القاهرة 21 نوفمبر 2017 الساعة 10:23 ص
فى كل مكان وفى كل زاوية من الأرض إلى البحر إلى السماء ومن أصغر ميكروب يسبح فى قطرة مياه إلى أكبر كائن حى إلى أضخم مجرة،تفاجئنا بعجائبها وطرائفها المدهشة التى لا تنتهى والتى لا نملك معها إلا أن نقول سبحان الله..لله فى خلقهِ حِكَمْ!،والإنسان هو أكثر الكائنات ادهاشاً فى هذا الكون..فى هذه السلسلة نطوف معاً بدهشة الأطفال ونتأمل بين صور ملونة نختارها لكم من عالم الحياة المدهشة...
الحشرات ملكة الغرائب : بعضها يتجمل و بعضها يؤكل.. و بعضها يقتل !
عزيزى القارىء..تمهل قبل أن تحتقر الحشرات وتستخف بها فهذا الكائن الغامض المراوغ الشديد التنوع من أكثر الكائنات الحية قدرة على الصمود فى وجه أعتى الظروف والانتشار فى كل البيئات والتكاثر بأسرع المعدلات،وقد مكنت الحشرات لنفسها فى كافة البيئات ولم تترك موقعاً إلا واستطاعت العيش فيه حتى أن الباحثين عثروا على بعض أنواعها تعيش فى آبار البترول على أعماق غائرة يصل معدل الضغط فيها إلى أضعاف ما يمكن أن يتحمله الإنسان،وقد ظهرت الحشرات على وجه الأرض قبل ظهور الإنسان منذ أكثر من 400 مليون سنة وكانت فى بدايات انتشارها عملاقة حيث كانت المسافة بين جناحى الحشرة تبلغ 70 سم و توجد نماذج من حشرات الرعاش العملاقة التى تشبه الطائرات المروحية الصغيرة محفوظة بمتاحف التاريخ الطبيعى! والكثير من الحشرات تمتاز بجمال أشكالها وألوانها الفريدة مثل الفراشات والخنافس وغيرها مما يغرى الكثير من هواة الطبيعة بجمعها وحفظها وتوجد كتالوجات من الحشرات المتنوعة الأشكال فمثلاً تعيش فى جبال ترينيداد بأميركا اللاتينية سلالة من النمل بأربعة ألوان هى الأخضر والأزرق والذهبى والمعدنى!
*قدرات الحشرات وتنوعها: يبلغ عدد الحشرات الموجودة فى الطبيعة رقماً هائلاً وما تم التعرف عليه منها و وصفه علمياً يبلغ مليون نوع،وللحشرات القدرة على حمل أثقال أضعاف وزنها والنمل مثال واضح على ذلك وتتكاثر الحشرات بمعدل رهيب فبعض أنواع المن مثلاً يضع عدداً من البيض قد يصل إلى 20 ألف بيضة خلال مدة حياته كما تضع الملكة فى بعض أنواع النمل الأبيض الإفريقى بيضة كل ثانيتين،وهناك قدرات خاصة لبعض الحشرات ففراشة التنين مثلاً والمعروفة باسم"أبو عماشة" تستطيع الرؤية بزاوية 360 درجة والطيران للخلف بسرعة.
*و للحشرات منافع رائعة بالرغم من أضرارها الفتاكة: فبالرغم من الأضرار العديدة المعروفة للحشرات كآفات ضارة بالنبات والحيوان والإنسان إذ أن الحشرات مثلاً تدمر ما يزيد عن 30% من الإنتاج العالمى من المحاصيل الغذائية كما تعتبر مسئولة عن نقل أكثر من 200 مرض نباتى كما يعتبر الدبور الأحمر من أخطر الآفات التى تفتك بنحل العسل وتعيش بعض الحشرات على امتصاص دماء الحيوانات مما يتسبب فى ضعفها وأحياناً موتها ومن الحشرات ما يعرض الإنسان لمخاطر عديدة فالبعوض مثلاً ينقل مرض الملاريا الذى يقتل عشرات الآلاف من البشر سنوياً أما ذبابة التسى تسى فهي ذبابة عضاضة كبيرة الحجم تعيش في إفريقيا فقط وتنقل للإنسان مرض النوم وعندما تشرب الذبابة دماء ضحاياها فإنها تنقل طفيلاً معيناً هوالذي يسبب مرض النوم حيث يصيب الطفيل الجهاز العصبي البشري مسبباً الغيبوبة للمصابين.
برغم كل ذلك إلا أن للحشرات منافع عديدة منها تلقيح النباتات وهى من المنافع التى تنعكس على زيادة الإنتاج النباتى حيث تقوم الحشرات بدور هام فى نقل حبوب اللقاح من الأزهار المذكرة إلى الأزهار المؤنثة مما يساعد على حدوث التلقيح الخلطى بين النباتات ويقوم نحل العسل بقسط وافر فى تلقيح الأزهار وقد لوحظ زيادة محصول الثمار فى مناطق المناحل وتوجد أمثلة طريفة على تخصص حشرة معينة فى تلقيح نوع معين من النباتات فذكور الدبابير التى تنتج من مرحلة العذارى قبل خروج الإناث تخطىء وتظن أن أزهار الأوركيد هى الإناث وتقف عليها محاولة التزاوج إذ أن بتلات الأوركيد الجميلة تشبه فى شكلها أنثى الدبور إلى حد كبير.
وينتج عن تكرار هذا التزاوج الكاذب إتمام تلقيح أزهار الأوركيد وقد ساهم عسل النحل فى توفير السكر خلال الحرب العالمية كما أن الشمع الذى تفرزه شغالات نحل العسل يدخل فى صناعة الأغذية والأدوية والبويات والورنيش أما حرير ديدان القز وهو عبارة عن إفرازات الغدد اللعابية لديدان الحرير فيدخل فى صناعة المنسوجات غالية الثمن وكثير من الأصباغ ومستحضرات التجميل يتم استخلاصها من قشور الحشرات القشرية وهذه الأصباغ تدخل فى مستحضرات التجميل وتلوين المشروبات والأدوية وبعضها يدخل فى دهان الأثاثات.
ويستخرج حمض التانيك المستخدم فى الصباغة ودباغة الجلود من الأورام النباتية الناتجة عن إصابة الأشجار ببعض أنواع كما أن مادة الكانثريدين الموجودة فى يرقات خنافس البثرات تستخدم طبياً فى استخراج أدوية مدرة للبول بل إن يرقات بعض أنواع الذباب المعقمة تستخدم فى علاج التقيحات العميقة لقدرتها على إزالة الأنسجة الميتة المتقيحة،ليس هذا فحسب فهناك حشرات نافعة سخرها الله لافتراس الحشرات الضارة والحد.
من أعدادها ومن أمثلة هذه الحشرات المفيدة حشرة البمبلا التى تتطفل على ديدان اللوز القرنفلية التى تصيب القطن وخنفساء أبى العيد الشهيرة بشكلها البديع المرقط ببقع سوداء وحشرة أسد المن واللتان تفترسان المن والحشرات الصغيرة أما حشرة فرس النبى فإنها تفتك بفرائسها من الخنافس والدبابير والعناكب بين أرجلها الأمامية ذات الأشواك الحادة والتى ترفعها لأعلى قابضة على فريستها من الحشرات وتبدو حشرة فرس النبى وهى رافعة لأرجلها الأمامية إلى أعلى وكأنها تتضرع إلى الله ومن هنا سميت بفرس النبى.
ولعل من أغرب استخدامات الحشرات استخدامها كغذاء للإنسان والحيوان وإذا كنا نعرف أن الحشرات تمثل جزءاً هاماً من طعام الطيور النافعة كالأوز والبط والدواجن كما تتغذى عليها بعض الزواحف والطيور إلا أن الغريب هو استخدامها فى كثير من مناطق العالم كأطعمة بشرية بل وتوضع فى قوائم الكثير من المطاعم فى العالم ومن المعروف أن الجراد يستخدم كطعام خصوصاً فى المناطق الصحراوية ومنها بعض بلاد الجزيرة العربية حيث يتم جمعه وشيه كما أن النمل الآكل لأوراق النبات من أكلات التسالى فى كولومبيا بأميركا اللاتينية حتى أن الأهالى يتسلون بأكله كالفشار فى دور السينيما ويجمع الأستراليون نوعاً من الفراشات كبيرة الحجم ويقلونها فى الزيت أو يشوونها.
وما زال القرويون فى العراق وإيران وتركيا يجمعون الندوة العسلية الناتجة عن حشرة المن ويستخدمونها فى إعداد الحلوى وتشكل أطباق الجراد والصراصير والديدان جزءاً أساسياً من قوائم الطعام فى عدة دول آسيوية ولاتينية! ولعلنا لا نستغرب بعد هذا أن أحدث تقارير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة FAO قد شجع على الاستعاضة بالحشرات عن العجز فى اللحوم الحيوانية فى المناطق الفقيرة من العالم! .