القاهرة 17 اكتوبر 2017 الساعة 10:48 ص
كتبت: يسرية عادل
نغفل أحياناً عن إدراك هبات تهدينا إياها الحياة ..دون قصد أو وعي.. نتيجة تلقائيتنا التي قد تكون علينا...أكثر ماهي لنا !
وصفات الإنسان ومايحمله من خلجات قد تتعارض في بعض الأحيان مع مصالحة .. وتبتعد في بعض الوقت عن العملية والإنجاز.. فالخجل علي سبيل المثال.. يعتبر أحد الصفات الإنسانية التي كنا نصنفها إيجابية ودليلاً علي طيبة القلب وحسن السليقة ... بينما ... يمكن أن يسبب أحياناً بعض الخسائر المهنية والحياتية ويدخل تحت بند الأمراض النفسية إذا لم يتم تداركه من الأسرة والمجتمع. إحدي تجاربي مع الخجل ..كانت رغم نشاطي وتميزي بين زملائي في المرحلة الإبتدائية..ورغم أنني لعبت دور القائد وإستمتعت بممارسة الأنشطة الفنية بالمدرسة كورال ورقص وشاركت في فريق الكرة الطائرة وأوائل الطلبة والإذاعة المدرسية...وكنت الأكثر جرأة بين اخوتي في طلب زيادة المصروف والمبادرة بالإدلاء بأقوالي أمام والدي رحمه الله..عن سؤاله حول ماهية سلبياته من وجهة نظرنا نحن أبناؤه !؟
كان غريباً .. ذلك الخجل المفرط الذي داهمني في المرحلة الإعدادية متسللاً بجانب ما طرأ عليَّ من ملامح الأنوثة والتي شغلتني بمصطلحاتها و متطلباتها..
و رويداً ... رويداً صرتُ أخجل من السير في الطريق .. ومن الحديث مع الأغراب! ملامح تعويقه .. لازالت محفورة في حياتي ... فقد خجلت لسنوات من مطالبة كثيرون بحقوق طبيعية من المسلمات الحصول عليها .. فقط أجتهد وأتفاني في أداء ماأقوم به في الدراسة و العمل ..ومع العائلة والأسرة..أشياء كثيرة أراجع فيها نفسي ولاأعفيها .. من الإدانة مهما كانت الذرائع والأسباب. لم أكن شخصاً ضعيفاً أومنساقاً ولكن دائماً لدي تصور للأشياء .. وفي رأيي ..الخجل مثل أي صفة إنسانية أخري .. مثل الطمع والمادية أو الحب والكراهية..الكثير منها والقليل..له تبعات وخسائر ..فنجد الكثيرون يلهثون بحثاً عن دفءالمشاعر ...التي لم يهتموا لها ولم يلحظوا علاقتها الطردية بمدي رضاهم النفسي عما حققوه من نجاح وما إدخروه من أموال !
وبالتوازي ..نجد كثير من الأبناء الفاشلين ..كانوا ضحايا الإفراط في منح الحب والتضحية من آباء وأمهات .. أغفلوا التوازن والتقييم المستمر ... التحكم في صمام صفاتنا الإنسانية شيئاً قد يغيب عنا جميعاً ولكنه ضرورة لتدارك أخطاء تفقدنا فرصنا في تحقيق أحلامنا ..
من ذكرياتي مع الخجل ... كنت في سنوات ماقبل التخرج .. وإلتحقت بمركز خدمة تنمية المجتمع بجامعة الأسكندرية. للحصول علي كورسات اللغة الإنجليزية.. كنت في حديقة المركز إنتظاراً لموعد الدخول وتعرفت بزميلتين .. ووقفنا نتحدث عن سبب دراسة اللغة .. كنت أتحدث بطلاقة وسعادة وثقة .. لاحظت شاباً وسيماً.. ذو بشرة بيضاء وملامح غربية يتجه نحوي بهدوء وتركيز وفي تردد يفضحه إمتقاع وجهة ... تصورت أنه زميلاً لإحدي الفتاتين .. ولكن كانت نظراته تنفي ذلك.. وكانت الوردة الحمراء التي يحاول أن يخفيها تلفت إنتباهي وتثير خيالي فيما يمكن أن يكون ؟
تتابعت أنفاسي متلاحقة ... وأشحت بنظري بعيداً خجلاً وخوفاً أن تتصور الفتاتين إنني علي علاقة بهذا الشاب ... جاء صوته هادراً رغم خفوته .. صارماً رغم توسله .. وطلب مني ألتقط وردته ...فزعت وكاد قلبي أن يقف.. ورفضت بكل إصرار... ظل يكرر عليَّ طلبه .. ويلح لدرجة شعرت إنني في كابوس مزعج.. كنت أرفض وقد تملكني الغضب. وإنتبهت لأجد الفتاتين قد أخذتهما بي الظنون ..فكادت الدمعة تفر مني.....! ....
الحقيقة..أنني ندمت علي تصرف غابت فيه الحكمة عني وإفتقدت فيه اللباقة .. حين جرحت شخصاً لم يسئ إليَّ ... فقد وعدني وأقسم بأنه سينصرف سريعاً ما إن أخذت وردته...؟ كنا نقف بالقرب من نافورة حديقة المركز ... ووجدتني أخذتها منه لأقذف بها .. في صحن النافورة ...
لسنوات .. كان ضميري يؤنبني ...ولمرات ... ظل قلبي يأخذني إليه !!