القاهرة 31 اكتوبر 2017 الساعة 10:02 ص
بقلم: أمل جمال
على طريق الكباش يطل بيت الشعر حيث كانت الأمسية التي شاركت فيها. ذهبت بعدها إلى الفندق .استقبلتني الوجوه الهادئة المبتسمة رغم سحابة حزن تلمحها في العيون. في المطعم لم يكن هناك سوى خمسة سائحين. واحدة منهم كانت تنادي النادل باسمه باقتدار و تتحدث إليه علمت فيما بعد منها أن اسمها سيلفيا، وأنها إنجليزية لندنية في السبعين و شبه مقيمة أكثر منها نزيلة. قالت و هي مستلقية تحت مظلتها على حمام السباحة أنها تأتي إلى الأقصر منذ سبعة عشر عاما وباستمرار و أن ابنتها للتو كتبت لها: أنت تتمتعين بالشمس في مصر بينما نغرق نحن في الأمطار في لندن.
قالت لي أيضا إنها حزينة على حال السياحة و أن مصر تستحق كل خير. و قال لي النادل إن الأمور ليست على مايرام منذ سبع سنوات و أن أسرا كثيرة فقدت مورد رزقها. في الصباح ركبت الميكروباص بجنيه واحد و ذهبت لعمل ورشة صلصال مع الأطفال كانوا مستمتعين بصنع وردات و فراشات بينما كنت مشغولة بما سمعته، وقررت أن اكتشف المدينة لأعرف المزيد. قبلت دعوة من أحد العاملين في بيت الشعر لأركب خلفه دراجته النارية كان في عمر ابني وقالها - كمزحة- فقبلت العرض فورا و دونما تردد .
كانت الحناطير تقف في انتظار طويل ممل لا يقطعه سوى رنات راقصة لخطوات حصان أو اثنين بحنطور عابر. شاهدت جزء آخر من طريق الكباش بالحفريات الجديدة التي توقفت عام 2013 شاهدت نصف الكنيسة التي توقف عندها الحفر قال لي رفيق الرحلة أن أكثر من مسجد قد هدم و أكثر من بيت أيضا و تم تعويضهم. لاستكمال الطريق الذي يمتد بطول ثلاثة كيلومترات و يبدأ من معبد الأقصر.عندما سألته عن رد فعل الأهالي قال لي يا أستاذة نحن نعرف جيدا قيمة الآثار لنا و لأولادنا و لمصر.
نزلت في أول السوق السياحي الذي لم يختلف في بضائعه كثيرا عن خان الخليلي إلا أن الحزن كان مخيما أكثر على الوجوه . دخلت أحد المحال لأشتري تذكارات قال لي البائع: لن تجدي ما يعجبك فالتراب يعلو كل الملابس التي بالعرض.
وهي على حالها كهذا منذ سبع سنوات. وعندما سألته : و لماذا لا تزيل التراب و تجدد العرض؟ أجابني بسؤال آخر: لمن يا أستاذة؟ لمن؟ لا أحد يبيع لا أحد يشتري. أين السياحة؟
نحن نعاني و أغلقت أبواب أرزاقنا. لم ينج من الكارثة سوى من لديه عمل آخر وظيفة حكومية أو عمل بعيد عن السياحة. كان يحكي بينما كنت مصرة على أن أبحث في البضاعة القديمة قال لي: لن أبيعك بضاعة قديمة. قلت له: دعني أبحث . كان مصرا على أنني لن أجد ما أشتريه و كنت مصرة على شراء أي شيء لأنني أعرف قيمة الفرح مثلما أعرف أن هذا التراب ليس غبار السنوات التي تراكمت هي أيضا على الأرفف بل تراب الحرب التي يشنها أعداؤناعلينا و ترجمت معانيها في الكساد والبطالة و ساحات المعابد الفارغة و تدني نسبة إشغالات الفنادق .
في الأقصر الحبيبة
رأيت ما أسعدني وما أحزنني من أجلها ، لكنني وللحق أيضا رأيت ما هو أجمل و أروع. رأيت الوطنية في الوجوه التي تحتمل بصبر وأناة و محبة. رأيت الشعر في المدينة و النظافة في الشوارع و المعابد التي تفتح أذرعها للعالم ، وتقف شامخة تتحدى و تقول إنني مصر. و رأيتني و أنا أنهي كوب الشاي الذي صنعه لي البائع و أنا غارقة في الغبار لا أتفاوض في أسعار. حدد مبلغا لما اشتريته فقلت: تفضل . ثم ودعته، و مضيت و أنا أفكر. في كل ما اجتاحني من صور ومشاعر وكنت على استعداد أن أدفع أكثر.