القاهرة 14 نوفمبر 2017 الساعة 10:13 ص
ــ بقلم: د. هـنـاء زيــادة ــ
مع التطور التكنولوجي المستمر والتقدم التقني الذي لا يتوقف، تظهر الحاجة لمناقشة تأثيرات ما تفرزه التكنولوجيا على الأفراد، والتأكد من عدم إساءة وقعها على حياتهم، فالتكنولوجيا كلما كانت أكثر قوة.. كلما كان من الممكن استخدامها في أمور شائنة وتخريبية، صحيح أن هناك فوائد وجوانب إيجابية ستحدث مع التقدم التكنولوجي، لكن المرعب حقاً سيكون الأثر السلبي لها، حيث يمكن إعتبار هذا التقدم التكنولوجي مثل "الجني في زجاجة" ؛ يمكن أن يحقق رغبات كثيرة، ولكن في نفس الوقت مع احتمالية وقوع عواقب وخيمة وغير متوقعة، لذا فإننا في أشد الحاجة لوضع معايير أخلاقية ومهنية
لإفرازات الذكاء الاصطناعي حتى لا تصبح لبنات البناء التكنولوجية.. معاول هدم، تطيح بحياتنا ذات يوم.
قبل شهرين، أرسل أكثر من 100 عالم من رواد التكنولوجيا مؤخرا رسالة مفتوحة إلى الأمم المتحدة بشأن موضوع الأسلحة المستقلة القاتلة أو ما يسمى بالروبوتات القاتلة، دعت الرسالة إلى إنهاء سباق التسلح الذي يمكن أن يشكل الثورة الثالثة في الحرب، بعد البارود والأسلحة النووية، صحيح أن للأمم المتحدة دور تؤديه، ولكن المسؤولية الأكبر عن مستقبل هذه النظم الفتاكة ترجع إلى العلماء أنفسهم و مطوري تلك الريبوتات، فالمسئولية الحقيقية تبدأ من المختبر، حيث إن نظام التعليم الذي يدرب باحثي الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى تعليمهم الأخلاق وزرع فهم أخلاقي قوي في نفوسهم عن تأثير عملهم ،بالتوازي مع تعليمهم كل ما يخص البرمجة وتصنيع التكنولوجيا، ففي الماضي شكك بعض الخبراء والأكاديميين في استخدام الروبوتات للقتال العسكري، وخاصة عندما تمنح هذه الروبوتات قدرا من الوظائف المستقلة. لكن مع مرور الوقت تم إثبات العكس ، لدرجة أن البحرية الأمريكية قد نشرت قبل سنوات قليلة تقريراً يشير إلى أنه كلما أصبحت الروبوتات العسكرية أكثر تعقيداً، ينبغي إيلاء المزيد من الاهتمام لآثار قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة.
سيحتاج هؤلاء العلماء وأصحاب شركات صناعة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي إلى معرفة الأساليب لتحديد أقل الشرور الناجمة عن مشروعاتهم، وكذلك المفاهيم القانونية مثل الإهمال الجنائي، والتأثير التاريخي للتكنولوجيا على المجتمع، هذا إلى جانب ضرورة دمج المنظورات الأخلاقية والمجتمعية في عملهم منذ البداية. فلو نظرنا في الهياكل الأساسية في المجتمع، على سبيل المثال مثل شبكات الطاقة، أو الإنترنت والإتصالات، أو حتى نظم النقل الجماعي في بعض البلدان المتقدمة ، سنجد أنه تزداد إدارتها بآلات متزايدة الذكاء، وهذا يثير العديد من المخاوف، على سبيل المثال: من هو المسؤول عن حالة وقوع حادث بسبب خطأ في النظام؟، أوبسبب وجود عيوب في التصميم، أو بسبب التشغيل السليم خارج القيود المتوقعة؟، وهكذا من الأسئلة التي لن نجد لها أجوبة، لأن الريبوت هو المسؤول، ولا يمكن إلحاق الأذى بريبوت أو حتى من قام بتصميمه من البشر، نظرا لأن المصمم قد نفذه على أكمل وجه. لكن في العام 2010 قامت وكالة تمويل الروبوتات البريطانية (إبسرك)، بالعمل على وضع الكثير من الأفكار في سُمي لاحقا بورقة (هال)، وهي ورقة تحوي على مبادئ سياسة غير رسمية في المملكة المتحدة، تتضمن مبادئ خمسة للذكاء الاصطناعي، وهي: ينبغي ألا تصمم الروبوتات كأسلحة، إلا لأسباب تتعلق بالأمن القومي ـ ينبغي تصميم الروبوتات وتشغيلها للامتثال للقانون القائم، بما في ذلك الخصوصية ـ الروبوتات هي منتجات، كما هو الحال مع غيرها من المنتجات، وينبغي أن تكون مصممة لتكون آمنة ومضمونة ـ يتم تصنيع الروبوتات التي تماثل التحف الفنية خالية من العواطف والقصد هنا هو ألا ينبغي أن تستخدم لاستغلال المستخدمين الضعفاء عبر عواطفهم ومشاعرهم ـ وأخيرا.. ينبغي أن يكون من الممكن معرفة من هو المسؤول عن أي
الروبوت.
لذا وفي محاولة لاستباق أية تهديدات محتملة ناتجة عن إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي فقد أعلنت جامعة كارنيجي ميلون (CMU) عن خطتها لإنشاء مركز بحثي يركز على أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، ويسعى المركز لمراقبة أخلاقيات التقنيات الحاسوبية وأثرها في المجتمع، وقد تم تأسيس هذا المركز من خلال منحة قيمتها 10 ملايين دولار من مؤسسة K&L Gates، أما في شركة جوجل العملاقة فقد تم تشكيل وحدة للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي باسم (ديب مايند)، والتي شكلت بدورها مجموعة بحثية جديدة تحت اسم (DeepMind Ethics & Society) ،وهى مكرسة للقضايا الشائكة فيما يخص 6 موضوعات تتعلق بالذكاء الاصطناعي، وهي: الخصوصية والشفافية والعدل، إدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي، الأثر الاقتصادي، الحوكمة والمساءلة، أخلاق وقيم الذكاء الاصطناعي، والذكاء الاصطناعي والتحديات المعقدة في العالم، وقد أصدرت المجموعة البحثية بياناً مهماً في بداية عملها ، جاء فيه: "الابتكار التكنولوجي في حدّ ذاته ليس ضماناً للتقدم الاجتماعي، فتطوير الذكاء الاصطناعي يخلق أسئلة مهمة ومعقدة، فتأثيره على المجتمع وكذلك في حياتنا ليس شيئاً ينبغي أن يُترَك للصدفة، بل يجب أن تكون النتائج مفيدة، والحماية ضد الأضرار مدروسة بشكل فعال منذ البداية". وليس مستغرباً ما حدث في 21 أغسطس الماضي، حين كشفت شركة Amper عن أول أغنية ينتجها ويلحنها الذكاء الاصطناعي بشكل كامل!، والتي حملت عنوان "Break free" ،وهى متوفرة الآن على موقع "يوتيوب"، و تتحدث الأغنية الاصطناعية عن امرأة ترغب في التحرر من قيود الوجود البيولوجي والدخول في أشكال أخرى من الوعي، وهى الأغنية الأولى من ألبوم يحمل عنوان "I am AI " ، أي : أنا الذكاء الاصطناعي، ،فإلى مستقبل ستأخذنا التكنولوجيا؟! .. هذا ما سيكشفه مستقبل الأيام القادمة !