القاهرة 15 سبتمبر 2017 الساعة 08:29 م
جدليةالصراع بين المعرفة الدينية والمعرفة البشرية
د.هويدا صالح
هل يعي الإسلاميون وأصحاب الإسلام السياسي أن التاريخ أزمنة وصيرورات وليس زمنا واحدا توقف عن التغيير؟ هل يعلمون أن أزمة الأمة العربية الإسلامية أنها تعاني من الانحطاط و التخلف في مقابل التمدن و التقدم في الغرب الأوربي الذين يطلقون عليه "الغرب الكافر"؟! هل شكلت الحضارة الغربية صدمة نفسية لأصحاب هذه التيارات حتى أنهم رغبوا بشدة في تحطيمها عبر تحطيم رمز مهم فيها وهو " برجي التجارة العالمية" حتى أنهم أطلقوا على هذا التدمير " غزوة مانهاتن"؟! ألم يعوا أن هذه الحادثة التي سيتوقف التاريخ أمامها طويلا وأعني تفجيرات الحادي عشرمن سبتمبر قد جلبت دمارا وخرابا على بلاد العرب والمسلمين لو تآمر العالم كله لتحقيقه ما أفلحوا ؟
بعد موجات الارهاب وظهور"داعش"وغيرها من التنظيمات التكفيرية المسلحة في أعقاب الثورات العربية صارت موضة الآن أننسمع عن " تجديد الخطاب الديني". مقولات يطلقها الجميع في الميديا على لسان المعتدلين من هذه التيارات، لكن في حقيقة الأمر لو أننا تأملنا قليلا الفكرالذي تستقي منه هذه التيارات مشروعيتها لوجدنا أنه يعيش بيننا ونطلق عليه"معتدلا"بل يدرس في مدارسنا، وخاصة الأزهرية منها، فمن يا ترى سوف يقوم بهذا التجديد للخطاب الديني؟ هل يقوم به شوخ الأزهر أنفسهم ووكيل الأزهر الحالي"عباس شومان" نادى بملئ حنجرته أيام حكم محمد مرسي بأن من حق الحاكم أن يلغي القضاء والدستور ويحكم بشرع الله، ومن لم يعجبه شرع الله فليبحث له عن شرع آخر؟ هل مثلهذا الشيخ وغيره ممن يسمون معتدلين هم المنوط بهم تجديد الخطاب الديني التكفيري الذي أنتج داعش والقاعدة وغيرها من التنظيمات الارهابية؟
إن الوعي بالزمن وبالنسق الثقافي والسياسي الذي نعيش فيه كأمة إسلامية لديها مشكلة حقيقية في الهوية، فهي مشدودة للماضي الراديكالي الصحراوي وفي نفس الوقت تعيش ولو شكليا على الأقل في لحظة حداثية راهنة، هذا الوعي بالزمن ينبغي أن يقود إلى تحولات عميقة في الخطاب الديني، ينبغي أن يؤدي إلى نمط تفكير مشابه للإصلاح الديني اللوثري الذي قام به مارتن لوثر في أوربا في زمن كانت فيه الكنيسة تسيطر على وعي الناس وتدجنهم لصالح السلطة. لكن هذا التجديد الذي يتحدثون عنه سوف يصطدم بالواقع الفعلي المعقد للمجتمع الإسلامي: ارتباك في الهوية أولا التعامل بشكل نفعي خالص مع منتجات الحضارة الغربية التي يعتبرها المسلمون العدو الوحيد لهم، فهم يأخذون ما تنتجه من طفرات في العلم والأجهزة الحديثة والطب والأدوية واكتشاف الأمراض، ويرفضون في ذات الوقت فلسفاتها وأفكارهاعن الديمقراطية والتعددية والتفكير العلمي وحقوق الإنسان؟! إن المعرفة الغربيةالحداثية خطت خطوات جبارة، خصوصا في المعرفة الإنسانية بنتائج تجربة تطبيق مبادئ العلوم التجريبية على حقولها، فهل نحن قادرون على تطبيق تجربة "لوثر"الإصلاحية في بلادنا وهذا حالنا؟
إن العقل الإسلامي الآن يعاني من تصارع التراث مع المعرفة الحداثية،وفي الخلفية النص(الوحي) بوصفه مرجعا، لذا أي تجديد يجب أن يحكمه نظام ناشئ من فهم مكونات هذه العناصر ذاتها، ولا شك أن معالم الخطاب الجديد يجب تستوعب هذه الصراعات وتوجد لها حل سواء على مستوى البنية الفكرية لمن يقوموا بتوصيل هذا الخطاب لطلاب الأزهر من ناحية ، ولعامة المسلمين من ناحية أخرى، كما يجب أن ينشئ الأزهر علما حديثا يراجع كل تاريخ الفقه والعقيدة ، وينقيه من مقولات الطائفية والعنصرية ونفي الآخر،وتكفير المخلتف.
نتمنى أن يعي رجال الدين المسلمين أهمية التحولات الجديدة في الوعي الذي يجب أن تكون فيه المعرفة الدينية متوائمة مع المعارف البشرية، وأن يكون هناك أخذ وعطاء في الجدلية الدائمة بين المعرفة الدينية والمعارف غير الدينية. بل يجب أن نقوم بإنتاج معرفة حداثية في حقول معرفية مثل : التفسير وإعادة قراءة القرآن، بل يجب أن يسعى دعاة التجديد إلى إيجاد علم يعيد قراءة الحديث النبوي، يخلصه مما يتعارض مع روح القرآن ومع الفطرة الإنسانية.بل يجب أن يوضع علم جديد يدرس في الأزهر الشريف ويقومبمراجعة التراث الديني كله، من كتب الحديث وكتب الفقهاء الرسميين المعمول بها.