القاهرة 21 نوفمبر 2017 الساعة 09:56 ص
حوار ـ أحمد مصطفى الغـر
كاتبة لبنانية من إحدى قرى البقاع الشمالي اللبناني، زرعت في حب الأرض والوطن، سكنت بيروت ،عشقت الحرف منذ نعومة أظافرها ، فأبدعت أجمل الكتابات ،فكان لها حضورها على الساحة الأدبية اللبنانية ،تتأرجح في كتاباتها بين الشعر والرواية ، إنها الكاتبة والشاعرة "هيام التوم" التي إلتقتها "مصر المحروسة" وكان لنا هذا الحوار:
في البداية .. هل لنا أن نعود معك للوراء قليلاً لتحدثينا عن بداية رحلتك بين لآلئ القصائد و جواهر الأحرف؟
في الحياة نحن لا نستطيع التحكم بساعة ميلادنا ،ولا ساعة موتنا ،وأضيف على ذلك أننا لا نستطيع أن نقرر في أي بحر نولد ،وأنا رماني العلي سمكة في يم الحبر ،وعشقت هذا الغرق منذ صغري ،وانغمست بالأحرف مطالعة وكتابة ،وأولى أمسياتي الشعرية كانت في سن الحادية والعشرين ،لطالما كانت الكلمة شغفي والأكثر تأثيرا لدي، والجوهرة التي أنقيها من الشوائب قبل أن أبوح بها ،وما زال هذا الشغف مشتعلا في داخلي.
في ديوانك (نزوات ذاكرة) ،تقاومين نسيان الذاكرة ،وتستحضرين مشاهدها المختلفة عن العشق والرحيل والخذلان والحنين، هل لكِ أن تحدثينا قليلاً عن هذا الديوان؟
نخال أحيانا أن النسيان كائن حي ،والواقع أن النسيان شخصية وهمية ،فالذاكرة كالأم لا تنسى كل ما تكون فيها إن مات أو أجهض أو ولد وكل الأزمنة تبقى في رحمها نائمة أو منزوية أو خجولة أو متفاخرة أو صارخة ،ولقد فتحت في ديواني نزوات ذاكرة أبواب الذاكرة على مصراعيه ،وأيقظت كل من في أحشائها من عشق وجرح ونزق وخجل وخذلان وحنين واغتراب وفراق وخطيئة، فجاءت النصوص كالنزوات عابرة ولكنها لا تنسى.
قلت ذات حوار : " الشعر بالنسبة لي هو الدهشة والشهقة الأولى، الشعر هو دلو الماء البارد الذي ترميه على القارئ المصاب بالحمى، أما كيف تدهشه فلهذا طرق كثيرة" ،هذا يدفعني لسؤالك عن الطرق التي تعتمدها "هيام التوم" في قصائدها لإدهاش القارئ؟
قلت ذلك في معرض المقارنة بين قصيدة النثر والقصيدة الموزونة ،والمقصود أنه حسب رأيي روح القصيدة هي الدهشة أما ماذا ألبس قصيدتي فذلك أمر مختلف قد ألبسها زيا فلكلوريا أو فستانا ملتزما بقافية أو رداءً مشدودا عند الخصر فضفاضا كصيف ،تبقى جماليتها الأساسية في روحها في الصورة الجديدة والغير مسبوق طرحها ،في الاحساس بالدهشة والمفاجأة الذي تولده لدى القارئ تماما كامرأة فائقة الجمال تأخذك معها حين تمر أمامك.
يقول "ناظم حكمت" أن أجمل القصائد هى تلك التي لم نكتبها بعد، فهل هذا صحيح بالنسبة لـ "هيام التوم" أيضا ؟
طبعا هذه المقولة وجدت لتحفزنا على السعي الدائم لتحدي ذواتنا ،وعدم الوقوف عند حد والاكتفاء بما كتبنا ،وانا أومن بها لأتفوق على نفسي يوما بعد يوم ،وأظن أخطر ما قد يقع فيه الكاتب هو أن يجلس على رصيف الحبر ،ويقول في نفسه هذا أقصى ما أستطيع فعله ،وأجمل ما كتبت حينها فقط تبدأ نهايته.
مـا سر تمسكك بقصيدة النثر ؟ ،وعلى ذكرها .. هناك من يقول إن قصيدة النثر لم تضف جديداً للشعر العربي ؛ فكيف تردين ؟
يبدو أنها هي التي تتمسك بي يا صديقي ،أظن أن الكتابة ولادة وأن ألد صبيا أو فتاة ليس خيارا شخصيا ، أما بالنسبة لما أضافته قصيدة النثر للشعر العربي فأنا لست ناقدة ولا أخالني مخولة للإجابة عن هذا السؤال ،أنا أكتب فقط وأترك للنقاد وأصحاب الاختصاص عملهم.
البعض يقول إن الإبداع الأنثوي ،من قبل ومن بعد ، يتراجع بالمقارنة بالإبداع الذكوري,هل هذا صحيح أم أن لك رأي آخر ؟
أنا لا أحب تصنيف الإبداع ،الإبداع لا يعرف جنسا ولا عمرا ولا لونا ولا حدودا ،وفي معرض التمييز بين الرجل والمرأة لقد أثبت أن المرأة خلاقة ومبدعة وإحساسها العارم يميز كتاباتها في حين يتميز الرجل بالقدرة على النقد، وأود لو نخفف من الانتقاص من شأن المرأة ومحاولة تهميشها ودعم موهبتها والتعامل مع كتاباتها بموضوعية يكفيها ما تعانيه من تحديات ومن وضع كتاباتها في خانة التجارب الشخصية.
روايتك (غرام مع حبيب سابق) هي رواية عاطفية بإمتياز ، تحمل معاني رومانسية ،مطرزة بأحاسيس ومشاعر جياشة ،مشاهد الذكريات والفراق واللقاء، هذا يدفعني لسؤالك: هل تصلح الرومانسية الحالمة في هذا العالم الملئ بالدماء و الخراب في كل مكان ؟
ربما صار العالم كما تصفه لأننا ابتعدنا عن الرومانسية ،عن المشاعر ،والعواطف الإنسانية ،والإحساس بالآخر ،والتفاعل معه ،وذهبنا بعيدا نحو كل ما هو مادي ،من مال وشهوات وملذات وشهرة. أظن أن هذا العالم لن يصلح إلا بعودة الحب بكل أوجهه إلى القلوب ،الحب الذي يجعلنا نقبل الآخر ،ونحترمه ونفهم هواجسه ،ونرفق به ونتمنى له ما لأنفسنا ،عندها فقط تتوقف الحروب الداخلية والخارجية.
يقول ستيفن كوفي "عش بناء على أحلامك لا بناء على ماضيك"، فبماذا تتميز العلاقة الرابطة بين الماضي و الحلم في حياتك وكتاباتك؟
طبعا أنا أتعلم من الماضي دون أن أقف عنده، مهما كان قاسيا ودون أن يشكل عائقا أمام طموحاتي المستقبلية وأعتبر كل ما فيه حافزا لتحقيق أحلامي ليس إلا علينا أن نفهم جيدا أنه لا يمكن لأي شخص أو شيء الوقوف في طريق أحلامنا ،والعائق الأكبر هو نحن وتخلينا عن الأمل بتحقيقه.
يرى الأديب الروسي "مكسيم جوركي" بأن "الرجل الحي هو الذي يبحث دائما عن شيء " ، فما الذي تبحث عنه "هيام التوم"؟
حين تتوقف رحلة البحث تتوقف الحياة في الواقع لقد تعلمت أن أكون غنية بالاستغناء وألا أتمسك بشيء أو بأحد وبالوقت عينه أن أبحث عن معنى لحياتي عن هدف سام لا يثنيني، عنه ظرف أو شخص ،أبحث عن ذاتي كما أحلم أن تكون لاحققها وأبنيها يوما فيوم ،والكتابة ركن أساسي في معنى حياتي ،وجزء من هيام التي أصبو إليها.
ما جديدك الذي يمكن أن ننتظره منك قريبا ؟
الأقرب هو ديواني الشعري الجديد الذي من المفترض أن يبصر النور في أوائل العام المقبل ، ثم إني شرعت في كتابة رواية جديدة ،لكن الرواية عمل يأخذ مني الكثير من الوقت ،أما الأهم فهو أن فيلما يحضر من وحي روايتي السابقة غرام مع حبيب سابق وسيشارك بمهرجانات دولية وعالمية ونحن في مراحل التحضير الأخيرة ونبحث عن ممول لبدء التصوير.