القاهرة 14 نوفمبر 2017 الساعة 10:12 ص
إن لكل ثقافة سياق.وثقافة الميكروباص فى السياق الجماهيري وهو سياق منتج ومستهلك, ومناقض ومستلهم, وموظف أو مقتبس لهذه الثقافة
والثقافة الجماهيرية فى المجتمع المصري لها سمة أساسية’و أهم سماتها التهكم الساخر. والتهكم هو مخرج إيجابي ، كما يراه البعض يعبر عن علاقة بين سائقى الميكروباص والواقع وهذه الثقافة لها خطاب جماهيرى
وهذا الخطاب الجماهيري لديها هو عبارة عن خليط أيديولوجي شديد التنوع, وفى أحسن الأحوال مزيج يسعي صانعوه الرسميون إلى بلورته وتثقيقه
رسميا وجعله مركبا تصوغه المؤسسة الرسمية فى مشروعها العام وتحشد له الكثير من الأدوات والوسائط.
هذا الخطاب الجماهيري متهم بالقدرية ، والتخلف ، واللاعقلانية ، وهو خطاب مرتبط بالخرافة والتواكلية والإذعان المطلق للحتمية ، كما أنه يكتفي بالوقوف عند جزئيات منزوعة من سياق مضمونها وتفسيرها تفسيراً آليا يتصف بالآلية ( ).وتعتمد هذه الثقافة على اللغة. ففي اللغة تتحدد كل عناصر وبنيات الهوية الثقافية. فاللغة السليمة المتكلمة والمكتوبة معا هى الكلاسيكية الصحيحة, وكل ما عداها فاسد ومنحدر ، وفى ظروف معينة يمكن قلب هذه المقابلة ويتحدث الكل بلغة المقابلة.
فالازدواجية اللغوية موقفاً وظيفيا ، يتعايش فيه النمط الرفيع مع النمط الدوني فى أي لغة من اللغات جنبا إلى جنب. ويكون النمط الرفيع صاحب المكانة العالية والنمط الدوني هو نمط العامية الذي يستخدم فى الحياة اليومية .
وأزمة الجماهير كما يراها معالجوها أزمة (صفوية الثقافة) فقد أصبح مفهوم الثقافة مقتصراً علي الثقافة الرسمية وأسقطت الثقافة الشعبية من الاعتبار بل وسقطت أيضا ثقافة الجماهير كذلك من الوجود ، وصار ينظر إلى ما دون الثقافة الرسمية على أنها مضادة للثقافة أو أنها تجسيد للتخلف الثقافي, فصارت لدينا ثقافة سائدة وثقافة مسودة. فالثقافة السائدة ثقافة السلطة والمكانة, والثروة, والتعليم , والانتماء إلى النظام القائم. أما الثقافة الشائعة أو الجماهيرية فهي الثقافة العامة بين الناس على أرض الواقع وبين العامة .
لقد تبين أن العامة تنتج ثقافتها كما تنتج الصفوة أيضا ثقافتها. والشريحتان ينتتجان ثقافتهما بأنفسهم ولأنفسهم. ويستهلكونها في محيطهم. بموازاة الثقافة الرسمية أو بعيداً عنها ، لكن الجماهير تسعي دائماً بثقافتها إلي محاولة التكيف مع جميع المتغيرات مما يجعلها تكتنز في داخلها مأثورات الأجيال السابقة.
ومحتوي ثقافة الجماهير يشتمل على كل شىء منتج بدأً من البرنامج التليفزيوني إلي الخبرات الممتدة فى مدن الملاهي. , وهى ثقافة تحويل الجماهير إلى مستهلكة سواًء كان ذلك فى طبيعة الجماهير أم فى طبيعة المنتج نفسه .
واختيارات اللغة لا تشرح بمعزل عن سائر اختيارات الحياة، لذا من المهم أن تستكشف المظاهر الاجتماعية التي تؤثر في الجماهير من خلال اللغة. أن لدى الجماهير خطابات متعددة مثل الفيلم والتليفزيون، وفن القص، وخطاب الفئة الاجتماعية، وكل خطاب له تقنياته ونظام تعبيره.
أن المجتمع يخلق لغات كثيرة، وإتقان لغة خاصة هو أسلوب من أساليب المواجهة، فاللغة ليست مجرد انعكاس للظروف اجتماعية أنها تصنع هذه الظروف إلى حد ما، وتهيئ لنوع التعامل معها
واللغة هنا لغة ترتبط بالموسيقي – وهي إذا ارتبطت بالموسيقي لها ميدان تنتج وتستهلك فيه – فاللغة الشعبية وارتباطها بالموسيقي الشعبية. ترتبطان معاً بقطاع الثقافة الشعبية: وهذا هو الإطار الذي تنتج وتستهلك فيه. يمتد ما بين ريف وحضر وحياة عشوائية تضم صعيد مصر الأعلى والأوسط والدلتا، والمدن بمختلف أحجامها ومواقعها. واللغة الجماهيرية هنا لغة لحظية آنية تقوم علي اقتناص الحدث ، والحدث في توقيته والتعبير عنه ، طالما لم تعبر عنه الثقافة الرسمية في صورة تتناسب وعقلية الجماهير. عقلية الجماهير ليست هنا ضعيفة بقدر ما هي عاطفية وعقلية الجماهير لا تخضع للعلمي بقدر ما تخضع للعاطفي.
وتتشكل اللغة الاجتماعية في إطار الحياة الاجتماعية، والظروف الاجتماعية التي تفرض نفسها على الواقع، هذه الظروف تتمثل في مكونات الفساد. هذا الفساد يطرح نفسه كبديل لضغط اجتماعي، أو كبديل لأزمة عبر عنها المغني بنفس الكلمة المباشرة – (أزمة ، خربانه، مكوى، تاهوا، عديم الضمير، مجروح، مد بوح، جراح، خاينين، بتخون، ظلم، غيبوبة) ثم انتهي إلى أنه زمن الوحوش.
كل هذه الأوصاف تعبر عن سوسيولوجيا لفكرة اجتماعية انتشرت في الواقع أثناء فترات التحول ,تمثلت في الرشوة، التي يراها (سائقوا الميكروباص )أصل الفساد.
هذه الكلمات هي لغة لنص بل هي مفردات من نصوص متجاورة في بنية لحنية ضمن سياق ذوقي عام يحاول( سائقوا الميكروباص) فرضه على مسامع الركاب بل والمشاة أحياناً.
رغم هذه المباشرة فإن اللغة الجماهيرية استطاعت أن تصنع لنفسها فضاءً لغوياً خاصاً بها، وذلك من خلال نحتها لمجموعة من الألفاظ التي تلعب عليها وتتواصل بها مع ذاتها، وأن كانت لا تفهم بالشكل الذي تريده الجماهير إلا أنها إحدى أدوات التواصل اللغوي مع المجتمع حال الفساد.
المصطلحات الجماهيرية و الفراغ الاصطلاحي :
أما المغنى فقد نحت المغنى الجماهيرى لنفسه مجموعة غريبة من المصطلحات التى انتشرت فى كاسيت (سائقى الميكروباص )مثل (الأساتوك ، السح الدح أمبوة ، كامننا, التوتوني، كاتش كادر في الألولو، سو ياسو،شنكوتي ، كاري، شيش جهار، الزغروف، التت).
هذه المصطلحات هي فقط المصطلحات التي وردت في عينه الدراسة. أي أنه هناك مصطلحات أخري لم يعثر عليها الباحث أو لم يتناولها الباحث بالتحليل نظراً لعدم ورودها في العينة.
إلا أن الثقافة الجماهيرية استطاعت أن تنحت لها مفردات لغوية تعبر عنها وتتناولها في تعبيرها. فإذا كانت اللغة الرسمية تستخدم مفردة "الأفندي" أو الأستاذ أو البيك للتعبير عن نفسها فإن لغة المهمشين تستخدم ألفاظ الهندزة . والأسطى . والمعلم . والنجم , والزميل .
لقد انشأت الجماهير عالمها البديل, القائم على الثقة والرجولة والعلاقات المباشرة (علاقات الوجه للوجه) , العلاقات الآنية اللحظية التي تنتهي بانتهاء اللحظة والوقت, ثم تعاود الظهور مع أى حدث في صورة مظاهرة تعترض على الرسمي(1).
أن رأس المال الثقافي لدى الجماهير لا يساهم في دعم قواها الثقافية أو زيادة أحد عناصرها الثقافية، وأن توجه الجماهير نحو هذه الثقافة المتدنية لا يكون إلا كلما حلت بالمجتمع نكبات فساد.
لا يستطيع الناقد أى ناقد أن يمسك بقانون للبنية أو عناصر لهذه البنية وتحديداً البنية الثقافية لأنها في الغالب الأعم ناجمة عن رأس مال ثقافي متدني، ووعي مغيب، وإمكانيات ضئيلة وصفوف بطالة عاطلة. مهمشة
لكن القانون الوحيد الذي يفرض نفسه هو أن البنية المتهرئة تنتج عن واقع فاسد وتعاود إنتاج بنية هشة.
واللغة غير المتماسكة لا تنتج فناً، ولا تساهم في صياغة موضوع فني، بل تساهم فى غياب الموضوع الفني
وكلما ارتفعت وتيرة الفساد في المجتمع كلما ازدادت الجماهير فقراً، وزادت جيوب الفساد داخل مجتمع الجماهير – وزادت حصيلة المجتمع العشوائى.
وترتبط العشوائية بالفساد. فكلما ارتفعت درجات الفساد زادت قطاعات العشوائية في المجتمع.
أن الجماهير أثناء بناء عالمها اللغوي. تسقط كثيراً في فخ التدين باعتباره نظيراً ومعادلاً موضوعياً. ومحاولة للبحث عن خلاص والخروج من أروقة الفقر والفساد.
أن عناصر البنية اللغوية للجماهير متماسكة ولا تملك هدفاً عاماً بقدر ما تملك أهدافاً خاصة صغيرة وضئيلة وترتبط أكثر ما ترتبط بالأفراد والأشخاص.
أن لغة الجماهير لا تقوم على موضوعات بقدر ما تقوم على معاناة أبناء الجماهير.
أن لغة الهامشيين تعاود إنتاج نفس اللغة ونفس السمات للتهميش . ويبقى التهميش جزء كبيرا من الأجزاء المكونة لثقافة الميكروباص وعلى أساس هذا التهميش تكون حركة هذه الشخصية
ويصبح التهميش وجوديا فى حياة هذه الشخصية