القاهرة 29 اغسطس 2017 الساعة 11:15 ص
لن نعود إلى تعريف الثقافة من جديد ,فطالما عرفها العلماء أنها ذلك الكل من السلوك...لكننا نضيف إليها , إنها الصورة الذهنية التى أساهم أنا فى وضعها عن نفسى وعن مجتمعى , وعن بيئتى التى جئت منها..فمجموعة السلوكيات التى اشتهرت بها هى التى تصبغ الصورة الذهنية لدى الآخر عنى (فإذا كنت كريما تبدت الصورة الذهنية لدى الآخرعنى الكرم )فأصبح السلوك المنتظر منى اتجاه الآخرين هو ما يعرفونه عنى , أما إذا كانت الصورة الذهنية عنى صورة سلبية فإن السلوك المنتظر منى هو الفعل السلبى وبالتالى يستعد الآخر برد فعل سلبى تجاهى
وإذا ماعرف عن هيئة من الهيئات أو مؤسسسة من المؤسسات أن موظفوها مرتشون وأنهم لا يقومون بعملهم إلا بعد أن يرتشوا ,فقد أصبحت ثقافة الجمهور عن هذه المؤسسسة أنها موصومة بالرشوة ,وإنها معروفة بهذا السلوك المعيب أصبح المتعامل عالما بمداخلها ومخارجها ودروب تخليص المسائل بها وتم إلغاء القانون فى هذه المؤسسة وأصبح قانون المؤسسة هو الرشوة—((القانون السرى لكثير من المؤسسات الحالية ) - (تحت الترابيزة)
لقد أصبح الرجل العادى فى تعاملاته اليومية يتساءل عن من يخلص له أوراقه فى المصلحة الفلانية فهو لا يعرف فيها أحد , إنه يبحث عن من له ثمن , ويبحث عن من يدفع له حتى ينتهى من هم الطوابير والصفوف فهى معطلة ومضيعة للوقت (اللى تعرف ديته اقتله )(كل واحد له ثمن )
هكذا أصبحت معرفة الرجل العادى عن مؤسسات الفساد, صارت ثقافة الرجل العادى عن مؤسسات بعينها أنها مؤسسسات مرتشية , ومن الذى أشاع فى المجتمع هذه الصورة ؟ من الذى وضع فى ذهن الجماهير هذه الصورة الذهنية , من المؤكد أنها التعاملات الحياتية اليومية
وبالتالى حدث نوع من التقديم والتأخير فى الأولويات فمن يملك الثمن يستطيع أن يتقدم حتى لو لم يكن هوصاحب الحق , وليتأخر أصحاب الحقوق طالما أنهم لا يملكون ثمن وضع الحقائق فى نصابها الصحيح , وبالتالى أصبح من يملك يتقدم على من يستحق
إن الفساد فى المجتمع يشيع قلبا للحقائق بل يدفع إلى قلب الحقائق فى مصلحة من يملك القوة المادية , ومن يستطيع النفاذ إلى مطابخ اتخاذ القرار , ومن يستطيع الوصول إلى سدنة البطانة ومن يستطيع احتكار المعلومة واللعب بها على أوتار المنفعة الاقتصادية بالمعلومة التى لم يتعرف عليها غير النافذ إلى مطبخ إعداد القرار
لم يعد الفساد فى المجتمع متوقفا على هذا الصنف أو ذاك بل امتد من الرشوة إلى المحسوبية إلى الشللية إلى قوانين المنفعة التى تعد من أجل أفراد بعينهم ضربا بباقى مصالح الجماهير عرض الحائط , المهم أن تكون المنفعة متبادلة بين أصحاب المصالح , تلك المنفعة أو المصلحة التى لم تكن من الممكن أن تتحقق لو لم يكن صاحبها فى هذا الموقع ,هذه المواقع الوظيفية هى التى ربما بقصد وعن غير قصد أشاعت ثقافة الفساد متعللة بقلة ذات اليد وعدم قدرة المرتب على الوفاء بالمتطلبات الحياتية فاشاع فى المجتمع مصطلحات ثقافة الفساد (المصطلحات التبريرية )(على اد فلوسهم )التى ما أنزل الله بها من سلطان إنما أشاعها راغبوا الفساد ونشروها حتى يتمكنوا من تحصيل فواتير الفساد لأنفسهم دون ملاحقة نفسية ولفظية من المتضررين من فرق الفساد وعصابات الفساد التى تكونت داخل أروقة ودهاليز المكاتب الحكومية وفى غيبة من الشفافية
لم تتشكل ثقافة الفساد فى ذهن من يتعامل مع المؤسسسات والمصالح الحكومية من الجماهير وفقط , بل أنها تطورت فى عقل الفاسدين القائمين عليها , فاصبحت هناك شبكات للفساد , هذه الشبكات هى تطور نوعى للشللية داخل أروقة المكاتب , هذه الشبكات أصبحت تضع فى اعتبارها مصالحها الشخصية فوق مصالح المؤسسة التى ينتمون إليها , وصارت أهدافهم فوق أهداف المؤسسة التى يعملون بها , وبالتالى حادت معظم المؤسسات التى ابتليت بهذا النوع من الموظفين عن أهدافها الطبيعية التى انشأت من أجلها , بل وفقدت كثيرا من جماهيريتها ومصداقيتها أمام الجماهير والرأى العام
كما اتجهت الجماهير بطبيعتها بعد هذا التحول إلى البحث عن الطرق الملتوية لقضاء مصالحها , والابتعاد قدر المستطاع عن ما يخص مصالح الحكومة والانصراف عن التعامل عن مثل هذه النوعية من المؤسسات
وبالتالى تقاعست كثيرا من خطط التنمية عن أهدافها , وتراجعت عن ما وضعت له وأعدت من أجله
إن كل خطوة يخطوها الفساد هى خطوة ملتوية , يستتبعها أفكار ملتوية للخروج من دهاليز الفساد, ولا مخرج من كل هذه الدروب التى صنعها الفاسدون إلا بسيادة القانون وليس هذا وفقط , بل أيضا حراسة سيادة القانون حتى تستطيع أن تستمر .