.
و عندما يتهجم أشرار على مقر عمل سيدة ثالثة ولا يتكاتف الجميع لمناصرتها بل و يرفضون أن يقوموا بتسجيل الواقعة لإثباتها ،بل و يرفضون ذلك عندما تطلبه بنفسها منهم، فبئس الرجولة و عندما يسب رجل امرأة و يهينها و يرفض الحضور للإدلاء بشهادته فبئس الرجولة.
و عندما تنتهك أجزاء من جسد المرأة العارية و المحتشمة و المنقبة و أكررها المنقبة فبئس الرجولة التي يسكنها الشيطان و المرض النفسي الذي يصور له انتهاكه لأجسادهن انتصارا عظيما لم يستطع تحقيقه في الحياة .
سيقول الجميع : لدينا قوانين ،وسأقول أنا : القوانين موجودة بالفعل، ولكن ماذا تفعل وهي كسيحة مكبلة بالسطور في الكتب و الدساتير ولا تخرج عنها ؟ ماذا تفعل وحدها؟ ونحن عيونها وأقدامها و أجنحتها التي تمشي بها و تجري بها و تحلق بالحق و ترفعه لنجدة المستغيث وإجابة المضطر حين يستنجدنا.
لا تضعوا رؤوسكم في الرمال حينما تشاهدون الشباب يجلسون مستريحين على كراسي المترو يتصفحون فيس بوك. بينما تفترش سيدة عجوز الأرض أمام أعينهم. لا تضعوها في الرمال و أنتم ترون امرأة تتعلق بحلقات المترو و تحمل طفلها على يدها الأخرى.لا تضعوها حينما تضرب فتاة من شاب أو رجل أمامكم في الشارع، لا تضعوها و أنتم تشاهدون يدا ذكورية يمتد إلى مؤخرة امرأة في زحام قطار أو غيره .
لا تضعوها في الرمال و أنتم ترون من يتحلقون حول فريسة في التجمعات ليقتلوها كالضباع . إن لم نكن نحن القانون فلن يفعل القانون شيئا، القانون يقتله التواطؤ و الخذلان و غض الطرف بكتمانكم للشهادة و خوفكم على الوقت و المشكلات التي قد تنجرون إليها، لا أطلب ذلك بحذافيره ولا أطالب بالتشابك مع من يحملون أسلحة بيضاء مثلا فقط أطالبكم بعمل ما تستطيعون فعله وفق مقتضى الحال . مثل تقريع أو عقاب فوري في موقع الحدث و فضح ما يحدث.
هذه الأمور على بساطتها ستردع الكثيرين من الجبناء سارقي الكرامة. أيها الرجال الرجال إن رأيتم من يفعل ذلك و تكاتفتم مع الطرف الضعيف حتى و إن لم يرق لكم فأنتم الرجال و انتم القانون . أنتم سلطته و هيبته. المتحرشون رجال و المعتدون رجال و الصامتات المستضعفات نساء لم يستوص المعتدون بهن خيرا .فالله الله و رسوله رسوله و القانون القانون الذي أنتم عيونه و أقدامه و أجنحته
الدماء و الملابس المزركشة
بقلم: أمل جمال
في أول طابور صباح بعد الحادثة الإرهابية الأخيرة بطريق الواحات .كنا نشح بالسواد، نلقي التحية على بعضنا بصوت حزين ومنا من تقول في غضب متحمس للهجوم "الكلاب الجبناء اصطادوهم" يا حسرة قلب أمهاتهم عليهم" ربنا يرحمهم و يرحمنا بهم" كنا ننظر جميعا إلى بعضنا نظرة ذات معنى بعد أن تفحصت كل واحدة منا، دونما سابق اتفاق ،الجانب الآخر من الصورة.
ذلك الجانب المظلم الذي ترتسم فيه صور لوجوه صامته تمشي في ثبات لا يخلو من شماتة،فسرتها ملابسهن المبهجة، المزركشة بوردات على غير العادة. فما كان منا إلا أننا أصطفنا جميعا وبروح قتالية رائعة .رفعنا رؤوسنا، و أخرجنا من الطلاب من قرأ القصائد الوطنية التي تحتفي بالشهداء، و أمهاتهم و أمنا الكبيرة مصر. ثم وقفنا دقيقة حدادا على من رفرفوا إلى الجنة تاركين لنا الوطن أمانة في أعناقنا. كان صباح يغلفه الكبرياء .
نفرت في روحنا عروق المحبة و الغضب و الانتماء .فكان حديث الشاي الصباحي كله عن التضحيات من الجيش و الشرطة، عن ضرورة الاصطفاف الوطني و عن المواقع الخبيثة التي تشمت فيمن استشهدوا ، ويدعونهم بالجيف و الفطائس .بل أن الأمر قد وصل بالبعض منهم إلى التهكم على لفظة شهيد وعلى من يطلقها على من استشهد في العملية الأخيرة . كأنهم يملكون علم الغيب و الشهادة .
تذكرتأن كل ما نراه في تعاملنا اليومي في الشارع ومواقع العمل و المصالح الحكومية و المترو حتى و إن بدا هادئا إلا أن وراء الأكمة ما وراءها. فيأيها الذين تحبون الوطن : في المواقف المصيرية ، لاحظوا نغمة الخطاب التي تشذ عن أغنيتكم ، و انظروا بجرأة في العيون و أنتم تترحمون على الشهداء و أذكروا الله و الوطن و الشهادة و قلوب الأمهات اللواتي احترقن بنار الفراق. تذكروا رفرفة الأجنحة و هي تطير إلى الجنة .تذكروا كل ذلك و أنتم في سواد الحداد. قاوموا بالأمل وافتحوا عيونكم و سيروا في الحياة.ولكن لا تنسوا أبدا أن تلاحظوا الملابس ذات الوردات الملونة.