القاهرة 03 اكتوبر 2017 الساعة 09:19 م
د. هويدا صالح
تجديد الخطاب الديني أماستعادة الوعي ؟!
د. هويدا صالح
في الوقت الذي تعاني منه مصرمن الارهاب الذي يغتال أبناءها من العسكريين والمدنيين يجب أن يطرح سؤال عن هذاالفكر المتطرف الذي يؤدي إلى مزيد من الدماء بين أبناء الوطن، يجب أن نتساءل عن الذهنية التي تنطلق من فكرها الرصاصة التي تغتالنا! يجب أن نتساءل هل المنهج الوسطى المعتدل، الذى يميز جوهر الإسلام، ويقوم على الرفق واللين، ويرفض الغلظة والعنف فى التوجيه والتعبير والتوازن والاعتدال والتوسط والتيسير يحصل عليه أبناؤنا، وخاصة من ينتسبون للتعليم الديني في الأزهر الشريف؟ وللإجابة على هذه الأسئلة علينا أن نقرأ واحدا من الكتب الفقهية التي يدرسها طلاب الصف الثاني الثانوي الأزهري وهو كتاب:"الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" الذي يدرس بأجزائه الثلاثة على طلاب المرحلة الثانوية بصفوفها الثلاث. طالما ردد فقهاء وعلماء الإسلام أنه دين أممي صالح لكل زمان ومكان،وربما هذا ما يجعل تدريس كتاب مثل " الإقناع " مبررا بالنسبة لهم، فهم يعتقدون أن كتابا وضع قبل عشرات القرون صالحا للتدريس في عام 2015 . لا يجدون غضاضة أن يدرسوا لطلابهم كتابا مؤلفا وموضوعا بوعي القرون الوسطى في عصر ما بعد الحداثة.والسؤال البدهي الذي يجب أن يطرح قبل الحديث عن الخطاب الذي ينتجه هذا الكتاب هو كيف ندرس لطلابنا كتابا ينتمي للماضي، ولا يقدم شيئا سوى غسل أدمغة الطلاب بالهوس بالماضي، وبالنرجسية الدينية، وبعداء المرأة، وغير المسلم، وعداء العقل والحداثة؟ إن كتابا مثل هذا يقرأ فيه الطلاب حديثا عن "قتل تارك الصلاة عمداً قياساً على المرتد، وقتل تارك الصلاة كسلاً حداً لا كفراً "حتما سيخرج الطالب بعددراسته وهو يكفِّر المجتمع، ويكفر من لا يصلي أو من يختلف معه في طريقة فهمه للدين، حتما سيخرج دارس هذا الكتاب بمفهوم أن هؤلاء يجب أن" يُقتلوا لتركهم الصلاة كسلاً".ويرى أن الدولة لا تفعل شيئا حيالهم، فيرون أن هذه الدولة كافرة يجب محاربتها، ومن ثم لا يستنكر أمثال هؤلاء قتل جنود الجيش المصري والشرطة المصرية، لأنهم فقط جنود الدولة الكافرة التي لا تطبق حد ترك الصلاة على مواطنيها، ومن ثم لا يستنكر هؤلاء تفجيرات في المترو أو في مدرسة يروح ضحيتها عشرات المصريين من شباب وشيوخ وأطفال، لأنهم من دولة لا تطبق الشريعة على تارك الصلاة.هكذا نص"حد القتل على تارك الصلاة "هو المبرر الأول للارهاب الذي يقتلنا كل يوم.
إن هذا الكتاب الذي صنفه مؤلفه إلى أبواب تحت مسميات كتاب " الصوم" " الحج""الوقف"" الرق "وغيرها من الأبواب لا ينتج فكرا عنصريا طائفا متطرفا، لأنه مليئ بالنصوص والأحاديت والقصص التي تقرن بين المرأة والعبد وترى الآخر المخلتف دينيا كافرا، وترى بناء الكنائس كفرا، وتمنع المرأة من أداء عبادات التطوع لأن هذا قد يؤخر إتيان زوجها له، وكأن الرغبة الجنسية وحش قاتل ينهش في الرجل، وتمنع العبد من أداء فرائض دينه لو أثر هذا على خدمته لسيده.إن الرجل/الذكرفي هذا الكتاب يكاد يصبح مقدسا، تكاد النصوص أن تصنع منه إلها كل شئ مسخر لخدمته ابتداء من المرأة انتهاء بالعبيد.
إن الخطاب الذي ينتجه كتاب "الإقناع" متشدد يسحب الماضى على الحاضر، لا ينتج دارسا يدرك الواقع، لأنه مرفوض عنده، دارس يهتم بالظاهر، لذلك تجد أن المنظومة الأخلاقية واهية عند دارسي مثل هذه الكتب التي تنتمي إلى الماضي، والسؤال هل سيأتي اليوم الذي يتم فيه تطهير المناهج الدراسية الأزهريةمن النصوص المعادية للمرأة للواقع ويعترف فيه الطالب المسلم بحق الإنسان الآخرالشريك له في الإنسانية بغض النظر عن هويته الدينية ؟ هل سيتمكن الأزهر يوما من إعادة صياغة الوعي الإسلامي التقليدي؟ وهل نأمل أن يمتلك طلاب الأزهر الفكرالنقدي؛ فكر التساؤل والشك والنسبية والاعتدال؛ أي المحاولة الدائمة للوصول إلى حل وسط بين ما يريده المرء وما يستطيعه، ورفض اليقين الأعمى، واحتكار الحقيقة، واحتقار العقل، والمرأة، وغير المسلم؟!.