القاهرة 28 سبتمبر 2017 الساعة 02:40 ص
رؤية إخراجية نسوية تكشف عن مأساة الشعب السوري في عرض"نساء بلا غد "
د. هويدا صالح
حين وصلت إلى مركز الإبداعبدار الأوبرا المصرية لأشاهد العرض المسرحي"نساء بلا غد" الذي كان من المقرر أن يعرض على مسرح مركز الإبداع ضمن فعاليات مهرجان المسرح التجريبي والمعاصر وجدت عشرات من الشباب يحاولون دخول المسرح، لكن أمن المركز يرفض دخولهم، ويخبرهم أن المسرح ممتلئ ولا يوجد أماكن شاغرة، فوجئت بالأمر ودخلت باعتباري ناقدة فنية ورئيس تحرير مجلة متخصصة في الفنون بصفة عامة والمسرح بصفة خاصة، وبالفعل دخلت وشاهدت العرض وقارنت بين الرؤية الإخراجية للمخرجة الشابة نورنواف غانم والنص المسرحي الذي قرأته العام الماضي وكان تحت عنوان"نساء بلارب"، صحيح إن جواد الأسدي استطاع أن يعبر عن المأساة السورية بلغة شديدة الشعرية والشجن، لكن السينوغرافيا والديكور والرؤية الإخراجية لشابة عاصرت المأساة واحترقت بنارها باعتبارها شابة سورية قدمت إلى مصر من أجل الدراسة في المعهدالعالي للفنون المسرحية التابع لأكاديمية الفنون، عبرت عن هذه المأساة. المخرجةالشابة والواعية بآليات الإخراج المسرحي استطاعت أن تعبر عن المأساة بقدرة مدهشة، وساعدها على ذلك مجموعة فريق العمل من شباب المعهد العالي للفنون المسرحية ، حيث أن هذا العرض من إنتاجه ..
الرؤية الإخراجية لنور نواف غانم حاولت تجسيد المأساة عبر التداخل بين حكايات النساءالثلاث اللاتي تركن خلفهن ميراثا حضاريا وإنسانيا في سورية، وحضرن هنا راغبات في اللجوء إلى ألمانيا. قامت الممثلات المصريات سما إبراهيم و بسمة ماهر ونهال الرملي بدور اللاجئات الثلاث. إذن يتحدث العرض عن ثلاثة لاجئات سوريات في ألمانيا، حيث يتشاركن الحياة وتفاصيل المعيشة فى ملجأ فى ألمانيا ولميحصلن على اللجوء بعد.
كان النص الأصلي للكاتب العراقي جواد الأسدي بعنوان" نساء بلا رب" وكان يقصد أنهن بلا عائل أو رب بالمعنى المتداول كصاحب، لكن المخرجة السورية الشابة نور نواف غانم أبتإلا أن تحول العنوان إلى" نساء بلا غد"، في إشارة دالة على فقد الأمل والمستقبل.
تلعب السينوغرافيا دورا مهما لترجمة رؤية المخرجة الشابة والكاتب العراقي المتمرس جواد الأسدي ، حيث أسهمت الإضاءة التي وضعها أحمد كشك فيكشف دواخل الشخصيات النسائية المأزومة التي أهينت كرامتهن في بلدهن، حيث كانت الإضاءة تُسلط عبر كشافات على النساء الثلاث، لترصد الانفعالات المختلفة التي يتعرضن لها، حين حاولن أن يهربن من مصيرهن المشؤوم ، لكن الضابط في ألمانيا لم يكنأرحم عليهن من المتشددين والارهابيين في بلدهن، ضابط التحقيق الألماني الذي يستخفبمصائبهن.
يدور حوار بين أديل وفاطمة ومريم وبين المحقق المسؤول عن منح اللجوء. في المونولوجات المتتالية، تمكن الأسديمن تكثيف الوجع والفقد والصدمة، الى أن تصرخ فاطمة في المحقق قائلة "لا تتعامل معي كنكرة، صحيح أنني خرجت من بلدي تحت ضغط التهديد، ولكن عليك أن تعرف من أنا، ومن أي تاريخ حضاري أت تذهب النساء الثلاث بشكل متكرر إلى المحقق الألماني الذي يجري تحقيقا معهن من أجل الحصول على اللجوء. تنتقل نور نواف غانم بالمتفرج ما بين مشاهد مكان التحقيق وبين الملجأ الذي يعيشون فيه،فنتلمس التوتر الذي أظهرته المخرجة عبر الإضاءة والموسيقى على النساء الثلاث،اللاتي تعددت ملامح شخصياتهن النفسية واتفقن جميعا على أهمية الهروب، فشخصية مريم المتدينة التي تمثل قطاعا كبيرا من الشعب السوري هربت مما يسمى بـ "جهاد النكاح" الذي تفرضه داعش على النساء تحت ستار الدين وهنا المفارقة واضحة وجلية، فالمتدينة هي التي تتعرض للاغتصاب منقبل الذين يسمون أنفسهم ، ثم تأتي فاطمة الممثلة الشهيرة التي كانت ذائعة الصيت في بلدها، تعرضت للاعتقال والإهانة من قبل الأمن، الأمر الذي جعلها تهرب من بلدها إلى ألمانيا محملة بالمأساة.أما أديل فهي الأكثر رغبة في الحياة،والأكثر رغبة في التفائل تهرب بعد موت طفلتها برصاصة نتيجة النزاع االقائم فيالبلد. فكل نساء سورية يدفعن الثمنبغض النظر عن توجهاتهن الفكرية.
أما الديكور الذي صممه هادي جمال، فقد جاء بسيطا ومعبرا عن مكان التحقيق وخيمة اللجوء، لذا استطاعت المخرجة أن توظف قطع الديكور في بسطاتها لتعبر عما تتعرض له النساء من فقر وخوف.