القاهرة 17 اكتوبر 2017 الساعة 10:04 ص
تأليف: نور سليمان احمد
" صورة حقيقية لإحدى البرديات من المتحف البريطاني "
(على سبيل التقديم )
بعد انهيار الدولة المصرية القديمة فى عام 2268 قبل الميلاد، دخلت مصر مرحلة جديدة، اعتبرها البعض فترة انتقالية، تفتتت فيها المركزية، واستقل أمراء الأقاليم بالحكم.
وبين 2160 إلى 2025 قبل الميلاد فى عصر الأسرتين التاسعة والعاشرة، كانت مصر تبدأ عهدا جديدا حصل فيه الفلاح على مزيد من الحرية. وبلغ الفن والإبداع فى هذا العهد مبلغا جديدا، ظهرت أثاره على كل شيء بداية من العمارة حتى مقابر دفن الموتى والحصاد والطقوس الدينية والصيد والأفراح والتتويج إلى آخره ...وقد أحتفظ التاريخ ببعض ما وصلتنا منه نصوص بديعة، منها تعاليم «إيبور» وتعاليم «مرى كا رع»، وشكاوى الفلاح الفصيح والتى وصلتنا مكتوبة فى أربع برديات، ثلاث منها محفوظة فى المتحف المصرى ببرلين تحت الأرقام: 3032، 3035، 10499، والرابعة محفوظة فى المتحف البريطانى تحت رقم 1027. وقد ساعدنا تكرار النسخ فى الحصول على نص شبه كامل، يرجع زمن كتابته إلى عصر الدولة الوسطى، بعد إعادة توحيد البلاد. أما زمن الحكاية فيعود إلى نهاية العصر الانتقالى الأول )
النص معروف باسم « شكاوى الفلاح الفصيح»، أما فى الأصل فهو بدون عنوان، رغم أنه تشير الدلائل على أن كاتب النص هو أحد الفلاحين. ولكن هناك رأى آخر لبعض علماء الآثار يقول إن الشكاوى للفلاح،نعم ولكن ربما عهد إلى أحد الكتبة وهو الذى صاغها بهدف تملق الحاكم. وبطل الحكاية هو الفلاح «خون إنبو»، وفى بعض المراجع ( خنوم ) و الذى لاحظ أن مخزون الحبوب يكاد ينفد فى بيته، فحمل على حماره بعضا من منتجات قريته لمقايضتها بالطعام فى العاصمة إهناسيا. وفى الطريق يتعرض لمكيدة «تحوتى نخت»، الذى يسرق حماره، فيذهب الفلاح إلى رئيس الموظفين، وهو رئيس بلاط الملك « رنسى بن ميرو»، ويشكو له الظلم، الذى وقع عليه، وينظم مرافعته فى قالب شعرى،أدبى منمق ... شهدت له كل المراجع وشهد المؤرخون على مدى براعته فى الكتابة وحذقه فى اختيار المفردة المناسبة البليغة الصادقة المؤدبة ... المؤدية للمعنى بايجاز وتفرد .. كتب شكاياته مطالباً إياه بتحقيق العدل. ويصل الأمر للملك «نب كاو رع»، تبهره بلاغته وحذقه وأدبه اللفظى ... فيأمر بتجاهل الفلاح حتى يكمل مرافعته وكتابتها، وفى نفس الوقت يأمر بتزويد أسرة الفلاح بالطعام وهذه لفته تحسب للحاكم وبراعة أخرى فى اكتشاف موهبة هى الأولى من نوعها فى الكتابة ... وكانت بابا آخر ليصل إلى أقصى طاقة عند الفلاح تدفعه للكتابة ... والمعاناة تولد الإبداع .. كانت مرحلة التجاهل هذه بمثابة المفجر الحقيقى لطاقة الفلاح الفصيح فى الكتابة ...
على سبيل النقد الأكاديمى المتخصص ) )
تشكل الحكايات والقصص الشعبية مجالاً خصباً
وواسعاً لعمق معانيها الإنسانية ، والمتصور عن الأديب الشعبي أنه ذلك
الأديب الذي يقدم أدباً شفوياً غير مكتوب ، ويتخذ هذا الأديب ـ المتصور ـ
من مادته الأدبية وظيفتين ؛ إحداها تربوية والأخرى إمتاعية ، إلا أن
الثقافة الفرعونية التي عرفت تسجيل النصوص بالكتابة المصورة (الهيروغليفية))
قد حفظت لنا جدران معابدها وبردياتها بعضاً من نصوص أدبها ، وقد وصل الفن
القصصي مرحلة النضج في عصر الدولة الوسطي وكانت سائر ألوان الأدب في هذا
العصر كاملة النمو ؛ كما يرى ذلك الدكتور /سليم حسن في كتابه موسوعة مصر القديمة) ، الذي)
يري أن الأدب التعليمي بلغ ذروته عقب انقضاء عصر الدولة القديمة
ربما لا يكون الفارق بين التدوين المعاصر للحكاية وإعادة حكايتها وتداولها شفاهياً .... كبيراً ، إلا أن عملية التسجيل الكتابي الذي تميزت به الحضارة الفرعونية قد منحت بعضاً من أدبها الخلود والبقاء ، علي عكس ثقافات أخرى لا نكاد نلحظ سوى القلة القليلة منها والذى وصل الينا عبر وسائل التدوين
المختلفة .. وربما كان بعضها مؤلفا فى عصور لاحقة أضيف إليه ما يميزه وحذف منه ما يراه المؤرخ عيبا فى حضارته
تراوحت شكاوى الفلاح بين المديح والهجاء، والرثاء على نفسه المقهوره وقلبه الصادق ... وقد تعرض فيها لكل التجاوزات فى المجتمع، لكن بالطبع دون التعرض لأسس النظام نفسه. وبعد إلقاء المرافعة التاسعة، يئس الفلاح من استعادة حقه، وضاق بصمت رئيس البلاط، فقرر الذهاب إلى (أنوبيس )، الإله الحامى للموتى، ليشكو إليه، فيخرج الرئيس من صمته، ويحقق فى قضيته، ويعاقب الجانى. ويفسر البعض خروج رئيس البلاط عن صمته بأنه ربما يكون الفلاح قد انتنوى الانتحار. يأسا مما وصلت إليه حالته ... وإن كان هذا بعيد الاحتمال تماما ... فمن يملك الشجاعة للمواجهة لابد وأن يكون مقاتلا من الدرجة الأولى والمقاتل لا يقدم على الانتحار ... لكن فى اعتقادى الشخصى أن الرئيس كان قد تشبع بادبيات الفلاح الفصيح ( خنوم ) وشعر أنه قد استنفذ كل طاقته المعنوية والجسدية ( قال ما عنده ) وهذا ما يفسر ذهابه إلى ( انوبيس ) إله الموتى فى اعتقادهم ...
وقد يتسع المجال لنورد نصوص الشكاوى التسع كاملة، ولكننا قبل نورد منها إجمالا وانتقاء لبعض المعانى الرائعة، التى تشكل فى مجملها روشتة للحاكم العادل، وتقدم وصفا تأصيليا دقيقا للعدالة والظلم
وعند بحثى الدقيق عن ( حكاية فلاح اهناسيا ) وعن الشكاوى كانت هناك آراء متضاربة ورويات مختلفة لكن تجمعها دائما فكرة واحدة وخيط واحد ...
( العدل والفصاحة والمساواة)
أولا ... البحث فى المراجع الأجنبية
بداية
..بحثت عن خطابات الفلاح الفصيح فى كتاب العبقرى " جيمس هنرى بريستيد" و الذى ترجمه العلامة الدكتور سليم حسن .. كيف عبر ذلك الفلاح المصرى ،عن الظلم الواقع عليه فى خطاباته" بردياته الأدبية " والتى سجلها التاريخ لمدة أربعين قرنا من الزمان ...عام 3650 تقريبا ق م
هى إذن حكاية فلاح اهناسيا
أو حكاية فصيح اهناسيا مع حكامها
هذه المدينة ( اهناسيا المدينة ) التابعة إداريا لمحافظة بنى سويف .. كانت مسرحا لأكبر محاكمة حدثت فى التاريخ او لنقل ( أول محاكمة عادلة ) فى تاريخ الإنسانية )... بطل هذه المحاكمة هو هذا الرجل المتمتع فطريا بفصاحة الفلاح ولباقته وعفويته ... ابن الريف بسرواله الطينى وقلبه الأبيض ... المنطلق دائما وابدا دون حرج ولا محاباة ولا تدليس ... هو هذا الفلاح الذى صبغته الشمس بأشعتها الذهبية وعدلت من ملامحه السمراء ليتماهى مع جوها وجغرافيتها المعتدلة
فلاحنا من إقليم " الفيوم التابع إداريا (وقتها ) لمدينة أهناسيا الحالية أو ( هيراكليوبوليس ) بلد الطفل الملكى ... أو حنن نسوت ( بلد الآلهة" ، قريته والتى كانت تسمى " وادى الملح" وجد أن مخزن الغلال قد أشرف على النفاد .. جمع من أهل القرية بعض الحاصلات والمنتجات اليدوية كالعطور والزيوت والأصباغ ومواد التحنيط و حملها على قطيع من الحمير..متجها نحو المدينة .. يريد أن يستبدل الحاصلات بالغلال..و بينما هو فى طريقه يعترضه منزل موظف صغير إسمه " تحوتى ناخت" .. شاهده ذلك الموظف الصغير الخبيث، فنهش الطمع قلبه و أراد الاستيلاء على الحاصلات .. و تفتق ذهنه الخبيث بحيلة ..فنشر نسيج الكتان على الطريق، ليجبر الفلاح الطيب على المرور من حقل القمح ،الذى يملكه الموظف الأكبر ويقال أيضا فى بعض الروايات ( حقل الملك )..حتى تحين فرصة للحمير أن تقضم بضع سيقان من القمح .. فإنقض عليه ( بحيلته المدبرة سلفا ) و أمره بتسليم الحمير ( عقابا له على فعلته ) لأنه إعتدى على أملاك الموظف الأكبر..مدير البيت العظيم " (رنزى بن ميرو) ..
و لم يكتف بهذا فقط بل أصدر أمرا بإعتقاله وأمر أيضا بحبس الفلاح ومصادرة بضاعته .
كانت قائمة التهم جاهزة ..
المرور بغير إذن فى أرض خاصة ..
الاعتداء على ممتلكات يملكها الموظف الكبير ..
التهرب من الضرائب-!!!-..
أهانة موظف حكومى أثناء تأدية وظيفته الملكية
أربعة أيام تعرض فيها الفلاح للضرب و التعذيب و هو صامد لا يلين و لا يتنازل عن حقه فى الحمير و الحمولة والبضاعة التى استأمنه الناس عليها فهو إذن لايدافع عن حقه فقط بل يدافع عن جماعته وأهله وجيرانه قبل الدفاع عن حاجته الشخصية .. تفتق ذهنه إلى أن يشكو مدير البيت الملكى إلى من هو أكبر منه مكانة وأعلى شأنا .. و بدأ يكتب الشكاوى ( وفى بعض الروايات أنه استعان بأحد الكتبة ليساعده فى صياغة البرديات إلى مدير البيت العظيم..
الشكوى الأولى :
يا رئيس البلاط،
سيدى،
ياعظيم العظماء ورئيس الجميع
يا حاكما على ما قد فنى وما لم يفن
عندما تبحر فى بحيرة الحق ...
فلتشرع سفينتك برياح ملائمة
ولا يتمزق لك شراع، ولا تضل سفينتك
ولا يحدث مكروه لساريتك،
ولا تتكسر عوارض ساريتك
إنك أب اليتيم وأخ المطلقة وساتر من لا أم له
وفى ترجمة أخرى ( ومئزر لمن لا مئزر له )
أنت الذى يقاوم الجشع ويقيم العدل
الذى يأتى لصيحتى التى يرددها فمى
أنا ذا أتكلم، فاسمع: أقم العدل
أيها الممدوح الذى يمدحه الممدوحون
ارفع المعاناة عنى! فأنا مثقل بالهموم»
نحن الآن أمام قضية قومية ( امنية )بكل معنى الكلمة ... طمع فى ممتلكات فلاح بسيط .. خطة خبيثة للإيقاع به.. الإستيلاء على أمواله.. تلفيق تهمة تعدى على ممتلكات خاصة .. إعتقال بدون مبرر شرعى ، ضرب و تعذيب ، إغفال أى ذكر عن الحمير و الحمولة الثمينة ..
قرر الفلاح أن يستمر فى نضاله لإستعادة أمواله و حميرة فتقدم بشجاعة مذهلة من الموظف الكبير وقد أثر أن يتحلى ببعض الشجاعة مع الحفاظ على أن تكون كلماته بها قدر من المجاملة وبعض الدهاء . قائلا له :
(الشكوى الثانية) :
سيدى، يا كبير الكبراء، يا أغنى الأغنياء
الكبير بين كبرائه، والغنى بين أغنيائه
يا دفة السماء
يا سارية الأرض وخيط المطمار
أيتها الدفة، لا تسقطى
أيتها السارية، لا تميلى
يا خيط المطمار، لا تهتز
هل يأخذ السيد الكبير شيئاً ممن لا سيد له
ويسرق العزل؟؟
كل ما تحتاجه موجود فى بيتك،
قدح من البيرة وثلاثة أرغفة،
والفتات الذى توزعه يشبع من يسألونك
أليس العار أن الميزان مائل
ومقيم العدل منحرف
(هنا يبدأ الفلاح فى صياغة أسلوبا جديدا مختلفا تماما عن بداية الشكوى يريد من خلاله استعطاف الموظف الكبير ومحاولة تملقه – إن جاز التعبير –)
لأنك والد اليتيم ،
و زوج الأرملة ،
و أخ لمن هجره الأهلون،
و ستر من لا أم له .
دعنى أضع اسمك فى هذه الأرض...
فوق كل قانون عادل..
يا أيها القائد الذى لا يشوبه طمع..
يا أيها العظيم ..
أجب إلى الصيحة التى ينطق بها فمى ،
فإذا تكلمت فعليك أن تسمع..
أقم العدل،
أنت يا مدحت و يا من يمتدحه الممدوحون
.. إكشف عنى الضر..
حقق أمرى ..
فإنى فى حيرة..
شعر الموظف الكبير بفصاحة هذا الفلاح واذهله ما يتمتع به من ذكاء فطرى لايخلو من الدهاء والمكر فى حدود الاحترام والتعظيم لمن هو أعلى منه منزلة .. فهرع إلى الملك و حكى له .. فسر الملك سرورا عظيما و أمر بأن يصحب الفلاح معه دون أن يقطع فى أمره..
( يذكر فى بعض الترجمات الدقيقة والتى أوردها الدكتور / سليم حسن أن الملك لما علم بفصاحة هذا الفلاح البسيط سأل عن حالته وتتبعها وطلب أن يعد له تقريرا يوميا عنه وعن حال أسرته أثناء غيابه وأمرهم بأن يرسلوا سفيرا من المملكة إلى أسرته محملا بالطعام والاحتياجات الضرورية دون علم الفلاح )
سجلت البرديات ثمانية شكاوى ..سنورد مختصرا لها فى البداية ونلقى الضوء على أهم ماجاء بها من نقاط ستحدد فيما بعد مصير ( خنوم ) الفلاح الفصيح
الأولى : خيبة الأمل فيمن ظنه أنه الرجل العظيم الذى لا يحيد عن الحق
الثانية: يعود للمدائح-!!!
مولاى .. إنك رع رب السماء .. ( فى معتقدهم القديم )
إن أقوات بنى الإنسان منك لأنك كالفيضان..
و أنت إله النيل الذى يخلق المراعى ..
ضيق الخناق على السارق..
إحم التعس..
لا تكونن كالسيل ضد الشاكى ..
إحذر فالأبدية تقترب..و نفذ العقاب ..
ليس هناك شيئا يعدل إستقامتك..
هل يخطئ الميزان؟؟لا تنطقن كذبا لأنك عظيم..
انت بذلك مسئول..لا تكن خفيفا لأنك ذو وزن،
و لاتتكلمن بهتانا لأنك الموازين،
و لا تحيدن لأنك الإستقامة ، ..
لسانك هو المؤشر العمودى لميزان العدل و قلبك هو المثقال و شفتاك هما ذراعاه..
و فى الشكوى الثالثة .. يستمر فى المديح .. مع التحذيرات الغامضة من مغبة الظلم.. فهو الفلاح المصرى الذى لا يريد أن يتصادم مع الفرعون و مندوبيه ..لكنه فى ذات الوقت يريد أن ينشر أخبار السرقة التى تعرض لها من خلال شكاواه التى يرسلها ... وانتشر الخبر فى الأسواق وأصبح مادة للتسلية وطريقا لكل من تعرض للظلم والقهر من تصرفات هذه الحاشية الفاسدة واعوانهم ... وهنا يخاطب الفلاح الفصيح الرجل الأول فى المدينة بلهجة الواثق من قضيته الواقف على مظلمته والتى لاتخلو شكوته من بعض المديح وبعض البوح المر
الشكوى الثالثة:
«أوقف السارق واحم الفقير
احذر اقتراب الأبدية
وتمن لنفسك الثبات
منِّ النفس تحقيق العدل
عاقب من يستحق العقاب ولن يعادلك أحد فى عدلك
إن ميزان الأرض هو تحقيق العدل
فلا تنطق بالكذب لأنك عظيم
و إذ يشعر الفلاح المصرى بعدم جدوى المديح ،و أن الموظف الكبير متواطئ مع الصغير الخبيث يبدأ بصب الغضب صبا .. نراه يقول " يا مدير البيت العظيم..إقض على الظلم ، أقم العدل، و قدم كل ماهو خير، و إمح كل ما هو سيئ.
حتى تكون كالشبع الذى يقضى على الجوع و اللباس الذى يخفى العرى ، و السماء الصافية بعد سكون العاصفة الشديدة .. أو كالنار التى تطهو الطعام أو كالماء الذى يطفئ الظما..و يستمر فلاحنا العنيد قائلا: إنك متعلم .. إنك مهذب!! و لقد تعلمت و لكن لا لتكون سارقا ، إنك متعود لأن تفعل ما يفعله كل الناس، قد وقع مثلك أقاربك فى نفس الأحبولة!و انت يا من تمثل الإستقامة ، و لكنك صرت على رأس البغاة فى البلاد ، إن البستانى الذى يزرع الشر، يروى حقله بالعسف، ليثمر زرعه البهتان.
الشكوى الرابعة
وجاء الفلاح ليشكو للمرة الرابعة وقابله وهو يهم بالخروج من معبد الإله القابع على بحيرته
قال:
أيها المكافأ،
كافائك الرب" الذي انت على بحيرته"
وأنت خارج من بيته
الخير ضاع،
ولا أحد يعتز بطرح الكذب أرضاً
هل جاءت سفينة إلى هنا؟
بأي شيء يعبر المرء النهر عن إقامة الاحتفالات؟
أنعبر النهر مشياً؟
هل هذا جميل؟
من ينام لمنتصف النهار؟
اضطربت الحركةفي الليل
واضطرب التحول في النهار
وسمح للرجل أن يسعى من أجل حقه الجميل
لا تسمح بالسرقة
للمرة الرابعة أشكو إليك.. إلى متى سأبقى؟؟
(هنا أدرك الفلاح بحسه الفطرى أن لا جدوى من شكاواه .. وأنه هالك لا محالة .. ظل يرسل شكاواه وهو يعلم تمام العلم ان مظلمته ستقبل فى يوم ما .. والا ما كان استمر فى الكتابة .. واستمر فى التظلم ورفع معاناته الى المدير العظيم المرافعة الخامسة
يا رئيس البلاط العظيم،
يا سيدي
ان صائد السمك بالحربة يذبح اسماك أيو
وصائد السمك بالسيخ يقتل سمك أبوبو
وصائد السمك بالشباك يصتاد سمك بكرو
صيادي السمك يصحرون النهر
لا تسلب الصغير ممتلكاته،
الضعيف الذي تعرفه
أنفاس الفقير ممتلكاته
ومن يسلبها يسد أنفه
يخنقه
لقد عينت لتسمع الشكوى،
ولكي تفصل بالحق بين المتخاصمين
ولكي تطارد اللصوص
لكن أنظر، ما تفعل
أنت ملاذ اللص
المرء يثق بك
لتكن سداً للفقير يحمية من الغرق
لكن ها أنت أكثر من البحر الجارف
" من يبحر مع الكذب لن يصل لليابسة"
المرافعة السادسة
وجاء الفلاح ليشكو للمرة السادسة
قال:
يا رئيس البلاط العظيم،
يا سيدي
من يقضي على الغش يقيم العدالة
وكل من يقيم كل ما هو جميل
يبيد الشر
وبلك يكون
كالشبع للجائع
والرداء للعريان
والسماء الصافية بعد العاصفة الشديدة
جيث الدفء للبردانين
هو النار التي تنضج الطعام
كما هو الماء الذي يطفئ الظمأ
أنظر حولك
المرافعة السابعة
رئيس البلاط العظيم، سيدي
أنت الدفة لكل البلاد
وبأمرها تبحر
أنت صديق تحوت،
الذي يحكم بلا تحيز
سيدي،
أسمح ان لي أن يحدثك رجل في قضيته
لا تكن مستاءا،
فهذا لا يليق بك
تقف تشحذ على باب قصرك
لا يوجد ببابك صامت
لا تحفزة حالة الصمت إلى الكلام،
ولا يوجد نائم إلا وأيقظته ولن ينكسر وجدان حركته حالتك ولن
يغلق الفم الذي فتح ولن يكون جاهل أنت علمته
هؤلاء بعض من ممارسي الشر
هؤلاء الموظفون الذين يمكلكون كل شيء طيب
أنهم ماهرون في النصب
الذين يعيدون تركيب الرأس بعد قطعها
المرافعة الثامنة
يا رئيس البلاط،
يا سيدي
المرء يسقط بسبب الجشع
والطامع لا نجاح له
بلى،
هو ينجح في الجشع
قلبك جشع،
وهذا لا يليق بك
أنت تسرق
وهذا غير مفيد
قل الحقيقة
لن تكون هناك نتيجة دقيقة
لا شر يصل يصل للهدف
والجميع سيواريهم التراب
المرافعة التاسعة
يا مدير البيت العظيم،
يا سيدي
ميزان الناس لسانها
وميزان اليد يختبر الباقي
انزل العقاب على من يستحق العقاب
فيتساوى العدل معك
عندما يرحل الكذب
ستعود الحقيقةمرة أخرى إلى مكانتها
عندما تمر الأكذوبة
تضل الحقيقة طريقها
ولا تستطيع عبور النهر
من يغتني بالغش لا أولاد له
ولا وارثين له على الأرض
أنظر، ها أنا أشكو إليك ولكنك لا تسمع
سأذهب وأشكوك إلى أنوبيس
وهنا يرسل رئيس البلاط العظيم (رنسي بن ميرو) أثنين من خدمه لإعادته وخاف الفلاح فقد اعتقد أنهم جاءوا خلفه من أجل عقابه ثانية على كلمته
هنا قال الفلاح:
أمل العطشى الماء)
ورضعة الرضيع اللبن
وما أود مجيئه لا يأتي
ها هو الموت يأتي بطيئا)
هنا قال رئيس البلاط رنسي بن مرو
لا تخف يا فلاح،
أنظر عليك بالبقاء
..واقسم الفلاح القسم: اقسم أني بيرتك لك إلى الأبد الاكل خبزك والشرب من بيرتك
قال مدير البيت العظيم رنسي بن مرو: أبق هنا حتى تسمع مرافعتك
وأرسل رئيس البلاط العظيم (رنسي بن ميرو) لجلالة الملك رع" وكان ذلك سار لقلب جلالته أكثر من أشياء أخرى في كل البلاد
هنا قال جلالته: قرر بنفسك يا بن ميرو
وعليه أرسل مدير البيت العظيم رنسي بن ميرو اثنين من خدمه لاحضاره (المسئول المغتصب تحوتي نخت )وربما كانت هذه الكلمات سببا فى ان يرق قلب الملك مرة اخرى .. ولننظر معا مدى فصاحة وعلم الفلاح فى نهاية مرافعاته او شكاواه)
إن قلبك جشع ،
و ذلك لا يليق بك
، إنك تسرق، و ذلك لا ينفعك،
إن الموظفين الذين نصبوا لدرء الظلم هم مأوى لمطلقى العنان،
و حتى الموظفين الذين أقيموا لمنع الظلم
أصبحوا أنفسهم ظالمين..
و فى النهاية يقول بكل وضوح..
أقم العدل ، لرب العدل،
أنت يا من تمثل القلم و القرطاس و اللوح،
بل تمثل تحوت –إله القضاء-
لأنك بعيد عن السوء، العدالة
" ماعت" أبدية فهى تنزل مع من يقيمها للقبر،
و إسمه لا يمحى من الارض ، بل يذكر بسبب عدله،
و هكذا تكون الاستقامة هى كلمة الله.
و ينهى الفلاح شكواه بالصراخ فى وجه مدير البيت الكبير:
من يقلع فى سفينة الغش فلن يرسو على الارض،
و لن تربط مراسى سفينته فى الميناء ،
و من لا يكترث لا أمن له
، و لا صديق لمن يصم اذنه عن الحق،
أنظر..
إنى أبث شكواى إليك و لكنك لا تنصت ،
فساذهب و أبث شكوتى منك إلى " آنوبيس" و هو إله الموتى
وهذا هو السبب الذى ذكرناه سلفا والذى يرى بعض المؤرخون انه اقدم على الانتحار او ان الملك اعاد له حاجته بعدما استشرف ان الفلاح يقدم على الانتحار ...
لكن نهايتها اسعد من كل قضايا أحفاد الفراعنة .. فنجد أن مدير البيت العظيم قد أمر بإعادة كل الحمير بحمولتها للفلاح و بتكريمه و بتسجيل شكواه على البردى .. و نلاحظ أيضا أن الفلاحين لم يتضامنوا مع صاحبنا و تركوه وحيدا فى مواجهة الظلم رغم انه كان يحمل محاصيل القرية كلها .. لقد تطور الفلاح المصرى و أدرك ان تجمعه مع الناس شرط اساسى لنجاح اى ثورة على الظلم
سر الملك كثيرا بشكوى الفلاح الفصيح وأمر باعادة كل الحمير الى الفلاح وفى بعض الترجمات التى اوردها المؤرخون ان الملك عين الفلاح وزيرا للبيت الملكى .. وانه كان يأمر الموظفون بضرورة اطعامه وارسل لاهله المؤن والعتاد طوال فترة سجنه حتى لا يكون الملك ظالما كموظفيه ... وهو الحريص على تتبع سيرة هذا الفلاح الفصيح الذى مازالت تدرس شكاواه فى اغلب الجامعات العربية والاوربية حتى الان
وإذا كانت الحكمة هي الخير، والحمق والعنف هو الشر فإن قدماء المصريين هم أول من أرسوا قواعد نظرية تغلب الخير على الشر فى النهاية.
على ما يبدو أن هذه القصة قد لاقت شعبية فائقة فى الدولة المصرية. فقد أحطنا علما بثلاثة مخطوطات تضمنتها. منها اثنان فى لندن، واحده فى برلين.
ويبدو النص المتضمن لذلك النواح والشكوى، بمثابة قطعة أدبية منمقة الأسلوب: بها الكثير من العبارات
القارئ. كما وجدت أيضا، أنه لا مانع من الإرجاع والتصويب، فى البداية، لبضعة أسطر توضح استهلال حكاية الفلاح.
قصة القروي الفصيح
"خنوم أنوب"