القاهرة 25 اكتوبر 2017 الساعة 10:25 ص
يفترض أن للفن عالمه النوعي الخاص، الذي يُستمد من كيان الإنسان الذي بالأحرى يمتلك بصميمه كنز خاص به يملكه من الثراء ما يجعله يلتحق بعالم الفن، للنقد الفني أيضا عالم خاص متماشيًا معه، لذا أصبح حتميًا على الناقد الفني أن يستند هو الآخرعلى ثراء ثقافي وفني يمكنه من ممارسة النقد الفني.
في البدء كان النقد يسير على النحو الذي يعبر الفنان عن نفسه وما حوله طبقًا للزوايا والرؤية والتي تتنوع بين: نفسية، تقنية، إجتماعية، حضارية، فلسفية، دينية. فكان الناقد حينذاك يفسر الأعمال الفنية مستندًا على وعيه الفني بأساليب التقنيات المختلفة، على إدراك بما توحي به الزوايا المستخدمة، وعلى نحو ما يعرفه عن الفنان صاحب العمل على جانبه العملي وحياته الشخصية، وطبقًا لحالة المجتمع والظرف الحضاري كتأريخ لها فيما بعد. فتم عن ذلك تفسير بعض الأعمال الفنية طبقًا للنفس الإنسانية للفنان بما تحتويه، وتفسيرات أخرى حول العمل الفني نفسه موضحًا ما يوحي به من دلالات نفسية كانت أو فلسفية، أو إجتماعية.
وكان يكفي للناقد وقتها أن يحمل بين طيات ثقافته الفنية، متابعة التطورات التي تحدث جراء الإنتقال من حركة فنية إلى أخرى، ودراسة حالة المجتمع باهتمام.
بدأ الاهتمام بدراسة فنون العالم ككل في نهاية القرن التاسع عشر على يد المؤرخ الفني "إيلي فور" بظهور مجلدة الأولمن موسوعة "تاريخ الفن"، والتي بدا للنقد بعدها الظهور بشكل أكثر نضجا، لما وضحته من عوالم مختلفة من شتي البلدان والحضارات المختلفة، ودراسة واسعة لها. والإشارة إلى دراسة الفن الأسيوي والأفريقي. حيث كانت تقتصر كل حضارة على دراسة حضارتها وتخليد ذكراها، وكان المخزون الفني لدى النقاد يقتصر على الفن الأوربي والإغريقي دون غيرهم. ومن خلال ذلك تم اكتشاف عوالم متعددة في الفن كانت مجهولة ومهملة.
وبدأت تظهر الداروينية في الفن، عندما بات للفن لغة فلم يعد مجرد تنسيقًا محدد ولا مقتصرًا على كونه زينة وترفيه للحياة، أو متعة للعين. ومن ثم الثورة التكنولوجية وتطبيق سياسات العولمة وبالفعل أصبح العالم قرية صغيرة حقًا، وبدا من السهل الاطلاع على كافة الفنون التي يتم إنتاجها في العالم كله، والتزود بالمعرفة ودراسة تاريخ الحركات الفنية في الحضارات السابقة والاطلاع على أثارها ومعالمها بحُرية تامة.
وبحدوث التطور هذا أصبح على الناقد بألا يكتفي بما يمتلكه من ثراء ثقافي ووعي بمجرد تنوع الزوايا ودلالات الرؤية والاقتصار على دراسته لحضارات أوربا والإغريق وحدهم. بل أصبح على عاتقه دراسة ومعرفة كل ما يخص عالم الفن والتزود بمعرفة جميع الحضارات، والإلمام بجوانب الحياة الشخصية للفنانين.
ومن خلال هذه الإيضاحات، بداية من بدء ممارسة النقد ومن ثم التطورات التي أسهمت في نضج هذا العالم، يتضح ختاما: بإن النقد يتناول العمل الفني في ذاته من خلال مفردات عالم خاص تشترك مع العالم النوعي الخاص للفن، وبجوار ذلك الموضوعية في النقد، حيث إن النقد الذاتي وحده لا يثمر عن شيء ذا أهمية إن لم يكن الناقد يمتلك من الثراء المعرفي ما يمكنه من استقبال كافة الإيحاءات، والإلمام بقواعد الفن ولغته الخاصة. ويعد ذلك وإن كان تعلمه متاحًا إلا إنه من الصعب أن يستقل به فرد بذاته، وإنما يجني هذا النقد ثماره عندما يأتي من مجموعة من الأفراد يتقاسمان شتى أنواع الثقافة والمعرفة. لذا يقتضي أن يمتلك الناقد الفني وعيًا فنيًا عظيم، ووعيًا ثقافيًا أعظم.
ولذلك تعد مشكلة النقد في مصر في استمرارية ممارسة النقد الذاتي للعمل الفني، من خلال مجموعة من النقاد تختلف هويتهم المعرفية والثقافية اختلاف جذري، فبات النقد بالعاطفة، لا يشكلان جماعة قوية تعمل على ازدهار وتنمية الفن من خلال نقد ذاتي-موضوعي يفسر العمل الفني مما قد يساعد بالارتقاء بالفن المصري.