القاهرة 10 اكتوبر 2017 الساعة 12:27 م
باستثناء شخصية "محفوظ عجب" التي أبدعها موسي صبري في روايته دموع صاحبة الجلالة? لم تحظ شخصية الصحفي الوصولي الانتهازي بالشهرة والانتشار كما رسمها وتفوق علي نفسه في كتابة أبعادها النفسية كما فعل الروائي العظيم "فتحي غانم" في زينب والعرش من خلال الشخصيتين الأكثر تملقا وانتهازية"عبد الهادي النجار وحسن زيدان"? ويوسف السيوفي في الرجل الذي فقد ظله. ربما كان هناك ملامح ولكنها هامشية لرءوف علوان في
تحفة نجيب محفوظ "اللص والكلاب "ولكنها لم تكن الشخصية الرئيسية التي تدور من حولها الأحداث.
في أحدث إصداراته عن الدار المصرية اللبنانية?"البلاط الأسود"يعيد ناصر عراق سيرة الانتهازيين الوصوليين في بلاط صاحبة الجلالة وكيف أنه فقد من خلالهم بياضه الناصع وحولوه إلي السواد من قبح أفعالهم وانتهازيتهم التي لا حد لها. صالح رشدي الذي باع خاله شقيق أمه وأبلغ عنه مباحث أمن الدولة زورا و بهتانا ? ولفق له جريمة إرهابية أعدم الخال علي إثرها وماتت أمه حزنا وكمدا عليه. وكانت جائزته ــ من أمن الدولة ــ أن عين قبل حتى أن تظهر نتيجته صحفيا في الأهرام وإن كان من المبتدأ ونصب عينيه"تيمور الزناتي" الذي سبقه إلي النوم في مخدع السلطة فكان منافسه وقدوته في آن . .
صالح رشدي صحفي آفاق طموحه بلا سقف? يعرف من أين تؤكل الكتف? خدع زميلته"منال الصياد" الشاعرة الرقيقة حتي وقعت في حبائله وتزوجها في شقة أمها? بل وكان يقترض من حماته لينفق علي مظهره من شراء "بدل" أو سيارة جديدة "السيارة الجديدة تعلن عن مكانة صاحبها ". ولم يكتفي بهذا بل أقام علاقة مع شقيقتها "هدي" وأفتض بكارتها وكان من أسباب تحولها إلي التزمت الديني والوقوع في مصيدة أحد الدعاة الجدد ويتزوجها لتصبح زوجته الرابعة? بعدما أجرت عملية لاستعادة عذريتها.
رصدت الرواية كواليس الصراعات السياسية والصحفية? وسيطرة الأجهزة الأمنية على مسارات العمل داخل المؤسسات الصحفية المصرية? وقصص صعود الفاسدين إلى مناصب عليا بالمؤسسات الصحفية الكبرى? وكيف أن رجال الأعمال أنشأوا الصحف لتكون لسان حال مصالحهم .
علي طريقة مات الملك عاش الملك? كان صالح رشدي يدير عمله? فبعدما وصل لرئيس تحرير جريدة لحظة بلحظة" التي أسسها رجل الأعمال رامي الحلواني? يسعي لوصل ابن الرجل الكبير في إشارة إلي جمال مبارك? فيكيل له المديح له ولأبيه والإصلاحات التي يقوم بها وكيف أن حكمه لم تشهد مثله مصر..ألخ. وهذا لم يكن مجانا فقد حصد صالح رشدي المكاسب في الشهرة والمال والأضواء التي كان يسعى إليها من أول ما بدأ مشواره الصحفي حتى صار ملء السمع والبصر.
ما أن تندلع مظاهرات 25 يناير ويتنحى مبارك? حتي ينقلب صالح عليه وعلي رموز نظامه? وهو ما يكرره مع صعود الإخوان لحكم مصر حتى أنه عاقب كل الجريدة لأنها نسيت تعليق صورة محمد مرسي علي حوائطها? بل وتخرج الصحيفة كل يوم وعلي صدرها مقالته في مديح الرئيس وأياديه البيضاء.
يتكرر الأمر إلي أن تقوم ثورة 30 يونية التي رفض التوقيع في بدايتها علي إستمارة تمرد .
البلاط الأسود رواية رصدت ما يدور في الكواليس الخلفية داخل المؤسسات الصحفية الخاصة? من أول الرضوخ لتعليمات صالح رشدي وسياسته التحريرية المنبطحة للسلطة الحاكمة? كل حسب لونه وميوله? مرورا بمراودة الصحفيات عن أنفسهن? فمنهن من تستجيب ككريمة الزيات سكرتيرة صالح? ومنهن من تأبي وترفض كل مغرياته. وصل الهوس بصالح أن يفرض علي المحررين ارتداء أحذية باللون البني في أيام معينة? وأخري بالأسود في أيام أخري ومن ينسي يتلقى الخصم والإهانة? إلا أن أحدهم يرفض وعندما يسبه بأمه ما كان منه إلا أن ألقي الحذاء في وجهه وخرج بعدما رد له الإهانة وسط هيلمانه وسطوته.