القاهرة 24 اكتوبر 2017 الساعة 10:46 ص
بقلم الدكتور / صلاح مصطفى
في حوار ودي دار بيني وبين أحد أصدقائي المقربين اتضح أننا في مجتمعاتنا كثيراً مانخلط الأمور والمفاهيم حتى في حياتنا الاجتماعية العادية وهذا ماجعلني أكتب إليكم اليوم (( ما بين شطين )) في محاولة لتجنب اللغط والخلط خاصة في مجالي التأليف الموسيقي
ما الفرق بين التلحين والتأليف الموسيقي ؟؟
التأليف الموسيقي هو حالة إدراك للتعابير والانطباعات الموسيقية، وكيفية ممارستها على الآلات المكتوبة لها في تلك المعزوفة، فهذا الخط البياني مختلف ومختلط في التصاعد والهبوط، مما يجعل من هذه المعزوفة أو المقطوعة الموسيقية تنبع بالحيوية والمشاعر، و ما يجعلها مشوقة للاستماع. وقبل ذلك يعتمد التأليف الموسيقي على اختيار القالب الموسيقي لهذه المقطوعة، وتلك القوالب معروفة لدى المؤلف الموسيقي من خلال دراسته الأكاديمية، وهي متنوعة وكثيرة، وعلى سبيل المثال (قالب السوناتا / قالب الروندو / القالب الغنائي / قالب التنويعات/... إلخ). ومن المهم والضروري بعد ذلك استدراك واختيار موضوع ( السلم الموسيقي ) أو ( المقام ) الذي سيكتب به العمل الموسيقي، وذلك بالطبع يتبع اللون والطبيعة العامة والحالة النفسية والتعبيرية التي يريد المؤلف الموسيقي أن يكتب عمله فيها.
ويتكون التأليف الموسيقي من أربعة عناصر أساسية في تكوينه: ( اللحن / الإيقاع / الهارموني / الطابع الصوتي )، وتخضع تلك العناصر الأربعة للمزج ضمن نسيج متجانس ومتآلف صوتياً، وهذه المكونات الأربعة تدخل في بناء أي شكل موسيقي، منهجي، مبني وفق الطرق والأساليب العلمية الصحيحة للتأليف الموسيقي، واختلاف الأعمال الموسيقية وتنويعها بين المؤلفين الموسيقيين يأتي من خلال تنوع واختلاف هذه العناصر الأربعة وأسلوب استخدامها وتنوع مفرداتها داخل المقطوعة الموسيقية. وكل عنصر من هذه العناصر له ميزاته التأليفية الموسيقية التي ترتبط بشكل أو بآخر بالمجتمع والتقاليد وبمدى التطور الموسيقي العلمي فيه، ومدى تطور صناعة الآلات الموسيقية ونوعيتها.
أما التلحين فهو ثمة زاوية أساسية في التأليف الموسيقي، والتي عرفت باسم (اللحن) (الميلودي Melody) وأصل الكلمة يونانية وتعني (الغناء)، ويعتبر اللحن من أهم عناصر التأليف الموسيقي، وكما يعتبر أساس البناء الموسيقي، واللحن في الموسيقى كالجملة المفيدة في اللغة، وهو عبارة عن خط لحني واحد تتعاقب نغماته وفقاً للقواعد الموسيقية، حيث الزمن والصعود والهبوط والقفز اللحني، ويجب أن يكون مسار اللحن طويلاً متدفقاً، وأن يشمل وقفات ( ركوز ) قصيرة، وأن يبلغ ذروة التعبير في نهاية المقطوعة، وأن يضمنه تصوراته وأفكاره مع تلوينها بالتظليل والتشكيل والتعبيرات المختلفة ليكون وقعها جيداً في الأذن، ويمكن أن يكون الخط اللحني منفرداً أو مصحوباً بأنغام هارمونية لها صلة بموضوع اللحن، فهناك زاوية شائقة في عالم التأليف الموسيقي وتدعى (الارتجال الموسيقي Musical Improvisation)، وهو إنجاز عفوي مباشر لخلق فكرة موسيقية لحنية من غير تصميم أو تدوين موسيقي مسبق ( غنائياً كان أم على آلة موسيقية ) وهو أحد أشكال التأليف الموسيقي الآني ( وليد اللحظة )، والارتجال هو أداء فني موسيقي تلقائي مرتبط بخيال المغني أو العازف طبقاً للحن مبتكر أو معروف ( دون إعداد سابق له )، ففي الموسيقى الغربية عرف هذا الشكل الذي كان يمارسه قديماً عازفو الأورغن والكلافيسان، ومغني الأوبرا الإيطاليون في زخرفة أغانيهم، وعرف ودرج انتشاره بشكل يكاد يصل إلى العالمية في الأسلوب الموسيقي المعروف (الجاز Jazz)، وقد اعتمدت الموسيقى العربية منذ القدم هذا الأسلوب الموسيقي حتى أصبح من أصول الموسيقى المتداولة والشعبية، وخير دليل على الارتجال اللحني هو ترتيل القرآن الكريم والأذان والإنشاد الديني، وهذا يشكل بحد ذاته ظاهرة تأليفية موسيقية.
في وطننا العربي هناك خلط كبير في المفاهيم العامة لمصطلحي ( التلحين والتأليف الموسيقي )، فالتلحين وكما أشرنا سابقاً هو لحني أحادي وغالباً ما يرتبط بالغناء، أما التأليف الموسيقي فهو علم كتابة العمل الأوركسترالي بكل أحجامه، وغالباً ما يرتبط بالموسيقى الصرفة، ففي موسيقانا العربية لا توجد ( مؤلفات موسيقية ) بمفهومها الكلاسيكي العالمي، إنما اقتصرت على بعض القطع الموسيقية ( أحادية اللحن )، أما التلحين فله الحيز الأكبر في موسيقانا العربية وإرثنا الموسيقي الجميل، خاصة الغنائي منه الذي أغنى الموروث اللحني العالمي في الطبيعة والتدوين والمفهوم العام للجملة الموسيقية. أما ( المؤلفون العرب الكلاسيكيون ) وتأتي تلك التسمية من أن هؤلاء يعملون في مجال التأليف الموسيقي الغربي، فيعود لهم الفضل الكبير في إرساء مفهوم التأليف الموسيقي وتطوره في منطقتنا، زد على ذلك أن الكثيرين منهم قد عمل على التراث والفلكلور المحلي ضمن أعمالهم السيمفونية، ما أغنى المكتبة العربية والعالمية بأعمال موسيقية مهمة. وقد عرف منهم الكثير في الصالات العالمية ودور الأوبرا، منهم:
أبو بكر خيرت- مصر،
توفيق الباشا - لبنان،
عبد الرزاق العزاوي- العراق،
محمد مقني- تونس،
راجح داوود- مصر،
صلحي الوادي- العراق... وغيرهم.
وللحديث بقية....
ودقي يا مزيكا