القاهرة 28 نوفمبر 2017 الساعة 11:54 ص
مقدمه لابد منها
أعطوني خبزاً ومسرحاً أصنع لكم شعباً
مقولة نعرفها تماما كمسرحيين وعشنا وأمنا بها ردحا من الزمن لكنها ببساطة شديدة وحسب متطلبات العصر السائد نقولها كالاَتي
أعطونا إعلاماً ومسرحاً نصنع لكم جيلاً مروضاً وموجهاً وجاهزاً لمواكبة أي عصرنة عولمية
وتعالوا نبدأ الحكاية ونجسدها بطريقة أرسطوية حسب القواعد المسرحية الأولي
و تبدأ الحكاية منذ البدايات الأولي للمسرح حيث كان المنبر الأول بعد خطابات ومواعظ وتعاليم الكهنة للبشرية لذا فهو المعلم الأول عمليا للشعوب التي عرفته مبكرا كاليونانيين والرومان ومن بعدهما بلاد الحضارت الأولي في الشرق بينما تؤكد بعض الدراسات والدلالات علي وجود ظواهر مسرحية عند الفراعنة وإن كانت ليست بنفس القدر المسرحي عند الإغريق والرومان
وما يعنينا هنا دور المسرح وتأثيره الفاعل والمؤثر في حياة الشعوب وقتها حتي نصل إلي مبتغانا في النهاية
ولعلنا لم نأت بجديد أن تحدثنا عما فعله المسرح في تلك الفترات وكيف نشأ وتكون وأثر وتأثر لكن أهم مافي الأمر هو كيف يكون الأمر هاماً بل ضرورياً في حياة الناس وذلك بالضرورة نابع من تشجيع نافذ ومؤثر ومدرك تماماً لأهمية المسرح
وقد يخالفني في الرأي الكثير من المهتميين والمتخصصين بهذا المجال لكنا في النهاية نسعي لتركيز حقيقة واحدة أن المسرح وعلي امتداد الدهر هو المنبر الحقيقي للناس سواء كان موجها أو معبراً بصدق عما يجيش بصدور من أمنوا به وتعاملوا معه بصدق ووعي
لذا فعند معرفة الناس بالمسرح منذ ذلك التاريخ الضارب في القدم تطورت وتلاحقت المدارس والنظريات الفنية والفكرية وكذا التراكيب الدرامية المختلفة وبالتالي تطور الجمهور المسرحي تبعاً للحالة التي يتابعها علي مدار الأزمان المختلفة وترسخت عنده قواعد وأسس ثابتة تجاه هذا الصرح الرائع والذي يعبر وبكل قوة عن مكنوناته الحياتية والفكرية كنافذة وحيدة للتعبير عن كل مايريد ومايرغب
مع بدايات القرن الماضي بدا في الأفق عملاق آخر آثار التخوف والاهتمام من أن يسحب البساط من المسرح هذا القابع في حضارات وفكر العالم..
ألا وهو جهاز التلفاز الذي ظهر مع سيطرة ونجاح الثورة الصناعية بكل ماتحمل الكلمة من معان ولم تكن المسئلة تتعلق بشد الانتباه وشد البساط بل الأسوأ أن يسحب التلفاز الساحر الجديد الجمهور إلي عوالم وأماكن وأجواء لايستطيع المسرح توفيرها وحسب بل الأدهى أنه يأتي إليهم في دورهم وأماكن عملهم وأماكن تسليتهم ولهوهم ولما لا وهو صغير الحجم سهل التنقل والانتقال ويحمل من الحرفية والتقنيات والفنون الكثير إذا قارناه وقتها بالمسرح وخشبته وتقنيته بذاك الزمان
وهذا يذكرنا " أيضا بما حدث عندما ظهرت السينما وبدأ العالم يعرف تحريك الصورة والفيلم السينمائي الصامت وبعدها الناطق ومن ثم الانطلاقة القوية والسريعة حتى وصلت إلي ماوصلت عليها الآن من تطور رهيب والتي خشي المسرحيون والقائمون علي شئونه وقتها من اندثار دور المسرح بالواقع المعاش لكن الذي حدث وقتها أن تحول نجوم المسرح إلي السينما وبالتالي أحب الناس هذه اللعبة الجديدة بأن يروا أبطالهم ونجومهم يتحركون بشكل آخر وبتقنية آخري وفي أكثر من مكان في نفس الوقت أحب الناس بداية هذا التغيير المفاجيء لكن مع مرور الوقت زهدوه لأنه لم يحقق لهم التوازن الكامل نفسياً وعاطفياً
فالمسرح هو المسرح بشخوصه الحية وحسه المتبادل الآني اللحظة مع المشاهد الذي يتأثر ويؤثر أحيانا بما يجري أمامه من أحداث ووقائع وبالتالي هو يفضل أي المشاهد أن يري رؤي العين أبطاله دماً ولحماً بدلاً من أن يراهم صوتاً وصورة فقط .
.. لذا فقد استمر المسرح بقوه برغم وجود السينما الي جواره
أما بالنسبه للكائن التقني الاَخر إلا وهو المذياع والذي يمتد تأثيره بالعالم سماعياً فقط.. فقد جال وصال ولازال يحقق نسبه اجتذاب كبيره لفئات قد لاتتمكن من المشاهدة البصرية او قد تنشغل بأمور اخري بينما يبقي السمع هو جل الاهتمام.........
. هذا الكائن الصغير الذي يخلق عوالم غير مرئية بل حقيقية والذي اراه بوجهه نظري المتواضعة من أصعب أنواع الفنون التي تقدم للجمهور حيث لايمتلك المؤدي بالمذياع الاحساس وصوتاً مؤهلا لتصوير الحالة والتعبير عنها وتوصيلها بالصوت فقط وهي فن وموهبة واحدة من فنون عديدة احتواها و اختصها المسرح ابو الفنون جميعها لذا فقد اقتصرت الإذاعة ايضاً برغم جلالها وبهاءها علي جمهور اكتفي بخاصية واحدة اغنته عن المشاهده والتأمل
وبرغم حداثه التلفاز بين كل هذه الكائنات التكنولوجيه إلا انه اصبح بلا شك الرائد من حيث المشاهدة والإقبال كونه يقدم مادة بصرية غاية في الإدهاش والإبهار لامتلاكه امكانيات تقنية عالية المستوي ولمداهمته حياتنا حيث اصبح من النادر ان يخلو مكان علي سطح الأرض من وجود جهاز تلفاز او اكثر والذي يقدم للجمهورالقابع في مكانه كل مايخطر وما لايخطر علي باله من فنون وثقافات علوم بل ويربطه بالاَخر في التو واللحظة دون الحاجة الي الانتقال حتي بات البعض يسميه كتاب العصر
لهذا وبعد هذا الاستعراض الطويل لبعض لوسائل الإعلام المسموعة والمرئية نأتي الي لب موضوعنا المنشود مدي تأثير وسائل الإعلام الإذاعي والتلفزيوني علي جمهور المسرح
نضيف هنا بأن التطور المذهل الذي طرأ علي العالم خلال العقود الأخيرة في عالم الميديا السمعية والبصرية قد يؤدي حتماً الي انحصار الجمهور عن المسرح لاسيما وان بعض المسارح في بعض الاماكن المعينة لازالت تحبو نحو تحقيق معادلة صعبة لاسترجاع جمهورها الذي كان يعتمد في الأساس علي بعض النجوم الاثيريين لديها مما كان لهم السبق في مداعبة احاسيس جمهور معين واثارته بما يحب ومايريد وهذا طبعا لاينطبق علي السمة الأغلب ممن تعتبر المسرح كما كان غرضه الأسمي هو التطهير حسبما شرع أرسطو ...
.
وان كنا قد اعتبرنا ان وسائل الاعلام المسموعة والمرئية هي أدوات محكومة من قبل مؤسسة ما فإننا بذلك نرتهن الي مدي إيمان هذه المؤسسة بدور الفن وإيقاظ الوعي وغرس الثقافات المختلفه وكذا المسرح ان لم يكن علي نفس الشاكلة محكوماً ايضاً وخاضعاً لمزاجات خاصة
وعلي كل حال فالجمهور هو المستهدف في النهاية سواء ماقدم ومايقدم له غثاً أو سميناً
ودعونا الاَن ندرس علاقة الجمهور بوسائل الاعلام وبالتالي بالمسرح ولنجعل من اوراقنا هذه وقفة لدراسة اسباب عزوف الجمهور عن ارتياد المسرح بينما نراه مقبلا علي وسائل الاعلام المرئية والمسموعة الاخري ولنبدأ بالمقارنة بالمكان فنجد الاَتي بكل بساطة
المسرح موجود في مكان محدد وقد يكون بعيدا عن مكان المتلقي الغير نشط والغير فاعل بينما يجد البديل وبسهولة شديدة في جهاز التلفاز الذي يأتي اليه بكل الفنون والنجوم والثقافات واكثر من ذلك وهو في مكانه لايحتاج عناء ومشقة التنقل والتكلفة الفعلية والوقت للوصول للمسرح ولن نغالي اذا قلنا ايضا أن العامل الاقتصادي ايضا يلعب دوراً كبيراً في ارتياد الجمهور للمسرح فذهاب عائلة تتكون من اربعة اشخاص فقط علي سبيل المثال لأكثر من مرة شهريا يحتاج الي حسابات معينة وميزانية ما لتحقيق هذا الارتياد ونتحدث هنا عن بعض المسارح الخاصة و في بعض الأمكنة بالعالم الثالث والتي يتفنن اصحاب دور العرض المسرحي فيها في اجتذاب الجمهور باستخدام امكانيات كثيرة منها العمل مع نجوم كبار واسماء لامعة مع الكثير من البذخ البصري مع الدعايات المكثفه وبشتي الطرق............ الخ... حتي يستطيع اجتذاب جمهوره الذي يتكلف كثيرا للوصول اليه
وعلي الصعيد الاَخر للمسرح وهو مانعنيه ونهتم لأمره هنا وهو المسرح الحقيقي الذي يشكل حجر الزاوية الأهم في حياة الشعوب والأمم قاطبة من حيث التنوير والمعرفة والطريق الأمثل للتعبير عن قضاياهم وهمومهم الحياتية والمادية والاجتماعية والنفسية وتحضرنا هنا بعض المقولات بهذا الصدد والتي كتبها مسرحيون اخرون منها
المسرح الجاد قادر علي ان يغير في حركة المجتمعات ويوجه احساس الشعوب ومشاعرها وافكارها
المسرح هوالمنبر الحر الذي يمكننا من الدفاع ومن فوقه عن الاخلاقيات واستخلاص القوانين الخالدة في قلب الانسان ومشاعره
ومن هنا نأتي الي بلوره ماتقدم ونحاول القاء الضوء علي كيفيه تماشي وتماهي وسائل الاعلام والمسرح سويا وذلك لخدمه الجمهور محور حديثنا في هذه العجالة
نبدأ اولا بالدعوة لاعادة صياغة رؤيتنا لدور المسرح واهميته في حياة الشعوب والامم وبالتالي ستساعدنا في هذا المجال وسائل الاعلام المختلفة حيث ستقوم بدور التتثقيف الجاد والواعي للجمهور وتوضح الرؤي الفنية المختلفة بمساعدة مختصيين مسرحيين مشهود لهم بالكفاءه والالتزام وبعدها يتم تسليط الضوء وتكثيف عرض الاعمال المسرحية المختلفة سواء أكانت من الداخل اومن خارج المنطقة حيث يشكل الانفتاح علي الاخر بعداً فنياً ومعرفياً ينمي الأذواق والأحاسيس ويساعد علي تخطي مراحل فنية عديدة بالاضافة لعرض واستحداث البرامج والمسابقات الفنية الخاصة بالمسرح ومايتعلق بكل شؤونه عدا عن تكوين فرق مسرحية تلفزيونية والتي من شأنها تقديم الأعمال المسرحية الهامة وعلي مدار العام حتي يتشكل للجمهور حاجة ملحة للمتابعة وبالتالي الاهتمام والتلقي المنشود
,واسوق هنا التجربة المصرية التي حدثت بالستينيات عندما قام التلفزيون المصري بتكوين فرق مسرحية تعرض للتلفزيون ومن شاهد اوسمع عن هذه التجربه قد لمس ماتركه هذا الأثر في خلق وتكوين جمهور وذائقة مسرحية عالية
الاهتمام المكثف بالانشطة المسرحية المختلفة وفي جميع الاماكن البعيدة والقريبة بدلا من التركيز علي العواصم والاماكن التي تحيط بالمسئولين فقط وهذه مهمة وسائل الإعلام المختلفه والتي نقولها هنا بكل وضوح لايختلف دورها التنويري والتثقيفي عن المسرح ورسالته الخالدة لذا فلزاماً عليها ان تترافق ومسيرة المسرح خطوات وخطوات حتي تتحقق للمسرح وجمهوره الفائدة الحقيقة المطلوبة
وفي الخاتمة نذكر بأن هذا الزمن العولمي الذي هيمن علي كل شيء حولنا بهذه الشبكة الهائلة من الاتصالات الالكترونية والمعلوماتية يدعونا الي إعادة النظر حولنا كي نستخلص بأن وسائل الإعلام المختلفه وأثرها علي الثقافات المختلفة تتطلب منا عقد مصالحة وعلاقة ذات نفع متبادل حتي وان كانت موجهة ومؤثرة تأثيراً فاعلاً علي جمهور متلقي يحاول ان يعرف ويعي في زمان اختلطت فيه الايدلوجيات والنظريات المختلفة في كل أوجه الحياة
و نقولها ...
.برغم كل هذه التيارات والتحديات العولمية الحديثة
فإننا لانزال نؤمن بأن لأي أمة وأي حضارة وأي شعب أراد ان يخلد تاريخه ويسجله بين الأزمان المسرح وجمهوره النوعي بإقيان بقاء الحياة لأنه التعبير الحقيقي والشرعي