القاهرة 31 اكتوبر 2017 الساعة 11:03 ص
خلف البرافان يستلقي جسده بهدوء وقد تخفف من ملابسه، لحظات فاترة يعبث فيها الطبيب بجسده المترهل بحركات مدربة لكنها أصبحت مألوفة له لكثرة زياراته للطبيب، بجهاز قياس الضغط تم الاطمئنان علي ضغطه، وبالسماعة عُرفت حالة القلب التي كانت جيدة ومطمئنة أيضًا.
علي وجه الطبيب الشاب لا زالت ابتسامة روتينية وكلمات يسمعها كل شهر أثناء الكشف الدوري، يكره شباب الأطباء، عندهم استخفاف بالمرضي لا مثيل له، يتعامل معه وهو رجل طاعن في السن علي أنه أبله، لولا إصرار أبنائه لما تحرك خطوة من بيته، ولما عرض نفسه لهذه المهانة وهو الرجل الكبير الكهل، أين صديقه ورفيق حياته؟، طالما استراح لزيارته، أين منه الآن هذه الأيام السعيدة؟، أغلقت عيادته فترة طويلة وبعدها عاد ابنه من الخارج فحولها إلي شركة استيراد وتصدير.
هذه العيادة كانت عمره الماضي كله، كانت الأنس والطبيب الطيب، الذي يبتسم له قبل حتي أن يدخل حجرة الكشف، كان طاعنًا في السن مثله، لكنه كان خبيرًا بمعاملة المرضي، يلمس جسده ويقلبه كأنه قطعة ماس يخشي أن يصيبها مكروه، سأله مرة إذا ما كان يعامله هكذا لمجرد صداقتهما أم أنه هكذا مع جميع مرضاه، هذه الجملة التي يذكرها كلما رأي طبيبًا، أو ذهب إلي عيادة أو مشفى "الطب طيبة يا حامد"، تري أين ذهبت هذه الطيبة من وجوه الأطباء الآن؟
بخطوات بطيئة متعبة سار ناحية الباب بعد أن تلقي تعليماته المعتادة من الطبيب والذي اتخذ مجلسه فوق المكتب، كم يكره هذه التعليمات القميئة، أدار مقبض الباب وقد لاح له طيف صديقه الذي اعتاد أن يفتح له الباب بنفسه، ولم ينس أبدًا أن يودعه بطبطبة علي كتفه وهمسة ساحرة في أذنه:"خلي بالك من صحتك يا رجل يا عجوز"ثم بابتسامة صافية مثل الماء، لم يغير عاداته أبدًا.
آخر زيارة ضم يده بقوة قبل أن يفتح له الباب، ومرر نظرة حنونة علي وجهه وقال:"إحنا خلاص كبرنا يا حامد" آخر كلمات له كانت نذيرًا من قلب شفيف بالرحيل.