القاهرة 26 سبتمبر 2017 الساعة 10:45 ص
د. رمضان سيف الدين
لم يتوقف العمل فى مهنة سائق الميكروباص عند العاملين فيها , الذين توارثوها أبا عن جد إنما التحق بها الكثير من الأفراد الذين لا صلة لهم بها من
قريب أو من بعيد اللهم إلا القدرة على قياد ة الميكروباص من هنا فإننا سوف نصنف الفئات الاجتماعية التى التحقت بهذه المهنة من حيث الحالة التعليمية , ويجدر بنا القول إن الفئات التى التحقت بالعمل فى مهنة قيادة الميكروباص كانت من كل أطياف الواقع الاجتماعى , بل ومن كل الفئات العمرية بل والطبقات الاجتماعية من أقصى السلم الاجتماعى إلى أدناه ومن كل الفئات التعليمية التى يمكن حصرها فى المجتمع , حتى يمكننا القول إن سائق الميكروباص هو عالم متجول فى شوارع مصر كلها من أقصاها إلى أقصاها ,
فمن خلال الدراسة العلمية تبين وجود نسبة كبيرة من فئة الأميين , هذه الفئة تزيد على أكثر من 30 % من أعداد السائقين (ليست الأعداد الكلية إنما أعداد العينة التى تناولها البحث بالتحليل )لكنهم يعملون بشهادة محو الأمية التى استحدثتها الدولة من أجل محاولة القضاء على ظاهرة الأمية فى العمل وإن كان كثيرا منهم يعترف لك دائما فى أثناء الحوار قائلا (أنا بصمجى يا بيه ) إذا كيف حصلت على الرخصة ؟ (ما أنت عارف الفولة واللى فيها يا بيه ),,,,,وهذه هى الفئة الغالبة ,
أما الفئة الأخرى الأكثر تواجدا فى هذه المهنة فهى فئة الحاصلين على الابتذائية والاعدادية معا وهؤلاء يعددون أسباب التسرب من التعليم بعيدا عن شخصياتهم فهم لا ذنب لهم إنما الذنب ذنب الظروف الاقتصادية الطاحنة التى أجبرتهم على ترك الدراسة والبحث عن عمل أو أن العيب فى النظام التعليمى الذى جعلهم يكرهون التعليم ,,,, العيب ليس فيهم أبدا فهم براء من كل ذنب وكل الدنيا هى السبب ,,, فاللوم دائما يقع خارج حدود الأنسان وخارج نطاقة , وهو الضحية .
والفئة الثالثة التى تعمل فى هذه المهنة أرباب الدبلومات الفنية دبلوم التجارة أو دبلوم الزراعة أو دبلوم الصناعة بمختلف أقسامها , وهؤلاء توجهوا إلى العمل فى هذه المهنة بحثا عن المكسب السريع وعن المكسب اليومى , أنها مهنة الفهلوة والشطارة والخفة والسرعة والمجدعة والمرجلة والمملكة , يعنى إيه المملكة يا ابنى (يعنى تمتلك ميكروباص فى ظرف سنة يا بيه ) علشان كده أنا دخلت المهنة دى ,,,,,,,
أما الفئة الرابعة فهى فئة العاطلين الحاصلين على مستوى تعليمى عال من أبناء الجامعات المصرية الذين لم يستطيعوا الالتحاق بوظيفة حكومية نظرا لتكدس سوق العمل وبالتالى البطالة الشديدة التى تأكل من أعمار الحاصلين على مؤهلات عليا جامعية وأكثرهم أصحاب الكليات النظرية كالأداب والحقوق والتجارة الذين حولوا تخصصاتهم الجامعية إلى ما يتناسب مع شغل الشارع وهو المتاح أمامه نظرا لقلة خبرايه العملية وندرة علاقاته الاجتماعية التى تتيح له الحصول على فرصة عمل مناسبه مع مؤهلة التعليمى فأصبح الأمى الذى لا يقرأ ولا يكتب زميلا لخريج الجامعة فى مهنة واحدة بل يكاد الأمى يتفوق على المتعلم فى معرفة أسرار وخبايا الشارع الذى يعملون فيه وعلى حد تعبير الأمى (وادى يا سيدى أخرة التعليم والمدارس )
بل أن بعضا من المدرسين الذين سافروا إلى الخارج للعمل وعادوا محملين ببعضا من أموال النفط اشتروا ميكروباصات للعمل عليها ولتدر عليهم دخلا ثابتا شهريا من خلال بعض السائقين , تاركين خلفهم مهنة التدريس والتعليم لم تعد تدر ربحا كما كانت سابقا ,.,,,بل إن بعضا من المثملين والفنانين الذين أصبحت أسماؤهم مشهورة فى بعض المواقف اتجهوا إلى شراء عربات ميكروباص وتأجيرها لبعض السائقين والعمل عليها والعودة فى آخر اليوم
بالايراد
وبعضا من جمعيات العمل الأهلى اشترت هى الأخرى عربات ميكروباص ودعت بعض الشباب للعمل عليها والعودة بالايراد فى آخر النهار للجمعية الخيرية لتنفق بها على مشروعاتها , بل ودخلت كذلك فى الموضوع جمعيات استثمارية للاستثمار فى نفس المشروع , بل إن عائلات بأكملها أصبحت تتوارث العمل فى هذا المشروع وتقوم بعمل الجمعيات النقدية لشراء ميكروباصات تعمل فى هذه المهنة
يمكننا القول إن الشخصية المصرية ليست بالشخصية التى تنظر إلى الأمور بمقياس واحد إنما تتعدد لديها المقاييس
التى على أساسها يتم الاختيار فهى شخصية تساق إلى أقدارها سوقا لا تقوم بصناعة أقدارها بعد .