القاهرة 03 اكتوبر 2017 الساعة 10:32 ص
حسين منصور
بعد مشوار من الحياة طال أو قصر ، يأتى على الإنسان وقت يتذكر فيه من علّمه ، أو من كرّهَهُ في التعليم ولا ينسى أبدًا عصا الأستاذ "فلان" ، أو ضربة على قفاه من الأستاذ "علان" ، وكذلك يترحم على الأستاذ " زيد " ويلعن الأستاذ " عبيد " ويدعو لمن كان معلمًا حقًا وإنسانًا رحيمًا ، ولن ينسى الضحك على المُدرسة التي كانت تقتسم مع العيال سندوتشاتهم ، أو تأخذ مامعهم من حلوى لابنها الصغير.
ما أتحدث عنه يحدث من الشخص الناجح ومن الشخص الفاشل تعليميًا على حد سواء ، وكذلك يدخلنا إلى موضوع حديثنا اليوم ، ودعوني أوجه إليكم سؤالاً : مانوع الحوار الذي يدور في حجرات المدرسين ، وما القضايا التي لاتفارق ألسنتهم ؟ والإجابة هي :هو المرتب نزل ولا لسه ؟ هي العلاوة السنة دي كام في الميه ؟ الفراخ بقت بكام ؟ هي مادة الرسم لها لازمة في التعليم !! هو مدرس الألعاب له شغلة ؟ الشيخ طنطاوي – رحمه الله – حلل الربا ، حصة الخط تضييع للوقت .وهكذا
إن الأسئلة السابقة تدل على حالتين واضحتين أولاهما : حالة العوز والفقر المادي الذي يجعل المعلم منشغلاً بالمعيشة والأسعار وزيادة المرتبات _ كغيره من الناس _ و الثانية حالة الفقر الثقافي وفقدان الوعي وعدم معرفة أساسيات المهنة ، وبالتالي سينتج عن هذا كله طالب فقير يفتقد لمكونات الشخصية الطبيعية ، فلا يتذوق فنًا ، ولايحترم موهبة ، ولا يدقق عند إصدار رأى فى قضية ، ولايمارس القراءة ؛ تأسيًا بأساتذته.
الحالة الأولى أمرها هين ويمكن إصلاحه ، بزيادة المرتبات ورفع مستوى معيشة المعلم ، ولكن مالايمكن إصلاحه أن يقوم على التعليم من يؤمن بالخرافة ، وينشر الجهل إن من يصدق أن تومارجيا عالج سيدة من سرطان الثدي وأنقذها من عملية بتر أوشك الأطباء – بتوع الكليات على القيام بها_ هذا كلام سمعته من معلم ولقد استحضر هذا الموقف فى ذهنى حلاق الصحة الذى أفقد طه حسين بصره ، وصوره أمامى بحقيبته الجلدية القذرة ، وموسييه الملوث وحُق المرهم الذى يعالج به الجروح ، ورمد العيون ، وألم العظام ، ويذكرني بحلاق القرية الذي كان يزعم أنه عالج فلانًا من مرض في عينه ،وأخرج الدود ، من أذن فلان ، وعالج الغرغرينة في ساق علان _ إنه خطر ولا يمكن تنحيته أبدًا ، و هل تتحكم هذه العقليات والتي تنتشر كثيرًا في قرى مصر ؟ نعم وبكل تأكيد ، فبالترقي يصبح المدرس مدرسًا أول ،فناظر مدرسة فموجها ، وهكذا وهذا المرض أصاب الأزهر ؛ حيث تم إلحاق الحاصلين على الدبلومات الفنية ، والثانوية الأزهرية من غير المتخصصين في التدريس _ وهو المعروف بنظام الضم _كمعلمين فى المرحلة الابتدائية ؛ فأنتشرت معهم السطحية ، والمجاملات ، والغش الجماعي ، الذي أفقد التلاميذ الثقة في قدراتهم ؛ فالمجاملات هي التي أدت إلى ضياع معايير التقييم ، وغياب مقاييس ترتيب الأوائل ، وأدت إلى كفر التلاميذ بفكرة التعلم بل والسخرية منها كذلك ، وتحول المعلم إلى مجرد موظف _ وهى أقصى أمانيه _ كل مايعنيه هو التوقيع في دفتر الحضور والانصراف ، وتسويد دفتر التحضير ، والغضب والثورة في حالة الشطب حال غيابه ، و الشكوى إذا انصرف زميل له بينما هو باق في محل عمله .
والحقيقة أن الكثيرين من هؤلاء يقومون بتدريس الحساب ، وتحفيظ التلاميذ القواعد المجردة للغة العربية ، ولكن الواحد منهم إذا سألته عن إعراب كلمة في جملة ؛ يتلو عليك ألفية ابن مالك ويفعل مافعله المرحوم سعيد صالح في مسرحية " مدرسة المشاغبين " ( أنا هقول الكلام كله وانت تنقى اللى يعجبك ) وإذا أخرجت أمامهم ورقة لتسجل فكرة ما جالت في خاطرك ، ظلوا يسألون ماذا تكتب ؟ وكذلك يسألون عن الشخص الذي ستكتب فيه الشكوى ، وكأن الورق جُعِل للشكاوي والمكائد واصطياد أخطاء الآخرين وتسجيلها عليهم . قد يتعلل البعض بأن ( كل الناس كدا ) وهذا تبرير أقبح من جريمة ، فالمعلم شخص استثناء ، عليه أن يكون مصدر وعي لغيره .
أذكر في أثناء حملتنا الشعبية لبناء قصر للثقافة قمت بزيارة لمدارس تعشمت في العاملين بها الدعم بالتوقيع على الطلب المقدم لرئاسة الوزراء ، وقد كان الكثيرون منهم عند حسن الظن ولهم التحية ، ولكني فوجئت بمن يسأل ( وهو يعني قصر الثقافة ده هيعمل إيه للناس؟!! مانبني بداله موقف عربيات ) إن الشخص الذي لايعرف مهمة قصر للثقافة يضم مكتبة ، ومسرحًا ، وقاعات فنون تشكيلية ، ومعارض خطوط ، وعروض سينمائية ؛ لايعرف مهمة المدرسة التي هو أحد قواعدها ، وهو شخص خطر لايختلف كثيرًا عن أولئك الذين يسلمون عقولهم للمتطرفين الذين لايملكون موقفًا أو رؤية حقيقية للدين أو للحياة .
هل جانبنا الصواب عندما وصفنا بعض المعلمين بأنهم خطر ؟ لا أظن ؛ لأن جهل المعلم ، وعدم وعيه ، سيصيب المجتمع بأكمله ، إن الحِرَفيّ الماهر يقول الناس عنه أنه صبي فلان ، أو معلمه فلان ، وكذلك العامل الفهلوي أوالضعيف .
سألني أحد الزملاء عن الفنان "محمد الدفراوي "هل هو بلدياتي ؟ فقلت ربما لكني لست متأكدًا ، وذكرت أن من بلدياتي مثلا " لبيب شقير" ، "وصبري أبو علم باشا" ، وقلت في معرض حديثي أن "خضرة محمد خضر" أعرف انها بلدياتي ، وأكدت أنها فنانة مهمة لأنها كانت تحفظ تراث هذا الشعب ؛ وبالتالي تحفظ قِيَمَه ؛ فرد أحد الحضور بثقة ( هي يعني عملت إيه للدولة ؟ رقصت ؟ !!!) وأيده آخر ( هو التراث الشعبي مهم في إيه !!!) والمدهش أني أثق أن كلا منهما يحفظ ( طلع البدر علينا ) أرجوكم لا ترددوا قول الله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) وأرجوكم لاتظنوا أني أقدم لكم نتيجة إحصاء ، أو بحث ميداني ولكني أتناول بعضًا من الذين التحقوا سهوًا بمهنة التعليم واكتسبوا صفة معلم بالتقادم وتلك نتائج مشاهدات ، وملاحظات على مدى أعوام من العمل في مهنة التدريس وناتج لاحتكاكات مع أهل المهنة والقائمين على إدارتها من الذين يستحقون لقب معلم عن جدارة .
إننا نأمل أن تكون المدرسة والمعهد مصدر إشعاع ووعي للمحيطين بهما ؛ لا أن يكونا مصدرًا للجهل الذي يصيب المجتمع في مقتل ؛ حيث يكون التلميذ الماهر هو من يحفظ اسم أم سيدنا سليمان _ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام _ويحل الألغاز اللفظية في حين يعتبر تمثال رمسيس صنمًا ، ورمزًا للوثنية والكفر .