القاهرة 29 اغسطس 2017 الساعة 10:33 ص
فتحي عبد السميع
لا أَنزِلُ الأرضَ مرتَيْن
مَشَّاءٌ ولا أُجَالِسُ الوصوليين
أَمشِي وأَنَا واقِفٌ
وأَمشِي وأَنَا نائِمٌ
وأَمشِي وأَنَا أَمشِي
كلُّ لحظةٍ مرورٌ وودَاع
كلُّ خطوةٍ رميةٌ نَرْدٍ في شِبْرٍ جديد.
مَشَّاءٌ يَنحنِي كلَّ فترةٍ ويَلتقِطُ شيئًا
كَمَنْ يَجمَعُ الطَّمَاطِمَ
يَحمِلُ مِقطَفا ويُفَتِّشُ في العروش
أَلُمُّ أسماءَ النُّقْصَانِ التي نَضَجتْ
وأَسرِي في الحياة
كَمَا تَسري شيخوخةٌ في طِفلٍ
لا يَكُفُّ أبدا عن مهاجمةِ البناتِ
وهُنَّ يَغسِلْنَ المواعينَ في التّرعة.
يَحكي عن بقرةٍ نائمةٍ في الماء
تَبكي حوْلَها حِزمةٌ مِن الزَرْعٍ.
يَخطفُ طَرْحةً ويَجري
وكُلَّمَا أمسكتْ بِهِ بِنتٌ وضَرَبَته
راحَ يَضحَكُ
حتَّى يُغالِبهُ الدَّمعُ فجأةً ويَبكِي.
أَنَا الولدُ الذي يَمشي إلى أُمِّهِ بَاكيا فَتَضْحَك.
بَيْتِي واسِعٌ
مِثلَ طُرْقةٍ بيْنَ عَرَبَتَيْ قِطارٍ
مُسافِرُ لم يَحجِزْ مِقعدا
ظَهْرِي مَسنودٌ على البابِ المفتوح
أَجتازُ حقولا وبيوتًا ومَحطات.
أَلُمُّ في مقطفي
ظِلا يَستنِدُ على عَتبةِ الجامع
يَخلعُ مَركوبَه ويُصفِّقُ بالفَرْدَتَيْن
يَحمِلُهُمَا تحْتَ إِبِطِهِ ويَخطو
هَكَذَا أَدْخُلُ الليلَ والنَّهار
أَخلعُ قَدَمِي وأُصَفِّقُ بِهِمَا
أَحفَظُ ما يَتساقَطُ مِنْهُمَا في جَرَّةٍ معتَّقَةٍ
وأَدفنُهَا بِلا علامة.
تَجري أعمدةُ التلغراف
بَيْنَمَا أُغَنِّي مع أحبابٍ يَتقرفصونَ على أسلاكِهَا
أَضحكُ مِثلَ فؤوسٍ تَرقُصُ في الأرضِ
وأَبكي مِثلَ حِبَالٍ تَجُرُّ الأبقار.
أَمُرُّ في أَلْفِ ذاكرةٍ كلَّ لحظةٍ
وقوفي مَشيٌ، ومِشْيَتِي وقوف
كثيرًا ما مَشيتُ أيامًا وأسابيعَ
حوْلَ زهرةٍ واحدةٍ
أَلُمُّ أسمَاءَها وهِيَ تَتَجدَّدُ كلَّ يوم
وكُلَّمَا انصرفتُ أَنَّبَنِي ضميري
يَنقُصُنِي تأهيلٌ للسَّيْرِ بكفاءةٍ حوْلَ زهرةٍ
تَنْقُصُنِي أجيالُ تُكمِلُ الشَّهِيقَ الذي بَدَأتُه
مَشَّاءٌ لا يُحِبُّ الوصولَ
لا مِقعَدَ لي في الحياة
وظَهْرِي مَسنودٌ ببابِهَا المفتوح.