القاهرة 26 سبتمبر 2017 الساعة 09:59 ص
توهج سريعا و انطفأ سريعا. هكذا كان المخرج القدير "عز الدين ذو الفقار" الذى ظهر كشهاب فى سماء السينما المصرية ، ليقدم للسينما مجموعة من الأفلام الاجتماعية و الرومانسية، تعد من علامات السينما المصرية. و لكن القدر لم يمهله فمات و هو مازال فى ريعان الشباب عن 44 عاما .و عز الدين ذو الفقار من عائلة سينمائية أيضا، فهو شقيق للفنان" صلاح ذو الفقار" الممثل الذى أثرى السينما المصرية بالعديد من الأدوار التراجيدية و الكوميدية التى لا تنسى .و جميعنا يذكر دور" صالح "أو حواش حنكورة " الأشرم " فى فيلم عفريت مراتى،و دورضابط البوليس السورى فى فيلم الرجل الثانى، و هو أيضا شقيق المنتج محمود ذو الفقار. و قد ولد المخرج عز الدين ذو الفقار فى 28 أكتوبر عام 1919،وهو ثالث خمسة أخوة لأسرة عريقة هى اسرة ذو الفقار،و فى البداية لم يكن عز الدين ذو الفقار يفكر فى السينما أو فى الفن، فهو قد تخرج من الكلية الحربية ضابطا ،وظل فى السلك العسكرى حتى حصل على رتبة يوزباشى. و لكن السينما نادته عن طريق صديقه المخرج كمال سليم صاحب الفيلم المشهور " العزيمة " ،الذى قام ببطولته الفنان حسين صدقى و فاطمة رشدى عام 1939،و لم يكن عز الدين ذو الفقار متحمسا فى البداية لفكرة الاشتغال بالسينما ،حتى عمل مساعدا لصديقه المخرج " محمد عبد الجواد " و من أعماله الفيلم الشهير " الستات ما يعرفوش يكدبوا " بطولة شادية و محسن سرحان .
ينطلق عز الدين ذو الفقار فى ذلك العالم الذى كان يهابه ،بسرعة الصاروخ انطلاق الواثق المتمكن .فهو بداية من عام 1947 ، و على مدى خمسة عشر عاما وحتى عام 1962،يقوم باخراج ثلاثة و ثلاثون فيلما ،أى بمعدل فيلمين أو أكثر فى العام،ففى احدى السنوات قام باخراج أربعة أفلام ،و هو معدل يكاد يكون مستحيلا. أن يقوم المخرج بتحقيقه مع أفلام متميزة كأفلام عز الدين ذو الفقار، و التى تعد علامات فى تاريخ السينما المصرية العريقه .و لكن هكذا تكون الموهبة التى اذا تفجرت لا يستطيع أحد ايقافها ،حتى تستزف صاحبها تماما. فعز الدين ذو الفقار يلاقى ربه و هو مازال فى شرخ الشباب عن 44 عاما.
كانت البداية مع فيلم "أسير الظلام " عام 1947 ،و الفيلم من تأليف و اخراج و انتاج عز الدين ذو الفقار .و الفيلم يطرح فكرة كانت جديدة من نوعها فى فترة الأربعينيات، و هى الفتاة التى تدخل حياة رجل كفيف أو ذو عاهة يكره النساء، جزء بسبب حب قديم وجزء بسبب العاهة، فتغير تلك الفتاة فكرته عن النساء بحبها و إخلاصها .و الفيلم بطولة سراج منير و محمود المليجى، و مديحه يسرى، و علويه جميل. و هى نفس الفكرة التى بنى عليها فيما بعد الشموع السوداء بطولة " صالح سليم و نجاة الصغيرة " عدد بعده من الأفلام المصرية منها فيلم عدو المرأة بطولة " رشدى أباظه و ناديه لطفى " .
يعقب " أسير الظلام " فى نفس السنة فيلم " الكل يغنى " بطولة "هاجر حمدى" ، التى قامت بأداء دور البطولة فى فيلم " المعلم بلبل" أمام كمال الشناوى عام 1951 . و شاركتها فيلم أسير الظلام نجاة على، و كاميليا، وفؤاد شفيق و حسن فايق، و اسماعيل ياسين، و مثل فيه أيضا عز الدين نفسه. و الفيلم يدور حول النظرة الدونية التى كان ينظرها المجتمع للفن فى ذلك الوقت، من خلال أختين يضطر العوز كبراهما إلى العمل مغنية. و لكن الأخت الأخرى تنتقد أختها و تخجل من عملها، حتى تتأكد بنفسها من خلال أحداث الفيلم من استقامة أختها. و الفيلم الثالث فى هذه السنة هو " أبو زيد الهلالى " و هو يعرض للسيرة الشعبية أبو زيد الهلالى و الفيلم بطولة "فاتن حمامة و سراج منير " .
فيلم "خلود" عام 1948 . و يدور خلود فى إطار اجتماعى معتمدا على الأساس الذى بنيت عليه روميو و جوليت، و هى فكرة المحبان اللذان يقعان فريسة للكراهية المتوارثة بين عائلتيهما، و لكن مع بعض التغيير فى الأحداث ، و الفيلم بطولة فاتن حمامة وكمال الشناوى .و قد اعيد انتاج نفس الفيلم عام 1974 ،بطولة محمود ياسين و نجلاء فتحى .وفى 1949 يقدم عز للسينما فيلمين هما "صاحبة الملاليم، و إجازة فى جهنم " و ينتمى فيلم "صاحبة الملاليم" إلى أفلام الكوميديا الاجتماعية ،و هو بطولة محمد فوزى و صلاح نظمى و اسماعيل ياسين ،و شادية و كاميليا و ثريا حلمى، و الفيلم يدور حول ثلاث فتيات يحاولن إيقاع ثلاثة من الشبان فى حبهم ، من خلال مجموعة من المواقف الكوميدية . أما "اجازة فى جهنم"فهو فيلم كوميدى يختلط به جزء من الفنتازيا و يدور عن طبيب يحاول دفع مجموعة من النصابين للتوبة ،عن طريق ايهامهم بأنهم ماتوا و يحاسبون فى الأخرة .و الفيلم بطولة سامية جمال،و عباس فارس، و استفان روستى، و محمد كمال المصرى " شرفنطح" ، و نخبة أخرى من نجوم الكوميديا .
"أنا الماضى" سنة 1950 ينتمى لمجموعة أفلام الميلودراما، حيث يدور حول فكرة الانتقام، و يقوم ببطولته فاتن حمامة و عماد حمدى ،و زكى رستم ."سلوا قلبى" 1952 فيلما يواكب فترة الأربعينيات و الخمسينيات، حيث ظهرت الأفلام الاجتماعية العاطفية، التى تدور حول الفوارق الطبقية ،التى تقف حائلا أمام المحبين .و الفيلم بطولة فاتن حمامة ،و يحى شاهين، و عمر الحريرى ،و سناء جميل .و تاتى سنة" 1953" بنشاط مكثف من عز الدين ذو الفقار، فيقوم باخراج 5 أفلام و هو رقم قياسى، لما يمكن أن يقوم به أحد المخرجين. فهو يقدم للسينما " موعد مع الحياة " ، قطار الليل " و " ابن الحارة " ، "وفاء" ، "اقوى من الحب " . "موعد مع الحياة "مع شادية و شكرى سرحان، و عمر الحريرى و حسين رياض. حيث تغنى شادية الأغنية الشهيرة " ألو .ألو . احنا هنا ، و نجحنا أهه فى المدرسة "..و الفيلم أيضا ينتمى لخط تراجيدى رومانسى تميز به عزالدين ذو الفقار .
لا يخرج فيلمى"وفاء" و " ابن الحارة " عن نطاق الأفلام الاجتماعية التى اتقنها عز الدين، و التى لاقت رواجا كبيرا بعد الثورة .و التى تعالج فى مجملها قضية الطبقية من خلال تنويعات درامية مختلفة فى الشكل، و مشتركة فى الهدف و الجوهر ، ألا و هى طريقة تفاعل المجتمع مع الفروق الطبقية بين الأغنياء و الفقراء .و الفيلم بطولة مديحة يسرى و عماد حمدى ، أما" ابن الحارة" فبطولة ليلى فوزى و "جلال حرب"و هو مغنى و ممثل له 7 أعمال سينمائية آخرها فيلم ابن الحارة .يختلف "أقوى من الحب" عن المجموعة السابقة التى تتحدث عن الطبقية، فهو يدور حول العلاقة بين الرجل و المرأة ،عندما تكون المرأة اكثر نجاحا من زوجها، و تأثير ذلك على الأسرة و الأطفال ، و الفيلم بطولة مديحة يسرى و شادية و عماد حمدى . "قطار الليل" فيلم بوليسى بطولة سامية جمال و عماد حمدى و استفان روستى و سراج منير و سليمان نجيب .
"موعد مع السعاده" ،"الشك القاتل" ، "رقصة الوداع " هى ثلاثة أفلام أخرجها عز الدين للسينما عام 1954 و بينما "موعد مع السعادة" يمثل بعدا انسانيا فى القصة، التى تتعرض لعبث الطبقة الغنية بفتيات الطبقة الفقيرة .و الفيلم بطولة فاتن حمامة، و عماد حمدى، و حسين رياض ، عبد الوارث عسر . يتعرض فيلم " الشك القاتل" لقضية اجتماعية خطيرة و هى الشك بين الأزواج،و هو بطولة مريم فخر الدين و عماد حمدى. و يأتى "رقصة الوداع" من ضمن الأفلام التقليدية التى تتحدث عن ابن البيه الذى يغوى الخادمة .و تأتى سنة 1955 بأربعة أفلام أخرى، فيلم "انى راحلة "الشهير بطولة عماد حمدى و مديحة يسرى، و سراج منير ،"أغلى من عينيه"بطولة عمر الحريرى و سميرة أحمد، و يتعرض لقضية إنسانية هى حق المشوهين و ذوى العاهات فى الحب ،من خلال شاب يصاب بتشوه فى وجهه، و هو يحاول انقاذ حبيبته من النيران و تهجره هى بعد ذلك، بسبب تشوهه. و لكن القدر يقيد له فتاة أخرى ضريرة تحبه، و تتمسك به، حتى بعد أن يعود إليها بصرها . " الغائبة " ثانى تعاون لعز مع مريم فخر الدين، و هو فيلم اجتماعى يدور حول مكائد الأهل لزوجة الابن لتحطيم حياتها ."شاطئ الذكريات" بطولة عماد حمدى و شادية ،و شكرى سرحان وهو فيلم اجتماعى يدور فى مجتمع الصيادين ،و القصة تدور حول رجل مثالى " عماد حمدى "، يتزوج بشادية ابنة شيخ الصيادين " عبد الوارث عسر" للتكفير عن خطيئة اخيه " شكرى سرحان " معها .
"عيون سهرانة " 1956 و هو دراما اجتماعية بطولة شادية و صلاح ذو الفقار، و عبد الوارث عسر و فى 1957 و سابقة هى الأولى من نوعها فى تاريخ السينما المصرية والعالمية، أن يتم انتاج فيلم عن حرب بعد 6 شهور فقط من انتهائها، فكان فيلم بورسعيد الذى يدور حول العدوان الثلاثى عام 1956 .و الفيلم بطولة فريد شوقى و شكرى سرحان و ليلى فوزى، و بجانب الاخراج يمثل عز الدين فيه دور جاسوس انجليزى ، ويتلوه "هارب من الحب" بطولة محمود ذو الفقار، و كمال حسين و برلنتى عبد الحميد. وفيلم طريق الأمل بطولة فاتن حمامة و شكرى سرحان، و احمد مظهر. و هى أفلام من نفس النمط الاجتماعى أيضا، و نصل مع عز إلى محطة فارقة و هى عندما يتصدى مخرج الرومانسية لفارس الرومانسية " يوسف السباعى " فى مبارزة حالمة هى الفيلم الشهير جدا " رد قلبى " الذى يتعرض فى تلك المرة للطبقية بصورة مباشرة، و بمهارة جراح، يغلف الثورة فى غلالة حريرية من الحب و العواطف الجياشة .
بعد رد قلبى يأتى "امرأة فى الطريق"ليروى قصة بها ملامح من الأدب الغربى، عن الأب الذى يحب ابن و يكره آخر بطولة رشدى أباظه ، و هدى سلطان ،و شكرى سرحان و زكى رستم .ويأتى "شارع الحب " بطولة حليم وصباح عام 1958 كأول فيلم غنائى لعز الدين ذو الفقار. و فى عودة إلى الرومانسية يخرج عز " بين الأطلال " عام 1959 و هو بطولة فاتن حمامة و عماد حمدى ،و صلاح ذو الفقار .ثم يأتى فى نفس العام " الرجل الثانى " بطولة رشدى أباظة ،و صباح و صلاح ذو الفقار، كاثبات لقدرة عز على تقديم مختلف الألوان بنفس النجاح، فقد قدم مخرج الرومانسية ثانى فيلما بوليسيا له بعد " قطار الليل " و يعتبر من أنجح الأفلام البوليسية فى تاريخ السينما المصرية .و بعد الرجل الثانى يشترك عز الدين مع صلاح أبو سيف و فطين عبد الوهاب فى إخراج فيلم كوكتيل هو البنات و الصيف عام 1960 عن ثلاث قصص لاحسان عبد القدوس .
و فى نفس السنة، يهاجم السينما المصرية بفيلم " نهر الحب " ليرتفع ترمومتر الرومانسية إلى درجة الانفجار، فى الفيلم الذى قامت ببطولته ظاهرة سينمائية لن تتكرر تسمى " فاتن حمامة " مع جان السينما المصرية و العالمية " عمر الشريف " و يقوم الفيلم على عمود ثالث هو زكى رستم،و هو الأخر حالة خاصة فى تاريخ السينما ،سوف نفرد له مقال خاص باذن الله . و فى الحقيقة فان "نهر الحب" فيلم مثير للجدل، فهو من خلال المجتمع الشرقى " يدين" المرأة التى تترك زوجها و تضحى بطفلها من أجل رجل آخر، و فى الوقت نفسه "يتعاطف" مع المرأة التى تعيش مع وحش فى صورة رجل سياسة لا يعرف الرحمة و لا الشفقة، و يعالج مشاكل حياته بنفس الطريق التى يتعامل بها مع خصومه السياسيين و هى فن الممكن ،و الغاية تبرر الوسيلة، لذلك تحيا زوجته معه كامرأة فى جحيم لا ينتهى،فى الوقت الذى تجد فردوسا من الحب فاتحا لها أبوابه على مصراعيها .كيف تفاوم هذا الطوفان و هى بغاية الضعف! كيف لا تتحرك قدماها على الرغم منها تخطو نحوذلك الفردوس، بينما قلبها و احساسها كأمرأة يتلظى فى جحيم زوج سادى مريض!
لذا فالفيلم يضعنا فى حيرة أمام معادلة إنسانية صعبة .
فى 1962 و مع اقتراب الرحيل يأتى " موعد فى البرج " بطولة سعاد حسنى و صلاح ذو الفقار و فؤاد المهندس و الفيلم يروى قصة رومانسية لطيفة، تحتوى على بعد انسانى، فهو يدور حول شاب و فتاة من محترفى النصب، يتقابلان على متن سفينة و يربط الحب بينهما، و يتفقا على اللقاء فى برج الجزيرة، فى موعد محدد بعد عدة سنوات بعد أن يكون كل منهما قد سلك طريقا شريفا ،و لكن أمال " سعاد حسنى " تصاب فى حادثة و تفقد بصرها، فتتخلف عن موعدها مع حبيبها" عادل" صلاح ذو الفقار " لكى لا تتعرض لشفقته، و لكنه يعرف فيتمسك بها و بحبها اكثر من ذى قبل . و الفيلم مأخوذ عن قصة لملدريد كرام و ليوماكراى و هو مخرج امريكى و كاتب سيناريو و الفيلم يتشابه مع الفيلم الأجنبى ، FFAIRES TO REMEMBER" AN " والذى قامت ببطولته الممثلة الأنجليزية " ديبورا كير " و الممثل الأمريكى " كارى جرانت " عام 1957و الذى أخرجه ليو ماكراى . فى النهاية يأتى "الشموع السوداء" بطولة صالح سليم و نجاة الصغيرة و أمينة رزق ، ليكتب كلمة النهاية. فهو الفيلم الذى اختتم به عز إبداعه ، لتحرم منه السينما المصرية بعد عام فى 23 يوليو 1963.و لكن هكذا الشهب تشتعل قليلا ثم تنطفئ ،و هكذا الأزهار تزهر قليلا ثم تموت .و لا نستطيع أن نقول أن عز الدين ذو الفقار عاش حياة قصيرة ، فهو عاش 33 حياة ،هى عدد أفلامه التى وضع عليها بصمته ،و صبغها بإبداعه ،لذا فهو لم يمت، بل مازال حيا فى أفلامه، يدفئ قلوب ملايين المشاهدين بعباراته التى تكرس للحب " إن ارادوا حياة فليفسحوا فى قلوبهم مجرى لنهر من الحب " .