القاهرة 08 اغسطس 2017 الساعة 11:39 ص
بقلم :أمل جمال
حينما يؤلمني الواقع ,و يجهدني أعمد إلي الانفصال قليلا وأهرب إلى الوراء إلى الماض كأنني أمسك بآخر أثر للجمال لرائحة بلادي أعيد المشاهد و لا أملها كعجوز تهذي من الصدمات . طفلة تربت في عائلة ميسورة تعنى بالتعليم لدرجة أن جدة أبيها و أمها أنشأت مدرسة لحفيداتها عماتي و خلاتي وأمي و بنات القرية. طفلة نشأت في بيت يتعامل بشكل طبيعي مع مفردات الكوافير و الترزي و السينما و تورتة أعياد الميلاد و مجلات الموضة و صور كثيرة في براويز على الحوائط في بدلاتها و طرابيشها طفلة عجنت بالذكريات عن مغامرات (ركس و فلة ) كلاب جد أبي يوسف بك الزيات ، عن سيارتيه اللتين كان يرسل الغفير ليأتي لهما بالبنزين من المنصورة على حماره بالطبع عرفت الحكايات لأنني لعبت فيهما و أنا طفلة و هما مكهنتين بالجراج و بهما أسطوانات لجرامافون قديم.ناهيك عن أسماء كثيرة لنساء و رجال كانوا يساعدون في أعمال المنزل و الأراضي الزراعية و حيواناتها كنا نناديهم خاله و عم .
.كانوا أشبه بامتدادات للعائلة دونما نسب أو عصب.كان طبيعيا أن أذهب إلى حديقتنا مع أبي أدخل غابتي الصغيرة و أختفي فيها تحت أشجار الجوافة على الحشائش التي تغطي أرضها، أستلقي مع كتبي ووسادتي لا أرى سوى شذرات زرقاء للسماء و بقعا صغيرة لامعه للشمس التي تتخلل سقفا من الأوراق من في الشتاء أراقب قوس قزح في ساحات ساشعة من الخضرة و أرقت طيورا ملونة على أشجارالصفصاف التي أكمن تحتها بلا حراك. جاءت فترة النفط و انقلب الحال اختفت الأيدي العاملة و تغيرت المباني من الطين للخرسانة و بارت الأراضي و زادت المدارس و الزواج .
كنت ألاحظ أيضا كيف اختفت الجلابية الفلاحي للرجال و الجلابيات الملونة المزركشة للفلاحات و حلت محلها الجلابيب البيض والشبشب الجلدي و العباءات السوداء وشرائط الشيخ كشك في كل مكان و ظهر الحجاب للمتعلمات حثيثا ثم اشتد مع غياب الرجال الطويل عن بيتهم في أرض النفط و أيضا ربطه بسوق الزواج كحافز أخلاقي مطمئن و دامغ للفضيلة.و تزامن أيضا مع دورات كرة القدم لشباب الاخوان المسلمين لأطفال القرية بعد الفجرو التي تبدأ بدعوات دينية و ربما أناشيد ثم باقي البرنامج. هكذا بدأت المناوشات في القرية و خطابات التهديد و السب تحت عقب الباب . ثم الصدامات بالجامعة بالسلاسل و الجنازير و الأمن . و استمر الأمر وسافرت.
كنت مثارا للنظرات حينما أعود من القاهرة بدون زوجي أو معه حين يعود من أمريكا و نزور القرية. كانت أمي ترد عليهم بما يلجمهم : جوزها عاوز كدة . فيخرسون.هكذا تغلغل تأثير الهجرة فأكل الأرواح الفقيرة و سار كالماء تحت التبن على حد قول أمي . هكذا تقاعست الدولة عن الاعتناء بهويتها في ظل رغد المال . و حدث بعد سنوات أنني كنت أستعد للسفر إلى لندن كنت في المنصورة أشترى ملابس لابني كنت مشغولة تماما بانتقاء القطني أو من بواقي ما يصدر لأمريكا .
ذهبت لأدفع ثمنها و مضيت أنهيت مشاويرا متعاقبة و عدت مجهدة و في الصباح أخرجت الملابس فسقط منها شريطان. واحد عن الحجاب و الأخر عن عذاب القبر لا أتذكر وقتها كيف استشطت غضبا و كنت اريد أن أعود لأتشاجر معه لكن وقتي كان ضغاط. وقتها تذكرت أنني دفعت بشكل آلي لم انتبه إلى لحيته البرتقالية المحناة التي تصل إلى بطنه ولا إلى صوت الشيخ يعقوب انتبهت فقط إلى اسم المحل و فخامته كان اسمه أجيال.
هكذا سافرت إلى دراستي القصيرة في لندن لم يزعجني التعامل فقد حكى لي جدي عن مدرسيه الانجليز. لم يزعجني غلق الشوارع لأن بلاطات الشارع خلع بعضها و عليهم أن يصلحوها ببلاطات عليها نفس تأثير الزمن و الاستخدام. لم يزعجني تواريخ القلاع و الحصون منذالقرن التالث عشر و ما قبلها حفاظهم عليها حتى اليوم بنفس رونقها بتاريخا حتى الغربان المحبوسة في الأقفاص و الحرة التي قصوا ريشها قليلا في قلعة و برج لندن الغربان التي تمثل أسطورة بسقوط لندن إن خلى البرج منها و ماتت حتى الخرافة يحافظون عليها منذ قرون سحيقة.
كانت انفجارات بالي قد حدثت في اندونيسيا و كنت أرى صداها في محطات المترو و الشوارع كان صداها مدويا و كنت أسمع كلمات سيئة عن المسلمين و الانفجارات . الإسلاموفوبيا التي طفحت فجأة لا أقول بعنصرية و لكن بانسحاب من العلاقات و الابتعاد المبرمج. وقتها ذهبنا في رحلة إلى جريتش صعدت التل مع زملائي و استاذتي و كل ما بي من ذكريات يتناحر. يفور ولا يهدأ وقفت على خط الزمن و تأملت اسم بلادي و فارق التوقيت ساعتين .نسبق لندن بساعيتن. تأملت المعنى بعمق .بكيت وأنا أنظر حولي الناس تمرح و ترمي الكرات لكلابها والأطفال تجلس مع عائلاتها وسط لوحة خضراء لا يقطعها سوى الممشى الطيني الذي حرمته الأحذية من الخضرة و يصل إلى السفح نبهتني كف الدكتورة على كتفي ومنديل يبدها الأخرى و قالت لي : ابنك الصغير لا شك. فقلت لها وبلدي كلها يا ويندي.