القاهرة 24 اكتوبر 2017 الساعة 10:01 ص
بقلم: محمد زين العابدين
فى كل مكان وفى كل زاوية من الأرض إلى البحر إلى السماء ومن أصغر ميكروب يسبح فى قطرة مياه إلى أكبر كائن حى إلى أضخم مجرة،تفاجئنا الحياة بعجائبها وطرائفها المدهشة التى لا تنتهى والتى لا نملك معها إلا أن نقول سبحان الله..لله فى خلقهِ حِكَمْ!،والإنسان هو أكثر الكائنات إدهاشاً فى هذا الكون..فى هذه السلسلة نطوف معاً بدهشة الأطفال ونتأمل بين صور ملونة نختارها لكم من عالم الحياة المدهشة...
الأشـجــار: رئة الطبيعة ومستودع الأسرار (1 من 2 )
(أشجار خشب كاليفورنيا) (الشجرة الزجاجة)
*عندما تتزين بحلتها الخضراء الجديدة وتأتى الطيور إليها أسراباً هائمة فوق أغصانها الجميلة يتجدد الأمل فى نفوسنا،إنها الأشجار ذات العطاء الوفير والثمر الغزير،تقينا حرارة الهجير وتصد عنا الرياح الزمهرير وتتلخص فيها كل المعانى الجميلة فهى مضرب الأمثال فى الشموخ فيقال"الأشجار تموت واقفة" كما أنها رمز للعطاء رغم الإساءة فيقال"كن كالشجر يُلقَى بالحجر فيُلقِى بالثمر"وهى رمز الرقة والرهافة فقد سجلت سيرة الرسول الأكرم محمد(ص) حكاية النخلة التى كان يستند إليها عند إلقائه لخطبه فلما خصص للنبى منبر للخطابة إهتزت النخلة من فرط حنينها للرسول وتأثرها به والأشجار تشكل قيمة كبيرة فى حياتنا من الأشجار المهيبة ذات التاريخ العريق إلى أشجار بستان هادئ نأوى إليه لنريح أرواحنا ويستظل بظلها الشعراء و الحالمون وتجد الطيور فيها مأواها وجنتها ويكفى دليلاً على تجذرها فى حياتنا أنه يقال"شجرة العائلة"للدلالة على الأصل الراسخ والمتشعب لعائلة ما وهى الرئة التى نتنفس من خلالها ولولاها لشعرنا بالاختناق بسبب نقص الأكسجين حيث تضخ الأكسجين فى الجو يومياً بغزارة حتى أطلق عليها مصنع الأكسجين.
*الأشجار رمز للخلود:عاشت الأشجار كأطول وأعظم شكل للنباتات على الأرض واتخذت كرموز للحكمة والخصوبة والحياة والخلود فهى تعمر طويلاً وفى جميع أنحاء العالم هناك أشجار معمرة بشكل مثير للدهشة،ففى النرويج مثلاً هناك شجرة تنوب(شجرة عيد ميلاد)عمرها 9 آلاف و 550 سنة ويحسب عمر الأشجار من خلال أخذ قطاع عرضى فى جذع الشجرة وحساب عدد الحلقات المتعاقبة فيه وكثيراً ما زرعت الأشجار كنصب تذكارية حية ونقش الأحباب على جذوعها أسماء أحبائهم وذكريات حبهم ومن حيث الضخامة فأكبر الأشجار حجماً هى أشجار خشب كاليفورنيا الأحمر California red wood وهى من الصنوبريات ويصل ارتفاعها إلى 100 متر وقطر قاعدتها إلى 12 مترا ويوجد ما يقرب من 20 ألف نوع من الأشجار ما بين أشجار الغابات القوية وأشجار الزينة الهشة وتنمو أكثر تشكيلات الأشجار تنوعاً في المناطق الإستوائية.
* أشهر الأشجار ومعتقدات الشعوب : ارتبطت الأشجار فى معتقدات الشعوب بالعديد من الرموز والمعانى واتخذ بعضها كرموز مقدسة لجلب الخير والبركة والخصوبة وطرد الأرواح الشريرة أما القرآن الكريم فقد احتفى بالأشجار أيما احتفاء فضرب الله بالشجرة الطيبة وهى النخلة المباركة مثلاً لكلمة الحق الطيبة ذات الأصل الثابت والفروع الباسقة التى تعانق السماء وتؤتى أكلها كل حين كما ضرب مثلاً بشجرة الزيتون فى صفاء زيتها فى سورة النور كما ورد بالقرآن الكريم ذكر شجرة السدر وهى النبق والتي رأى النبي(ص)عندها جبريل لما عرج به إلى السماء وقد عرفها القرآن الكريم بسدرة المنتهى وقد وصف النبى شجرة السدر العظيمة التى رآها عند سدرة المنتهى بأن ثمارها الجميلة فى حجم جرار الماء وأوراقها فى حجم آذان الفيل ومن أشهر الأشجار الشجرة التى بايع النبي تحتها أصحابه على عدم الفرار من مواجهة الأعداء فى غزوة الحديبية لما بلغه خيانة المشركين وهي المذكورة في قوله تعالى(َلقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ).سورة الفتح،والشجرة التي كلم الله عندها موسى عليه السلام وبعثه نبياً،إذ قال تعالى( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا موسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)-(30)سورة القصص،وشجرة اليقطين وهو القرع وقد أنبتها الله لنبيه يونس عليه السلام غذاءاً وعلاجاً له وذكر المفسرون أن من أهم مزايا اليقطين سرعة إنباته وإثماره والظل الوارف لأوراقه والفوائد العظيمة فى ثماره ولبه وقشره وأشهر شجرة فى التاريخ البشرى هى شجرة الجنة التى اختبر الله بها آدم وحواء ومدى طاعتهما له وابتعادهما عن غواية الشيطان فنهاهما عن أكل ثمارها ولكنهما وقعا فى المحظور ولشدة تقدير الإسلام للأشجار كرمز للحياة التى يقدرها الإسلام تقديراً بالغاً أن الرسول"ص" كان ينهى عن قطع أى شجرة عند ذهاب المسلمين لأى بلد وكانت شجرة الجميز هي الشجرة المقدسة عند المصريين القدماء وكانوا يعتقدون بأن أرواح الموتى تحط بعد الوفاة مباشرة على أغصانها ومن هنا بدأ الاعتقاد بأهمية زراعة الأشجار بين المقابر وسائر شعوب البحر المتوسط تقوم بزراعة أشجار السرو بين المقابر وفي الهند تعتبر شجرة التين الهندي التى تزرع بالمعابد و تعرف بتين المعابد هى الشجرة المقدسة ومن عادات بعض قبائل وسط أفريقيا غرس شجرة لكل مولود جديد فإذا كان المولود أنثى غرسوا شجرة سريعة النمو غزيرة الثمار فإذا اعتلت صحة الشجرة إستدعوا لها أحد حكماء القرية ليعالجها لحماية المولود وعندما يصيب أحد الأطفال مرض يأخذونه إلى شجرته لكى يعالج فى ظلها ومن أشهر الأشجار المقدسة بتاريخ مصر شجرة مريم والتى توجد بحى المطرية بأقصى شمال القاهرة والتى احتمت بظلالها السيدة مريم وابنها عيسى عليهما السلام أثناء الهرب من مطاردة هيرودس ملك اليهود الرومانى الظالم عندما أراد أن يقتل سيدنا المسيح عليه السلام وهو ما زال طفلاً حين علم أن مولوداً قد ولد وأنه سيكون ملكاً على اليهود فخاف على مملكته فأمر بقتل جميع الأطفال بمنطقة بيت لحم بفلسطين التى ولد فيها المسيح فهربت به أمه العذراء مريم عليها السلام إلى مصر وكانت هذه الشجرة إحدى أشجار الجميز الوارفة الظلال ويذكر أن شجرة العذراء مريم الأصلية التى استراحت عندها العائلة المقدسة قد أدركها الوهن وسقطت عام 1656م فقام جماعة من الكهنة بأخذ فرع من فروعها وقاموا بزراعتها بالكنيسة المجاورة لمنطقة الشجرة ونظراً لاعتقاد بعض الناس بحلول البركة فى هذه الشجرة فإنهم يذهبون للتبرك بها.
*غرائب الأشجار: يحفل عالم الأشجار بالكثير من الأشجار العجيبة ومن أغربها شجرة توجد فى شبه الجزيرة العربية وتعرف بشجرة الضحك والسر فى هذه التسمية أن مسحوق الحبات السوداء بثمارها الصغيرة والذى يستعمل كنشوق يكفى أن يستنشق المرء منه عدة مرات لتنتابه نوبة شديدة من الضحك تستمر لنصف ساعة يروح بعدها فى سبات عميق وهناك ما يعرف بالشجرة البقرة وتوجد فى فنزويلا ويستخرج من جذعها عصارة
ذات طعم حلو ودسم كالحليب وقد اعتاد السكان المحليون على استدرار هذا السائل الحليبى من هذه الشجرة العجيبة بإحداث قطع فى جذعها ثم جمع السائل منها ويشربونه ممزوجاً بالقهوة ويستعملونه فى صنع الحلوى،هناك أيضاً"الشجرة الزجاجة"وهى شجرة عجيبة تنمو فى جزيرة مدغشقر وهى تشبه الزجاجة حيث تخزن فى خشب جذعها اللين كثيراً من العصارة أثناء موسم الأمطار فإذا جاء وقت الجفاف أسرع السكان المحليون إليها يقطعون شقاً فى جذعها فيسيل الماء الذى تختزنه فيشربون منه هم وماشيتهم وهناك الشجرة الطاردة للآفات وهى شجرة النيم الضخمة دائمة الخضرة والتى تنمو برياً بشكل طبيعى فى المناطق الجافة بالهند وباكستان وتعرف بمقدرتها على صد 200 نوع من الآفات الحشرية ونظراً لاستخداماتها الطبية المتعددة تعرف فى الهند بصيدلية القرية وبالإضافة لمزاياها فى مقاومة الآفات فإن لها منافع عديدة حيث يستخدم الزيت المستخرج من بذورها فى الهند لإنارة المصابيح وكذلك للأغراض الطبية كدهان للمفاصل لعلاج الروماتيزم وكعلاج لبكتيريا الأسنان واللثة وطارد للديدان.
وحديثنا عن الأشجار لم ينته بعد ففى الحلقة القادمة نستكمل التجول فى عالمها المدهش!