القاهرة 10 اكتوبر 2017 الساعة 10:39 ص
عندما تزور المتحف المصري فى العاصمة الألمانية برلين، فأنت، دون شك، فى حضرة جميلة الجميلات والسيدة الأكثر شهرة الملكة نفرتيتى.
وتم تخصيص قاعة واحدة لها فحسب فى ذلك المتحف العريق حتى يعرض القائمون على ذلك المتحف الألمانى التمثال النصفي الشهير للملكة الجميلة حيث يشد الأنظار من كل مكان، ويلفت الانتباه من بعيد، ويأتي إليه كل الزائرين من كل حدب وصوب من شتى بقاع الأرض المعمورة حتى يطوفوا حوله عشقا للجمال، وحبا لتلك الملكة الفاتنة، وإستعادًة لتاريخ فترة زمنية مهمة وحقبة تاريخية ثرية من تاريخ مصر القديمة والشرق الأدنى القديم بل والإنسانية جمعاء قلما أن تكرر حين اجتمعت السياسة مع الفكر والتغيير والثراء، وحين طغت على السطح أفكار دينية وفنية وأدبية وإنسانية لم تكن سائدة من قبل. إنه عصر العمارنة، حين حكم مصر ملك جديد أحدث ثورات على كل الأصعدة التقليدية وقلب الأمور رأسا على عقب فى فترة زمنية قصيرة عادت بعدها الحياة فى مصر القديمة إلى مجراها الطبيعى وسابق عهدها بعد اختفاء ذلك الملك أو إقصائه وإنهاء زمنه وتاريخه إلى غير رجعة من قبل كارهيه ومعارضيه من أنصار الملكية المصرية المستقرة وكهنة المعبودات الأخرى الذين قضى عليهم أخناتون وأزاحهم عنوة من المشهد السياسي فى مصر القديمة. وعلى الرغم من كل ذلك،فإن الآثار التى تركها عصر العمارنة على معاصريه ولاحقيه لم تختفِ كلية من المشهد كما كان يظن هؤلاء الكارهون لتلك الحقبة الأكثر إشكاليا وإثارة فى تاريخ مصر القديمة قاطبة بل امتدت تلك الآثار إلى ما بعد عهد الفرعون الموحد الملك أخناتون لفترة ليست بالقصيرة.
الديانة الآتونية..ديانة الضوء
وتعتبر فترة العمارنة من أهم الفترات التاريخية فى مصر القديمة التى حدثت بها تطورات بل طفرات فى كل مظاهر الحياة بل والعالم الآخر. وكان الدين من بين أهم العناصر المميزة التى قامت عليها دولة الملك أخناتون ودعوته الدينية الجديدة. ولعب الدين دوره الكبير بإمتياز فى فترة العمارنة الفريدة فى التاريخ المصرى القديم كله. وانصب اهتمام الملك الشاب على معبوده الجديد "آتون" الذى جسده الملك فنيا على هيئة قرص شمس تخرج منه أيد بشرية تمسك بعلامة "عنخ" كي تهب الحياة للبشرية جمعاء من خلال الوسيط أو النبي الملك أخناتون وأفراد عائلته المقدسة. وكان الأمير أمنحتب (الملك أمنحتب الرابع بعد ذلك) قد تعلق بديانة الشمس وتحديدا قرص الشمس "آتون" منذ أن كان صغيرا. وتأثر كثيرا بخاله الذى كان كبيرا للرائيين فى معبد الإله رع إلى الشمس فى مدينة الشمس: هليوبوليس (منطقتا عين شمس والمطرية الحاليتان فى شرق محافظة القاهرة). وكان والده الملك أمنحتب الثالث وجده الملك تحتمس الرابع دعما من ديانة آتون من قبل، غير أن أخناتون أخذ الخطوة الأكبر ووصل بديانة آتون إلى قمتها ونهايتها فى الوقت عينه. وعندما صار الأمير أمنحتب ملكا غير اسمه فى العام السادس من حكمه من أمنحتب الرابع إلى "أخناتون" أى "المفيد لآتون" كي يكون على أتم الاتساق مع دعوته الدينية الجديدة ومعبوده الجديد قرص الشمس آتون الذى أراد من خلاله الملك أخناتون أن يحقق العالمية لدعوته؛ نظرا لوجود الشمس فى مصر وكل مكان من بلاد الشرق الأدنى القديم؛ وبذلك يستطيع أن يتعبد إلى ذلك المعبود الكوني البشر فى معظم أرجاء الإمبراطورية المصرية الفسيحة التى شيدها جده الأعلى الفرعون المحارب الملك تحتمس الثالث فى آسيا وأفريقيا. ولقت الدعوة الدينية الجديدة استحسان من قبل زوجته الجميلة والذكية الملكة نفرتيتى التى صارت من أقوى المناصرين للملك أخناتون ودعوته الجديدة وصارت صنوا له وعنصرا مكملا للدعوة الآتونية والديانة الشمس وينق
ص المشهد شىء مهم إن لم تكن الملكة الجميلة موجودة به، إن لم تكن منافسة للملك الموحد.
وفى بداية حكمه، بنى الملك أخناتون معبدا للإله آتون فى الكرنك، المكان المقدس للمعبود آمون رع، مهددا بذلك دولة آمون رع الأزلية المستقرة وكهنته ومتحديا إياهم فى عقر دارهم مما جعلهم يضمرون له الحقد ويكيدون له المكائد حتى ترك مدينتهم طيبة العاصمة العريقة لمصر القديمة فى عصر الدولة الحديثة وارتحل إلى مدينة جديدة لم تدنسها قدم إنسان من قبل. وقامت دعوة أخناتون على جمع كل الآلهة فى إله واحد هو معبوده آتون. ولم يجسد الملك أخناتون إلهه الجديد فى شكل آدمى على الإطلاق. وكانت فكرة العدالة والنظام الكوني جزءا من ديانة أخناتون الجديدة. وكانت فكرة النور والضياء جزءا لا يتجزأ من الدعوة الآتونية فى مقابل الظلام وقوى الفوضى. ولا تنطوي دعوة أخناتون على فكرة التوحيد كما نعرفها حاليا، وإنما كان الهدف من تلك الدعوة بدمج المعبودات فى إله واحد هدفا سياسيا كي يحد من سيطرة المعبود آمون رع وكهنته على الحكم فى تلك الفترة. وحاول أخناتون أن ينجح فى ذلك، لكن الحظ لم يحالفه طويلا؛ نظرا لوقوعه فى عدد من الأخطاء الكارثية الكبيرة، وكذلك إنغلاق دعوته، وقيامها على شخصه وأفراد عائلته فقط، وتسرعه وقصر فترة حكمه، واعتماده على عدد من المنافقين والمنتفعين الذين انقلبوا عليه حين انتهت دعوته وانفضت دولته وخارت قواها.
العائلة الملكية
احتلت العائلة الملكية مكانة متميزة ضمن دولة أخناتون ودعوته وقاموا بوظائف ومهام عديدة من أجل مساندة الفرعون.غير أن الملك أخناتون كان هو القوة الدافعة وراء كل مظاهر التغيير فى عصر العمارنة. وتظهر العائلة الملكية فى عصر العمارنة فى الأعمال الفنية فى مناظر جديدة لم يعرفها الفن المصري القديم من قبل ذلك العصر؛ فنرى العائلة الملكية فى مناظر تبكي وتحزن على وفاة إحدى بناتها أو حفيداتها. وكذلك نرى الملك أخناتون والملكة نفرتيتى فى مشاهد حميمية تحدث بين زوج وزوجته لم نشاهدها من قبل فى مناظر الفن المصري القديم. وفى مناظر أخرى، نرى الملك والملكة مع بناتهما ورجال البلاط وحتى مع حيوانات الصحراء يحيون الشمس المشرقة التى تظهر على حافة الأفق الشرقية. وظهرت الملكة نفرتيتى وبناتها فى تماثيل فنية تعبر عن حسية واضحة تظهر معالم ومفاتن الجسد الأنثوي بشكل فني لم يسبق له مثيل فى الفن المصري القديم على الإطلاق. أو أن نرى الملك والملكة وبعضا من بناتهما يجلسون فى جلسة عائلية جديدة على الفن المصري القديم. كل هذه الأشياء وغيرها الكثير أكدت على عظم دور أخناتون وعائلته فى نشر دعوته الدينية الجديدة.
أخناتون فى تل العمارنة
وتعتبر العمارنة، أو تل العمارنة، واسمها القديم "آخت آتون" ويعني "أفق قرص الشمس"، هى عاصمة مصر فى عهد الملك أخناتون ومركز ديانة الدولة الجديدة التى قدمت فى ذلك العصر. ويوجد مكانها الحالي فى منطقة تل العمارنة فى شرق نهر النيل فى محافظة المنيا فى مصر الوسطى. وكان الملك أخناتون قد ترك عاصمة مصر العريقة طيبة (مدينة الأقصر الحالية فى صعيد مصر) وأنشأ عاصمته الجديدة "آخت آتون" فى بقعة جديدة طاهرة لم يدنسها وجود أى قوم أو عبادة أى إله من قبل كما ذكرنا آنفا.وهجرت المدينة فى بداية عهد الملك توت عنخ آمون بعد حوالي خمس عشرة عاما من تأسيسها. ولم يعرف سبب اختيار الملك أخناتون لهذا الخليج الواسع على الضفة الشرقية لنهر النيل غير أن مظهر الأرض هناك يشبه علامة الأفق الهيروغليفية بشكل كبير وواضح. وحددت حدود مدينة أخناتون بسلسلة من اللوحات كانت محيطة بالمنطقة على ضفتي النهر. وعلى قصر عمر تلك المدينة، فإن أعمال الحفائر الأثرية بها أنتجت عددا من الروائع الفنية لعل من أشهرها تماثيل العائلة الملكية للملك أخناتون والملكة نفرتيتي وبناتهما ويعد التمثال النصفي للملكة نفرتيتي من أبرز تلك الأمثلة الفنية رائعة الجودة. وضمت المدينة عددا من القصور والمبانى الملكية مثل القصر الشمالى والقصر الكبير ونافذة التجليات والمعابد مثل معبد آتون الكبير المعروف بـ"بر-آتون-إم-آخت-آتون" (أى "معبد آتون فى آخت آتون")،والبيوت مثل بيت النحات تحتمس والوزير نخت وغيرهما، والمقابر مثل مقبرة أخناتون التى وجد بها بعض البقايا من التابوت الجرانيتي للملك وصندوق الأواني الكانوبية الخاصة بحفظ أحشاء الملك الداخلية، والمبانى الحكومية والورش ومراسم الفنانين مثل مرسم الفنان تحتمس، وقرية العمال التى تقع إلى الشرق من مركز المدينة. وكانت الحياة فى مدينة تل العمارنة عامرة بالحياة والعديد من الأنشطة من قبل الملك وعائلته وحاشيته وكبار رجال دولته وكثير من الأفراد كما تظهر ذلك الأعمال الفنية القادمة من تلك الفترة القصيرة والثرية فى الوقت ذاته.
رسائل العمارنة عن مصر وجيرانها فى الشرق الأدنى القديم
وكان من بين الاكتشافات الأثرية المهمة فى مدينة تل العمارنة ما يعرف بـ "رسائل العمارنة" التى تعد واحدة من أهم الأرشيفات القديمة التى تعطينا فكرة شاملة ومتميزة عن أحوال مصر فى عصر الدولة الحديثة وجيرانها من إمبراطويات وممالك وإمارات الشرق الأدنى القديم فى عصر البرونز الحديث. وتم اكتشاف تلك الرسائل المهمة فى عام 1887 فى مكتب التسجيلات فى المدينة. وحفظ لنا الأرشيف الملكي الخاص بالملك أخناتون فى تلك المدينة عددا من الرسائل الفريدة من "رسائل العمارنة" (المكتوبة بالخط المسماري لغة المراسلات الدولية فى ذلك العصر). وكانت تلك الرسائل تخص المراسلات الدبلوماسية المتبادلة بين والده الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث والملك أخناتون والملك توت عنخ آمون وحكام الشرق الأدنى القديم المعاصرين لملوك مصر مثل سوريا وفلسطين والعراق وبلاد الأناضول. ومن خلال تلك الرسائل تظهر مكانة مصر المتميزة بين القوى العظمى فى العالم القديم. ويظهر أيضا مدى حسد حكام بابل وميتاني وغيرها لثراء الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث خصوصا امتلاكه كميات كثيرة من الذهب الذى قال عنه أحد حكام الشرق الأدنى القديم إن الذهب فى أرض مصر المباركة كثير مثل التراب، طالبا إرسال كمية منه له. ومن اللافت للنظر ذكر اسم الملكة تى، زوجة الملك أمنحتب الثالث، فى تلك الرسائل وتودد حكام الشرق الأدنى القديم لها وطلب توسطها لدى زوجها الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث ومن بعده ولده الفرعون الملك أخناتون.
الفنون
جسد الفن فى عصر العمارنة فكر الملك أخناتون الدينى وعبر عنه بامتياز؛ إذ كان الفن العنصر الأول الذى من خلاله أظهر الملك وفنانوه رؤيتهم الجديدة لتجسيد تلك المفاهيم الدينية والفنية الجديدة التى أراد الملك إرسالها إلى شعبه. ونجح الفنانون الملكيون فى تل العمارنة فى التعبير عن تلك الآراء الجديدة وأحدثوا نقلة نوعية فى الفن فى تلك الفترة الزمنية القصيرة. وازدهرت فنون الزجاج والمعادن والجلد بشكل كبير. وتميز فن النحت وتم التجديد فيه. وصورت الملابس بشكل لافت للغاية وعبرت تلك الملابس الملكية عن إيمانهم التام بالمعبود آتون والديانة الشمسية فى تلك الفترة. وتم تمثيل العائلة المالكة بشكل غير مسبوق كما ذكرنا من قبل. وجسد الفنانون الملك أخناتون وأفراد عائلته الملكية وكبار رجال دولته بمعالم فنية مبالغ فيها حيث صوروا الوجه مستطيلا والشفاه غليظة والعيون كبيرة والبطن مترهلا والأفخاذ ضخمة بملامح تخلط بين الصفات الذكورية والأنثوية وفقا لمعتقدات الملك الدينية الجديدة، وليس وفقا لما أطلق عليه البعض الواقعية فى الفن. وفى هذه المناظر الفنية الجديدة، كان الملك وأفراد نظامه يعبرون عن رؤية الملك الدينية الجديدة التى اعتبر معبوده آتون فى أناشيده الموجهة إليه أبا وأما لكل البشر ولكل الكائنات. كان الفن الوسيلة المهمة والأولى التى استخدمها أخناتون فى نشر دعوته الدينية الجديدة. وقد نجح الفن فى تحقيق ذلك بتفوق كما أسلفنا القول.
التمثال النصفي للملكة نفرتيتي
ويعتبر تمثال الملكة نفرتيتي النصفي المصنوع من الحجر الجيري الملون بالحجم الطبيعى من أروع الأعمال الفنية فى مصر القديمة، بل يعد هذا العمل الفني ليس له مثيل فى تاريخ الفن على الإطلاق. ويبلغ التمثال حوالى 47سم ارتفاعا. وترتدي الملكة تاجها الأزرق المميز المقطوع من القمة الذى تعلوه حية الكوبرا التى كانت رمزًا من الرموز الحامية للملكية المقدسة فى مصر القديمة. ووجد هذا التمثال مع عدد من القطع الفنية الأخرى فى أتيليه الفنان المعروف تحتمس فى تل العمارنة بواسطة البعثة الألمانية فى عام 1912. وحين جاء تمثال نفرتيتي إلى برلين أحدث حمى كبيرة اجتاحت المدينة منذ عام 1913 ولم تهدأ إلى وقتنا الحالى. ولقى تمثال نفرتيتي فى القرن العشرين اهتماما كبيرا من قبل زوار متحف برلين. وتم الاهتمام بعصر العمارنة فى الأدب الألمانى. وزاره وأعجب به الشاعر الألمانى الشهير راينر ماريا ريلكه. وفى يوم 16 فبراير عام 1914، وبعد أن زارت معرض برلين، كتبت لو أندريه سالومه إلى الشاعر ريلكه تقول له فيه إن كثيرا من تماثيل الملك أخناتون تشبه الشاعر ريلكه. ولم يكن ريلكه فقط الذى كان يشبه الملك أخناتون، بل شبه به كثيرون. ومازالت فترة الملك أخناتون ودعوته تجذبان الكثيرين من جميع أنحاء العالم الذين يزورون مدينته ويتأملون تماثيله فى المتحف المصري فى القاهرة أو فى برلين أو فى متحف فى العالم حيث توجد أية قطعة فنية تعود إلى عصر العمارنة الفريد.
غروب شمس العمارنة
وعلى عكس ما يشاع لم يقم أخناتون بتأسيس دولة دينية على الإطلاق. ومن المعلوم لعلماء المصريات أن الدولة الدينية الوحيدة التى قامت فى مصر القديمة كانت فى عصر الأسرة الحادية والعشرون، عندما استغل كهنة الإله آمون فى مدينة طيبة ضعف السلطة المركزية بعد نهاية الدولة الحديثة، وقفزوا على السلطة، وأسسوا تلك الأسرة التى حكمها كهنة آمون من الجنوب فى حكم ثيوقراطى لم يكن مقبولا من الجميع وسرعان ما انتهى بتأسيس الملك شاشانق الأول للأسرة الثانية والعشرين محققا عظمة الأجداد من ملوك الدولة الحديثة.
ولم تستمر دولة أخناتون طويلا. بسبب كثير من الأخطاء الكارثية الكبرى التى حاول الملك أخناتون القيام بها مثل محاولته الدوؤب تغيير الهوية الحضارية للدولة المصرية المتسامحة والتى تقبل التعدد بامتياز، وكذلك محاولته إقصاء كل ما ومن هو ضده، وأيضا زلزلة ثوابت الدولة المصرية العريقة، وإهمال سياسة مصر الخارجية وممالكها المهمة فى بلاد الشرق الأدنى القديم، والاكتفاء بالدعوة الدينية لمعبوده الجديد والتجديدات الفنية واللغوية والأدبية التى لم تمس عمق المجتمع ولم يتقبلها كلية، فضلا عن التغيير الفوقى الذى أراد فرضه على الجميع فى وقت زمنى قصير،علاوة على عدم الاهتمام بالتراث المصرى الحضارى العريق الممتد فى الشخصية المصرية لآلاف السنين قبل بزوغ دعوته الدينية القائمة على الأحادية ونفى المعبودات الأخرى وكهنتها المتنفذين، وعدم الالتفات إلى طبيعة الثقافة المصرية وكذلك الشخصية المصرية وفهم مكوناتها ومكنوناتها، فكانت نهايته المأوسوية دون رجعة. ونظرا لأنه كان أيضا هو الوسيط الوحيد بين معبوده آتون والشعب، فإنتهت الدولة بإنتهائه، وغابت الدعوة بغيابه. وانقلب المنافقون الذين ذهبوا معه إلى مدينته الجديدة بعد رحيله ولعنوه ولعنوا دعوته وهجروا مدينته وأطلقوا عليه "الملك المهرطق" و"المارق من تل العمارنة". ولم يبق من عصر العمارنة إلا أصداء العمارنة التى ما نزال نراها ماثلة أمامنا كذكرى على حكم لم يعمر سياسيا طويلا غير أنه ترك آثارا تشهد على أهمية الفترة دينيا وفنيا ولغويا وأدبيا. ويكفى أن نلقى نظرة على تمثال الجميلة نفرتيتي كى ندرك روعة الفن وصدق الإيمان بالدعوة من قبل قلة من بعض مؤيدي الملك أخناتون وتوظيف الفن فى خدمة الديانة الآتونية والملك أخناتون وعائلته الملكية ودعوته الدينية وفلسفته فى الحكم ونظرته للدين والحياة. إنه عصر العمارنة الفريد بكل ما له وعليه.