القاهرة 12 اغسطس 2017 الساعة 12:13 ص
مراسلات دوستويفسكي في سان بطرسبرج ـ ترجمها لطفي السيد
1- إلى أ. ? ستارتش?سكي
لقد عملت خمس ساعات على البروفات التي أُرسلت لك، بلا توقف. كان ينبغي أن تعاد كتابة المقال الخاص باليسوعيين كليا . تكمن الصعوبة في وجوب تنقيحه وليس تغييرهكليا؛ علاوة على ذلك يجب الانتباه لفوائد الطباعة، وليس محو كل شيء بل تنقيحه،فضلا عن إنه غير مُحكَم، قد أبقى في بعض الأحيان ربع الساعة أعمل على سطرين. البروفتان الأخريان سأحضرهما بنفسي. أعمل دون تراخٍ. لا يزال باقيا منها كلها عشر مسودات, وحتىأنقح ثلاثا منها، يلزمني اثنتا عشرة ساعة يوميًّا.
ف. دوستويفسكي
2- إلى نفس الشخص
سان- بطرسبرج
السيد ألبير ?يكنت?يتش
لم أخبر بأي شيء عن موفدك الذي كنت أنتظره بنفسي بفارغ الصبر. أرسل لك أوراقك غير مصححة. أنا مريض. الدم يفور برأسي، وبناء على أمر الطبيب يجب أن أتوقف عن العمل. وعندما أتمكن من المعاودة سوف أُرد لك، بالعمل، ما أنا مدين به لك وإنلم يكن هناك عمل لي، سوف أرد ما دفعته لي مقدمًا في الحال بعد نشر القاموس.
سأبقى المخلص جدًا لك.
ف. دوستوي?سكي
أ. م. م. دوستوي?سكي
22 ديسمبر1849 قلعة بيير وبولس
أخي، صديقي العزيز
حسم كل شيء، حُكم علي أربع سنوات بالأشغال الشاقة في قلعة محصنة ( مدينة أورينبورغ، على ما يبدو لي ) بعد ذلك سوف ألتحق بالجيش كجندي. اليوم قادونا إلىساحة سيميون?سكي، هناك، قرأواعلينا، جميعا، حكم الإعدام؛ جعلونا نقبل الصليب؛ وكسرت فوق رؤوسنا سيوفٌ؛ مضينا في اغتسالنا الأخير(بقمصان بيضاء) وبعد ذلك، ثلاثتنا، أوصلونا أمام الخازوق لتنفيذ الحكم، وبما أني كنت السادس وكانوا يستدعوننا ثلاثة تلو ثلاثة،وجدت نفسي في المجموعة الثانية، ولم يكن متبقيا على حياتي سوى دقيقة، ليس أكثر. فكرتفيك يا أخي، في كل الأصدقاء؛ لكن في اللحظة الأخيرة كنت أنت وحدك في تفكيري وهنا فقط أدركت كم أحبك، أخي العزيز. تمكنت أيضًا من احتضان بليتشيّ? ودورو?، اللذين كانا بجواري وقلت لهما وداعا. أخيرا، دوى الطبل، وأحضروا نحونا هؤلاء الذين كانوا مربوطينبالخوازيق، وقرأوا علينا أن جلالته منحنا نعمة الحياة. وبعد ذلك، تلوا الصيغة الفعلية للحكم. تم العفو عن بالم وإعادته هو فقط إلى الجيش بنفس رتبته.
قيل لي في الحال، يا أخي العزيز، أننا سننطلق اليوم أو غدا. طلبت رؤيتك، لكنه كان مستحيلا؛ فقط أستطيع كتابة هذا الخطاب لك، الذي أتوسل فيه أليك أن ترد علي بأسرع ما يمكن. خشيت ألا تعلم بأي طريقة كانت أننا كنا قد حكمنا بالموت. عبرنافذة السيارة، عندما قادونا إلى ساحة سيميون?سكي، رأيت حشدا عظيما، ربما تكون وصلتك الرسالة الجديدة وعانيت من أجلي. الآن فلتهون على نفسك. يا أخي أنا لست حزينا ولا بائسا. الحياة موجودة في كل مكان الحياة؛ الحياة موجودة بداخلنا، ليس خارجنا. بالقرب مني سيوجد مخلوقات بشرية وإن تكن إنسانًا وسط هذه المخلوقات وتبقى دائما كذلك، فقد يحدث بعض سوء الحظ، فلا تتدنَّ، ولا تحبط، هذه هي الحياة، وهذاهدفها، علمت ذلك. اخترقت هذه الفكرة لحمي ودمي. نعم، هذا حقيقي.
هذا الرأس الذي كان يبدع، يعيش الحياة الفنية الرفيعة، الذي يعرف الاحتياجات السامية للروح وكان قد اعتادها، هذا الرأس كان قد انفصل عن كتفي، وتبقى ذكريات،صور، ابتكرتها بنفسي، وليست متجسدة. إنها بالفعل جعلتني أعاني؛ لكنها بداخلي بقيتالقلب- وأيضًا اللحم والدم – الذي يستطيع أيضا أن يحب، يعاني، يشتاق، يتذكر،بالفعل تلك هي الحياة. أن نرى الشمس!
حسنا! إلى اللقاء يا أخي، لا تحزن من أجلي. الآن بعض المسائل المادية:الكتب (الكتاب المقدس عندي)، بعض الصفحات من مخطوطتي (مسودة من الدراما والرواية) والقصة القصيرة انتهت تماما( "حكاية طفل") كانوا قد أخذوها مني،وربما ،يسلموهالك. سأترك لك أيضا ردائي وملابسي القديمة، لو أرسلت لهم في طلبها. الآن، يا أخي، سوف أكون على الأرجح، مجبرا على السير في طريق طويلة بمراحلها، وأنا بحاجة للنقود. أخي العزيز،عندما تتسلم هذا الخطاب، وإذا كان هناك إمكانية لأي مبلغ، فلترسله لي في الحال. بالنسبة لي الآن النقود ضرورية أكثر من الهواء (من خلال هذا الظرف الخاص). أرسللي أيضا بعض السطور عنك. وبعد ذلك، لوكنت تتلقى نقودا من موسكو، فلتهتم بي،لا تتخلَّعني. حسنا، هذا كل شيئ. هناك بعض الديون،ماذا يسعنا أن نعمل؟ فلتقبل زوجتك وأولادك. واذكرني عندهم. فلتحرص على عدم نسيان هملي، فقد نتقابل مع ذلك ذات يوم؟ أخي ، فلتهتم بنفسك وعائلتك ؛ لتحيا بتواضع وفطنة؛ فلتفكر في مستقبل أولادك. لا تجيش أبدا مجددا بداخلي كالآن، هذه القوة الفياضة والصحيحةعن الحياة الروحية. لكن سيتحمل ذلك الجسد، لا أعرف. أرحل مريضا، داء العقدة الخنازيرية، ولكن. . . قد لا يكون خطيرًا. يا أخي. كم عانيت من قبل في الحياة لدرجة أن القليل من الأشياء، الآن، يروعني. مهما كلف الأمر. في أول فرصة سوف أبلغكبأخباري. فلتنقل إلى عائلة مائيكوف تحية الوداع؛ قل لهم إني أشكرهم جميعا لتعاطفهم مع مصيري، فلتخبر عني،أوچ يني بيترو?نا،بعض الكلمات الحارة قدر الإمكان- ما يمليه عليك قلبك. أتمنى لها السعادة وسوف تذكرني لها دائما باحترام وامتنان. فلتصافحأبولون مائيكو? ، نيكولا أبولونو?يتش، والجميع. إن قابلت إيانو?سكي، صافحه وأشكره. وأخيرا فلتشكر لي كل هؤلاء الذين لم ينسوني، ابتعثني في ذاكرتهم. فلتقبل أخانا نيكولا، ولتكتب خطابا لأخينا أندريه ولتحدثه عني. ولتكتب أيضا إلى العم والعمة، أرجوك بشكل خاص، ولتحيهما من أجلي؛ ولتكتب لأخواتنا: أتمنى لهن السعادة.
وقد نلتقي يا أخي مرة أخرى. فلتهتم بنفسك. من أجل محبة الرب، لتعش حتينتقابل مجددا. قد يجتمع شملنا ذات يوم ونتذكر طفولتنا، الزمن البعيد، العمرالذهبي، فترة الصبا وآمالها، التي في هذه اللحظة أقتلعها من قلبي وأدفنها. قد لا أستعيد القلم؟! ربما خلال الأربع سنوات سيكون لدي الإمكانية. سأطلعك على كل ما سأكتبه، والحال أني، إذا ما كتبت. يا إلهي! كم من صور أبتدعها تنطفئ في رأسي، تهلك،أو كالسم تمتزج بدمي! نعم، لو أني لم أستطع الكتابة، سأهلك. من الأفضل السجن خمسة عشرعاما، إلا أن القلم يكون في يدي!
فلتكتب لي في كثير الأحيان، مع كثير من التفاصيل؛ فلتوافني بكل الأخبار،حتي أدق التفاصيل عن حياة العائلة؛ لا تنسى ذلك. ذلك سيمنحني الأمل سيسمح لي بالحياة. لو كنت تعرف كيف أن خطاباتك هنا في المعتقل، تسري عني! في هذين الشهرينونصف الأخيرين، عندما كانت المراسلة ممنوعة، كانت أيام موجعة جدًّا لقلبي. كنت مريضًا. الحقيقة أنك، في هذا الوقت، لم تكن قد أرسلت لي نقودًا، مما جعلني أعاني من أجلك: حينئذ عرفت أنك أيضًا كنت في بؤس شديد. فلتقبل مرة أخرى أطفالك؛ وجوههم الفاتنةلم تخرج من رأسي. أه! أيا ليتهم يكونون سعداء! لتكن سعيدًا، أنت أيضا، يا أخي لتكن سعيدا!
ولا تحزن من أجلي، باسم محبة الرب، لا تكدر نفسك. فلتعرف أني لست حزينا؛تذكر أن الأمل لم يتخل عني مطلقا. في خلال أربع سنوات سيكون مصيري لطيفا، سأصبح جنديا؛ لن أعود محكوما عليه بالأشغال الشاقة؛ وأيضا، أضع نصب عيني أني أستطيع ذاتيوم أن أحتضنك. اليوم ، إذن، لمدة ثلاثة أرباع ساعة، كدت أموت، عشت مع هذه الفكرة،إنها لحظاتي الأخيرة، والآن، لا زلت حيا! لو أن البعض يحتفظ عني بذكري سيئة، لوكنت قد حاولت خصامهم، قل لهم أن ينسوا، إن واتتك الفرصة لتحكي لهم. ليس هناك بغضاء ولا غضب في نفسي. كم كنت أود في هذه اللحظة حنو، أو تقبيل بعض المعارف. إنها فرحة؛جربتها اليوم وأنا أقول وداعًا لرفقائي الأعزاء، قبل التنفيذ. فكرت في هذه اللحظة أن خبر موتي كان سيقتلك؛ لكن الآن، فلتهدئ من روعك: لا زلت حيًّا وسوف أعيش في المستقبل بفكرة أنني سأحتضنك ذات يوم. الآن لم يعد غير ذلك في رأسي. ماذا ستفعل؟ فيما فكرت اليوم؟ أتعرف شيئًا ما عن مصيرنا؟ كم يكون الجو باردا اليوم. أه! يا ليت يصلك خطابي عما قريب! وإلا سوف أكون لمدة ثلاثة شهور بلا أخبار منك. نظرت للأظرف التي في هذه الأشهر الأخيرة، كنت قد أرسلت فيها النقود؛ كان العنوان بيدي ، وأنا كنت سعيد جدا بمعرفة جهتكم. عندما أغوص ثانية في الماضي، وأتذكر كم من الوقت ضاع، من الأخطاء، من النقائص، من البطالة، من الجهل، عندما أفكر كم من المرات أذنبت في حق قلبي وعقلي، عندما أفكر في كل ذلك، يُدمى قلبي. الحياة هبة، الحياة سعادة؛ كل لحظة قد تكون قرنًا من السعادة. ليت الصبا كان يعلم! الآن، في نقطة التحول هذه من حياتي، أخذت شكلا جديدا. يا أخي أقسم لك أني لن أفقد الأمل وسوف أحتفظ بنقاء روحي وقلبي؛ سوف أُبعث للأفضل. هذا كل أملي، كل عزائي.
الحياة في المعتقلات قد قتلت بما يكفي بداخلي الاحتياجات الجسدية غير النقية تماما. الحرمان الآن لم يعد يمثل لي أي شيئ. لذلك لا تخشي أن يقتلني الفقرالمادي. لا، ذلك ليس شيئا. أه !ليتني صحيحا!إ|لى اللقاء، إلى اللقاء يا أخي!أعانقك بقوة. فلتفكر فيمن دون ألم يعتصر قلبك. لا تكدر نفسك من أجلي، أرجوك. في خطابي المقبل سوف أصف لك حياتي. فلتتذكر جيدًا ما قلته لك: أدر حياتك جيدا. لا تبذر فيها كثيرا. فلتعتنِ بمستقبلك، ولتفكر في أطفالك. أه! متى أراك ثانية؟ الوداع. الآن أقتلع مني كل من كان غاليا. أن أترك كل هذا شاق جدا علي. كم يكون مؤلما أن تنشطرلاثنين، ليتمزق قلبك لاثنين. لكني سأراك. أنا متأكد من ذلك، أتمنى. لا تتغير. أحبني.لا تسمح لذاكرتك بالفتور، والتفكير في مودتك سيكون أفضل جزء في حياتي. مرة أخرى الوداع. الوداع جميعًا.