القاهرة 24 اكتوبر 2017 الساعة 09:53 ص
بقلم : د/ رمضان سيف الدين
لقد كان للإعلام دورا هاما فى إبراز مكونات الشخصية المصرية وذلك فى إطار ارتباطها بعالم الميكروباص , فالشخصية المصرية فى ارتباطها بالميكروباص كعمل إنما هى فى موضع من مواضع البناء , هذا البناء الذى يرتبط بالجماهير وتطلعاتها , فهى شخصية دينامية فى حالة عمل قائم ومتواصل فى أرض الشارع , كما أنها فى حالة بناء لأهدافها على مستوى الأفراد , فكل فرد أثناء العمل والكسب يكون فى حالة نشاط ولا يستطيع التصنع لسمات غير متوفرة فى شخصيته إنما هو يرسم السمات التى هو عليها , وهكذا تبدو ملامح الشخصية فى أصدق صورها وأفعالها وقد التقط رجال السينما هذه السمات لسائق الميكروباص ووضعوها فى مجموعة من الأعمال الفيلمية التى تعبر عن شخصية هذا السائق
فإذا ما نظرنا إلى فيلم (عفاريت الإسفلت ) وجدنا إن الفيلم يعرض لأهم سمة من سمات هذه المجموعة لأسرة من الأسر التى يعمل فيها الأب والابن فى قيادة الميكروباص فالأب قد ورث لابنه هذه المهنة فصارت حياتهما معا على الأسفلت فى أرض الشارع يعيشون جزء من حياة أبناء الطبقة الدنيا . وأهم مافى هذه الشخصية أنها على وعى بظروفها وعلى وعى بطبقتها التى تنتمى إليها وكيفية نظرة المجتمع إليها فالبطل فى الفيلم يرفض زواج أخته من صديقه كما يأبى إلا أن يتزوج هو من فتاة جامعية أخوها مهندس بترول كما يبحث لأخته عن زوج من هذه العائلة , أنه يريد الصعود إلى طبقة أعلى من طبقته التى أنحدرمنها
وفى فيلم (خالتى فرنسا )لم تجد فرنسا وابنة أختها بدا من العمل فى مهنة الميكروباص للخروج من تيه الفقر الذى يتبدى محيطا بالحارة وكل من فيها , كانت شخصية الفيلم والحدث تبحث عن لحظة خروج من ضيق الحارة إلى سعة الشارع الذى يمكنه أن يستوعب الكل , وإن كانت الصورة هذه المرة من قاع الطبقة الدنيا , تلك الطبقة التى تنظر إلى الميكروباص وسائقو الميكروباص نظرة إيجابية على اعتبار أنها مهنة أفضل من غيرها ويمكنها أن تصنع مأمنا من حوادث الدهر
وفى فيلم (جواز بقرار جمهورى ) ينضم إلى فئة سائقى الميكروباص خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الذى لم يستطع أن يجد عملا بشهادته فتزداد الفئة ثراء فكريا لانضمام مثل هؤلاء الخريجين العاطلين عن العمل إلى مهنة سائق ميكروباص, وكم من العاطلين الذين أنضموا إلى صفوف هذه المهنة , لقد كانت المهنة فى هذا العمل مهنة بنائية يحاول البطل من خلالها أن يبنى حياته وبيته , وكان البطل على وعى بظروف مجتمعه من حوله فهو المثقف خريج الجامعة المرموقة الذى يملك من الوعى ما يؤهله لأن يكون فى الصفوف الأولى لبناء المجتمع
.أن وعى سائقو الميكروباص ليس وعيا مزيفا أنما هو وعى حقيقى لكنهم لا يملكون إمكانيات التغيير والتطوير
والشخصية المصرية هنا فى حالة من الدينامية للخروج من مأزق حياتى فرضته الظروف الأقوى , كما أنها فى حالة من الالتفاف حول البنى المتهالكة من الواقع لتصنع غيرها , هذا الألتفاف ليس تهربا من فريضة أو التزام ,,,إنما هو إعادة تكوين نفسى ومادى لواقع يبدو أنه يئول إلى السقوط , هذا الواقع يحيط به الفساد من كل جانب ,لكن الشخصية واعية بكل ذلك وتحاول أن تتماسك وتعاود بناء نفسها من جديد