القاهرة 03 اكتوبر 2017 الساعة 02:43 م
ما هي الفلسفة التي قدمها كازو إيشيجورو في روايته " بقايا النهار"؟
كتبت هالة موسى
أسئلة فلسفية يطرحها الكاتب البريطاني من أصل ياباني عن الذات والوجود، الحب والتفاني والإخلاص، خادم عاش في قصر لورد بريطاني،يعمل كرئيس خدم، لم يفعل شيئا في الدنيا سوى أن يتقن عمله، يرى أن التحقق والكرامة والوجود في ألا يرتكب الأخطاء، ألا يجد سادته عليه مأخذا، ولو صغيرا، يرى الكرامةالحقيقية هي ألا يخطئ .
تحكي الرواية قصة حياة ستيفنس رئيس خدم إنجليزي في قصراللورد دارلنجتون نذر نفسه ليكون أداءه في الخدمة كاملا... يذهب ستيفنس في رحلة للقاء مس كنتون التي كانت تعمل معاونة له قبل سنوات بعيدة قبل أن تتزوج و تغادرالقصر، و ذلك بعد أن أتته منها رسالة... و في أثناء رحلته تتداعى أفكاره حول حياته التي عاشها، و من خلالها تشهد دواخل شخص متوحد منغلق، لم يكن في حياته شيء يدورحوله إلا أمر واحد، و هو الكرامة... و ما يعني بالكرامة؟ أن يؤدي عمله بكمال دون أي نقص، أن يصل للعظمة في الخدمة... و لو على حساب نفسه و مشاعره و خياراته وحياته برمتها... معاونته هذه كانت تميل إليه، و حاولت جاهدة لتتقرب منه، و لكنه لم يستجب لها، رغم حبه المكتوم ! و لكن ما معنى الميل أو الحب،فالكرامة تقتضي أن يكون ثابتا في أعتى الظروف، حتى أمام المشاعر و الحب! إلى أن ملت منه و تزوجت من الخاطب الذي تقدم لها، و تركته وحيدا يكمل أداء كرامته!
يستعرض حياته في رحلته، لم يكن من راحة له إلا راحة مخدومه، ليس من فكرة أو رأي إلا رأي مخدومه، سواء في السياسة أو الحياة بشكل عام، ليس من فسحة أو متعة أو شعورأو أي شيء من أي نوع خارج نطاق خدمة مخدومه... حتى نبأ وفاة والده في الطابق الأعلى، قمعه داخله لأجل أن يكمل الخدمة بشكلها الأمثل في الطابق الأسفل، لكن أليس هذا هو واجب رئيس الخدم العظيم، أن يضحي براحته لراحة مخدومه اللورد؟
اللورد الذي مات بعاره و خزيه في البلاد بسبب أخطاء سياسته...
فما معنى هذه الحياة؟ قد تأخر الوقت للتفكير بالأمر أو الندم... ليس على المرء إلاأن يستمر و لا ينظر للخلف حتى لا ينهار، و يكمل ما بقي من اليوم كما بدأه...
صحيح أن الرواية مكتوبة بلغة محايدة، لا توجد بها أحداث تحدث تشويقا للمتلقي ، لكنها إنسانية وجذابة، فشخصية كشخصية المستر ستيفنس بين يديه تحدثه بأعمق أفكارها و تواريهابشكل مفضوح؟ هذا المتحفظ المتوحد الساذج الذي ليس في ذهنه إلا أداء الواجب... حتى المزاح الذي لا يعرف طريقا لشخص كإياه، نراه يفكر في أن يتقن شيئا منه ليرضيمخدومه الجديد بنفس تلك الجدية الطر
و الأسلوب التي كتبت به الرواية متعة خالصة، البساطة المحببة... التبريرات الخرقاءلدحض أي تهمة من المشاعر قد يكون شعر بها تجعلك تضحك في سرك و ترى بوضوح ما يحاول إخفاءه... الرسمية في التعامل حتى في تداعيات أفكاره، فالكل مستر و مسز حتى في أخصخصوصيات أفكاره... تتساءل و أنت تقرأ عن هذه الشخصية الغريبة هل هو مثلنا نحن البشر العاديون، هل لديه حاجاتنا و نقاط ضعفنا و أخطاءنا! لتكتشف أن وراء هذاالمظهر الصلد الكتوم، رجل رقيق و محبب، فقد قبضت عليه المس كونتين ذات مرة يقرأ في رواية عاطفية! و إن كان برر الأمر بأنه اعتاد قراءة الروايات العاطفية، لأجل إتقاناللغة لأنها أكثر وفرة بالمفردات، و لأنها تجعله يشعر بشعور طيب!
أحببت المستر ستيفنس كثيرا، و لطالما كان هذا النوع من الشخصيات هو المحبب لدي والأقرب لقلبي، فهل من متعة أكثر من مشاكسة شخص بليد المشاعر متحفظ و طيب القلب يظنالدنيا كعملية حسابية، و الاستمتاع بإرباكه و إخراجه عن خط سيره و التمتع برؤيتهمندهشا... و اغتظت من المس كونتين لأنها لم تبذل جهدا أكبر لتتواصل معه، لأنهاكانت تنتظر شخصا أخرقا كهذا أن يبادرها و ما كان ليفعل!
لا أدري ما كان الحل... ربما كان يفترض بها أن تبادره هي و تكون أجرأ، تكتب لهرسائل سرية مثلا دون أن تذكر اسمها حتى تنساب لداخله بهدوء، فإن لم يفهم فحق لهاأن تضربه بوكسا على عينه و تجعلها تزرق علّ ذلك يجعله ينتبه، و لكن حتما ليس أنتفعل كما فعلت هي، تنتظر منه أن يبادر و تحترق انتظارا، ثم تختار أول عريس يطرق بابها لتهرب منه...
لكن هل حقا أنها أخطأت باختيارها، فهل من أمل في المستر ستيفنس أن يتحرك يوما؟ وهل يستحق أن تبادر إلى من لم يبادر إليك، وأن تختار من لم يبذل جهدا لاختيارك؟ أمأن هناك استثناءات لهذا المبدأ، فهناك أناس مثل ستيفنس عالقون في قواقعهميحتاجون لمن يشدهم بالقوة؟ و لكن لماذا تبذل جهدا مع من لا يقدره؟ و لكن ألا يستحق المحاولة معه و لو قليلا و إعطاء الأمر فرصة؟