القاهرة 10 اكتوبر 2017 الساعة 10:49 ص
في روايته الأحدث " البلاط الأسود" الصادرة مؤخرا عن الدار المصرية اللبنانبة? يسبر الكاتب الروائي " ناصر عراق" أعماق صاحبة الجلالة وكواليسها? وفي لقاء خاص مع مصر المحروسة? يتحدث ناصر عراق عن الرواية? وتمدد نموذج "محفوظ عجب" الصحفي الانتهازي الذي يمكن
رصده عبر تاريخ الصحافة العربية كلها، وعلاقته بالسلطة، ودور المثقف في المعركة ضد الإرهاب? وغيرها من القضايا
حاورته : نضال ممدوح
* لماذا لا يفنى محفوظ عجب ورأيناه في نسخته الحديثة "صالح رشدي"؟
** لأن الفساد الصحفي هو انعكاس دقيق للفساد السياسي، ومصر، بكل أسف، شهدت فسادا سياسيا ممتدا من قرن إلى آخر، وكلما ازدادت نسبة الفساد السياسي ارتفعت أسهم الفساد الصحفي، وإذا كان محفوظ عجب في رواية موسى صبري (دموع صاحبة الجلالة) يعبر عن الفساد في زمن معين، فإن رؤوف علوان في رواية نجيب محفوظ (اللص والكلاب) كان مثلا للصحفي الفاسد في صورة أخرى. وكذلك يوسف السيوفي في رواية فتحي غانم الجميلة (الرجل الذي فقد ظله) كان رمزا بائسا للصحفي الانتهازي. من هنا يمكن اعتبار صالح رشدي في روايتي (البلاط الأسود) نموذجا مقززا للفساد الصحفي الذي استشرى في زمن مبارك ومازال مستمرا حتى الآن. ولا تنسي أن مبارك بطش بالصحافة المحترمة والصحفيين الجادين، وأغلق الكثير من المجلات والجرائد مثل (مصر الفتاة)، و(الشعب)، لكنه حافظ على الصحف التي تسبح بحمده ورعى الكثير من رؤساء تحريرها، رغم الفساد السياسي الذي ظلل عهده كله.
* لماذا تسعي السلطات الحاكمة إلي إحكام قبضتها على الصحافة؟
** تظل الصحافة أحد أهم الوسائل التي تخشاها السلطات الحاكمة الظالمة لأنها تفضح أخطاءها وتوغلها في حياة الناس إذا لم تتسم هذه السلطات بالحكم الرشيد، ذلك أن الصحافة الحرة صاحبة الرسالة تنقل المعلومة والرأي والتحليل لملايين القراء، من هنا، فإن النظام السياسي الذي لا يحترم شعبه ولا يعمل لصالح الأغلبية سيظل مرعوبا من هذ الصحافة الحرة، وسيسعى دوما إلى إحكام قبضته عليها بالترغيب والترهيب، وأحيانا بالقانون أيضا.
* كيف تري العلاقة بين الصحافة السياسة؟
** هي علاقة بالغة التعقيد، فكل منهما يحتاج الآخر بشدة، إذ إن كلا منهما أقرب إلى بعضهما من حبل الوريد، وكلما كانت الأوضاع السياسية طبيعية ومستقرة ازدهرت الصحافة وتألق محرروها وكتابها، وتوارى الصحفي الفاسد، الأمر الذي يسهم بدور فعال في تنوير المجتمع وإسعاده بالمعرفة، أما إذا كانت الديكتاتورية عنوانا ساطعا للنظام السياسي الحاكم، فستصبح أحوال الصحافة بائسة، وسيهجرها الناس، وسينبثق منها، مثل شيطان أسود، الصحفي الفاسد الذي يخدم الحاكم المستبد فيزيف المعلومات ويضلل القراء ويكيل المديح للسلطان، أي سلطان، مثلما فعل صالح رشدي في "البلاط الأسود".
* لماذا جعلت "منال الصياد" مغيبة كل هذا الوقت ولم تفق إلا في النهاية؟
** المرأة بشكل عام كائن رقيق، تطمح دوما إلى إيجاد الحبيب المخلص الذي يمنحها الأمان والحنان والحب، وبسبب ظروف المجتمعات الشرقية الضاغطة على المرأة لا تكتسب الفتاة الخبرات الكافية بالشباب، وقد تنخدع في بعضهم بسهولة، خاصة إذا كان الشاب مدججا بالمكر والخبث، وهو ما حدث مع بطلة الرواية "منال الصياد"، التي افتتنت بزميلها صالح رشدي وتزوجته باعتباره شابا شريفا ووطنيا وذكيا ووسيما رغم تحذيرات والدتها، ومع مرور الوقت تكشفت الحقائق السوداء لديها، وازدادت خبرتها ونضج جهازها النفسي فتصدت لمكائده وواجهت مشكلتها بحزم وحسم.
* بوصفك مثقفا... ماذا تقترح علي المجلس القومي لمكافحة الإرهاب لينجح في ممارس عمله؟
** بصراحة شديدة، كي ينجح المجلس في عمله، على الدولة أن تتخذ خطوات جادة في مجالات عديدة مثل تطوير مناهج التعليم بما يلائم العصر الحديث، والإنفاق بسخاء على النشاط الثقافي والإبداعي الجاد لا في القاهرة فحسب، وإنما في مجمل مدن مصر وأقاليمها وقراها، تعزيز الحياة الديمقراطية والسماح بحرية الفكر والتعبير، تخصيص قنوات فضائية وأرضية تقدم الآداب والفنون بشكل جميل وجذاب، محاربة الفكر المتششد باسم الدين ومنع أي نشاط لا يتوافق مع الطبيعة المدنية للدولة، وقبل كل شيء تحقيق قدر معقول من العدالة الاجتماعية. بهذه الأمور يمكن للمجلس القومي لمكافحة الإرهاب أن يحقق نجاحات مشهودة.
* إلي أي درجة صار بلاط صاحبة الجلالة أسود؟
** من أسف، ازداد اللون الأسود قتامة وتكثف في بلاط صاحبة الجلالة في الأعوام الأخيرة، ورغم أننا أشعلنا ثورتين وطردنا رئيسين من عرين السلطة، إلا أن أوضاعنا المزرية لم تتحسن بعد، الأمر الذي يسمح للفساد الصحفي بـ(النمو والازدهار)، خاصة مع توغل أجهزة الأمن وتراجع دور منظمات المجتمع المدني، سواء أحزاب أو نقابات، في تنوير الناس وحشد الجماهير وراء برامج سياسية وأفكار تنويرية تخدم الغالبية العظمى من المجتمع. في هذه الأجواء غير السوية "يتألق" الصحفي الفاسد، ويلوث بلاط صاحبة الجلالة باللون الأسود!