القاهرة 12 ديسمبر 2017 الساعة 11:37 ص
صغار كالورود. يتقافزون من مقعد إلى مقعد، يتشاجرون مابين الحصص، و يسرقون لحظة لا ينتبه فيها المدرس ليفتحوا زجاجات الماء أو ليأكلوا أثناء الدرس ، معتقدين أنهم قد ارتكبوا جرما كبيرا.
ناهيك عن سيل المكائد و التبليغ عن الشتائم ،و سيل من الدفاع المدعم بالحلف بالله للرد و الاستنكار لدحر المدعين و الهروب من العقاب في المقابل. هكذا استقبلتهم في بداية العام الدراسي. كنت أشعر أنني وسط قبيلة من القرود لا حول لي ولا قوة دُون عصاي التي لا أتوكأ عليها ولا أهش بها على أحد بل أنني لا أمسك بها إلا لأشير إلى الوسائل التعليمية المعلقة نظرا لقصر قامتي.
هؤلاء الصبيان المقولبون القادمون من المرحلة الابتدائية ، كيف أفككهم، و أجعلهم ينظرون إلى أنفسهم في مرآة جديدة ليرى كل واحد منهم جمال روحه وشخصيته المميزة و يعتز بها. كان هذا هو التحدي في ظل تدريس مادة ليست للنصح أو الارشاد فمادة العلوم مادة فهم و حفظ و ميكروسكوب ووسائل خشبية و زجاجية لا روح فيها.
و اليوم و نحن على مشارف انتهاء النصف الأول من العام الدراسي أكتب عنهم بفخر الأم و محبة المعلمة فقد تعلموا أن ينصتوا جيدا.صاروا ينتظرون انتهاء الدرس ليأكلوا أو يشربوا دونما خوف و دونما ضجيج أثناء تصحيح كراساتهم بعد أن سمحت لهم بذلك. تعلموا النزول معي إلى الحديقة من وقت لأخر أثناء الحصص التي لا تحتاج إلى سبورة و التي تعتمد آلية التعليم التعاوني أو حل التدريبات.
تعلموا أن يكون فصلهم نظيفا،أن يلعبوا و هم يتعلمون داخل المعامل و الأهم هو ابتكارهم لوسائل تعليمية من الورق و الصلصال و العجين ،تعلم طلبة 2/1 أن ينظروا و يلتقطوا الأسئلة لا أن يحفظوا و يكرروا،تعلموا أن يفكروا. أما الأكثر أهمية فهي أرواحهم المضيئة و استجابتهم البريئة الفطرية و الواعية في التعامل مع ما يجري من أحداث من حولهم. بعد حادث الواحات كتبوا عبارات تندد بالإرهاب و رسموا لوحات تعبر عن دحره و كتبوا مقالات تفند وحشيته . وبعد مجزرة مسجد الروضة ببئر العبد.
وفور وقوفهم دقيقة حدادا على شهدائنا و الاعلام من حولهم منكسة وقعوا وثيقة عزاء سطروها بعباراتهم البريئة وبخطوط أيديهم المختلفة مؤكدين انتماءهم لمصرنا الحبيبة و دعمهم لجيشهم و رفضهم للإرهاب. من هنا كان لزاما على أن أحييهم وأكتب عنهم . فبمثلهم يزدهي الوطن و بمثلهم لن يقترب شبح الإرهاب من روحنا و عقولنا و لمثلهم في كل بقعة من أرضنا ينبغي أن نرفع القبعات .