القاهرة 15 اغسطس 2017 الساعة 11:24 ص
ترجمة:سناء عبد العزيز
حين تطلب من أحد سكان القاهرة أن يصف لك أكثر الأمور إحباطًا في الحياة في العاصمة، فغالبا ما سيحدثك عن الصخب وفوضى الشوارع وتحول سائقي سيارات الأجرة. كل هذه المنغصات اليومية تعد بمثابة اللبنة الرئيسة في آخر أيام المدينة لمخرجه تامر السعيد؛ قداس مهيب للعاصمة الصاخبة يعكس إلى أي مدى أثرت ثورة 2011 على النسيج الحضري في القاهرة. ويرصد فترة تمتد لعشرة أعوام بدءًا من الفترة التي سبقت الربيع العربي في منطقة وسط المدينة المزدحمة، عبر حكاية مخرج يناضل للقبض على المدينة التي أحبها في فيلم، مرتبكًا بحاجته الملحة في العثور على سكن جديد.
يمزج الفيلم بين مجموعة من المشاهد واللقطات التوثيقية لأشخاص حقيقيين يلعبون أدوارهم، مما يضبب الحدود الفاصلة بين الواقع والخيال. يقول السعيد: "قلت لفريقي إننا نريد تصوير روح المدينة، وليس صورتها - لم أكن أرغب في تقديم سلسلة من البطاقات البريدية للسياح".
ولكن الآن، بسبب الحظر الفعلي للفيلم في جميع أنحاء مصر، فلن يكون بوسع سكان القاهرة مشاهدته، مثل العديد من الأماكن العامة في المدينة في أعقاب الثورة، حين نزل ملايين المصريين إلى الشوارع مطالبين بسقوط الرئيس حسني مبارك، حيث وقع الفيلم ضحية لحملة منظمة من الحكومة الجديدة
لقمع الحريات المدنية.
ونتيجة لأسابيع من الاحتجاج الجماعي في ميدان التحرير والمدن في جميع أنحاء مصر، تنحى مبارك. ولكن بعد عامين مضطربين، تقلد السيسي السلطة بدعم شعبي. وسرعان ما أصبحت القاهرة التي كانت بمثابة القلب النابض للثورة على النقيض؛ دوريات محكمة للامتثال والطاعة. وأصبحت شوارع وسط المدينة التي صورت بهذه المشاعر في فيلم سعيد الآن تحت مراقبة أشد من ذي قبل. حيث يحتاج صناع السينما إلى إذن من وزارة الثقافة المصرية لعرض أعمالهم علنا، كما أن تصويرها في العاصمة بات أيضا ضربا من المستحيل.
ويوضح سعيد "لم نحصل أبدا على تصريح من المراقبين للفحص العام، لا للفيلم ولا لشريط الدعاية ولا للملصق. إننا نحاول الحصول على هذا التصريح منذ أكثر من تسعة أشهر ولكن يبدو أننا لن نحصل عليه أبدا. ومن الواضح أنه وسيلة لحظر الفيلم دون الإعلان عن ذلك صراحة". وأي محاولة لعرض الفيلم علنا قد تؤدي الآن إلى الاعتقال.
وتعتبر القيود الحالية على الحريات الفنية في المدينة بمثابة رد فعل لهذه الرؤية، حيث تضمن العقبات البيروقراطية والأمنية الصارمة التي وضعت لمنع التصوير علنا عدم ظهور شوارع القاهرة إلا فيما ندر. في أحد المشاهد في الأيام الأخيرة من المدينة، يقوم خالد، الذي يلعب دور المخرج والممثل خالد عبد الله، بإخراج كاميرا صغيرة محمولة في مقهى ويبدأ في تصوير أصدقائه - وهو عمل يتعذر اليوم في القاهرة، فوجود كاميرا من أي نوع تقريبا يؤدي على الفور إلى ظهور الأجهزة الأمنية. ويضطر الصحفيون أو المخرجون الراغبون في التصوير في وسط المدينة الآن إلى خوض معركة كافكا للحصول على تصاريح من عدة سلطات مختلفة. وحتى أولئك الذين يحملون التصاريح الصحيحة من الممكن احتجازهم، مثل الصحفيين الثلاثة الذين اعتقلوا في أكتوبر / تشرين الأول لتصويرهم مقابلات الفوكس بوب، واتهموا فيما بعد بـ "التحريض على الإرهاب" و "نشر أخبار كاذبة".
وقال سعيد "اننى اقول دائما ان الفيلم كان بمثابة مهمة مستحيلة "خلال فترة مبارك ولكن هذا لم يمنعنا من المحاولة". "مجرد الحصول على تصريح لتصوير وسط المدينة هو العذاب بعينه - قد يستغرق الأمر أكثر من عام للحصول على تصاريح، وكان علينا تجديده كل أسبوعين. ولكن الآن لا أعتقد أننا سنحاول حتى. فأي محاولة لن تنجح". وهو ما يعد تحولًا حادًا للمدينة، التي كانت منذ فترة طويلة بمثابة خلفية لبعض الأفلام الأكثر جماهيرية في مصر، وجزءًا من تقليد غني يعود إلى أوائل القرن العشرين.
وقال سعيد: "ظل هذا الشيء يلاحقني طيلة عمري: حقي في أن أحمل كاميرا في مدينتي". "سافرت العالم ورأيت مخرجين آخرين يتعاملون مع مدنهم من خلال كاميراتهم، وأنا لم يسمح لي بذلك. القاهرة مدينة جذابة جدا، وأردت دائما أن أتدرب على كيفية تصويرها". وقد تلقى الفيلم إشادة دولية، ووصفه فاريتي بأنه "فيلم متلاطم، ذو طبقات متعددة، لدرجة الافراط الحسي للعاصمة [الذي سينال] أفضل تقدير من قبل أولئك الذين يعرفون المدينة".
وبينما يسافر سعيد العالم للترويج لفلمه، لا تزال القاهرة محرومة من فرصة التفكير في العديد من التغيرات التي هزت وشكلت شوارعها منذ عام 2011.