القاهرة 08 اغسطس 2017 الساعة 11:39 ص
ثلاثة مقاطف
طاف بعدة عربات يد في سوق الخضر، لعله يجد ثماراً ليس عالقاً بها حبيبات طينية، ليس لأنه يساهم في تطبيب الميزان، ولكن لأنها تضايقه عند غسيلها، وكأنها ملتصقة في الثمرة بغراء .
وحين كاد يقفل راجعاً، رأى عربة عليها ثلاثة مقاطف ممتلئة بحبيبات طينية. ومرشوق في جانب كل منها عصا رفيعة، معلق في آخرها بطاقة. مكتوب على الأولى : بطاطس وتحتها ثمنها، والثانية بطاطا وتحتها ثمنها، والثالثة جزر أصفر وتحته ثمنه .
- أريد كيلو جراماً من كل مقطف .
نفض البائع كيساً بلاستيكياً أسود في الهواء ، عدة مرات، فانفك التصاق جانبيه، ووضع فيه الحبيبات، وتناول كيساً ثانياً، وثالثاً وعبأهما ووزنها جميعاً .
لم يناقش المشترى في السعر، لأنه أغلى من سعر الثمار العالق بها الحبيبات. فالغالي ثمنه فيه، ويكفى أنه سيوفر عليه تعب الغسيل .
سنجة عشرة
كان عائداً من مشوار مهم وهو على سنجة عشرة. ارتاد السوق ليشترى خضرة بالمرة. سمع الباعة ينادون الثلاث بجنيه، وأمامهم مشنات مليئة بحزم الجرجير والفجل والمقدونس. كانت الحزمة من قبل بنصف جنيه، لكنه الشتاء حيث تكثر الخضرة. وفكر أن يشترى كيلو جرامين من الجبن القريش، فلا شك أن سعره قد انخفض مع انخفاض سعر اللبن، فالبهائم تتغذى على علف أخضر، يكثر في هذه الآونة أيضاً، وأحسبهم لن يكفوا عن إضافة دقيق الذرة إلى اللبن .
وقف أمام بائعة، ليس عندها زبائن. التقط ثلاث حزم مختلفة، وناولها جنيهاً.
- الواحدة بنصف جنيه.
لم يجد فائدة من القول، أن من تجاورها تبيع ثلاثاً، سترد عليه أن يشترى منها.
مشى إلى بيته، وغير ملابسه ، وعاد ليتسوق .
رابطة جرجير
مر بفلاحة أمامها مشنة خضروات على الأرض. التقط رابطة جرجير، وأعطاها جنيها. نامت عليه.
قال بغيظ :
- الرابطة في كل الدنيا بنصف جنيه.
تصعبت الفلاحة وقالت :
- الدولار غلا .
قاروصة سجائر
قال لصديقه، معي مكافأة نهاية الخدمة وأود أن أعمل مشروعاً، أشغل فيه وقتي.
نطق في توثب :
- السجائر
امتعض وقال :
- لا مرارة عندى لبيع علبة لهذا وأخرى لذاك .
- ستبيع بالجملة.
ضحك وقال :
- ومن الذى سيشترى قاروصة كاملة .
- الإقبال عليها كبير، يحملها زائرو السجون لذويهم، حيث لا يسمح للسجين بحمل النقود، وهي العملة هناك .
رشوة السجان ليفتح باب الزنزانة مدة طويلة، أو يحضر له كوباً من الشاى، أو يهرب له كتاباً أو مجلة .
- ومن أين لي بمحل عند السجن .
- أنت مُغيب عما حولك. نصف البلد هناك، والأهالى يذهبون للزيارة من كل حى .
تنازل
انتقيت بعض البسكوت. سادة وبالكريم وبالعجوة. نقدت العجوز ورقة بعشرين جنيهاً. مدت يدها في سيالة جلبابها الأسود تبحث عن فكة. لم تجد بغيتها. تحركت بجسدها القصير المائل إلى البدانة، على مهل، إلى علبة كرتونية في ركن من الكشك. لفتت نظرى أغطية رثة، على ما يشبه كنبة، وبقجة على الأرض، تطل منها ذؤابات هلاهيل. نحيت من فكرى أنها تنام هنا في هذا الجو البارد .
أخذت منها ما وجدته من فكة، وتنازلت عما بقى لي. نظرت لي بعين نصف مغلقة وأخرى عليها ظل سحابة، وقد انزاح منديل أسود عن مقدمة شعر رمادي أطل على جبهة بلون الجوافة . وقالت :
- خذ بسكوتاً بالباقي .
ألهمتني قريحتى بالقول :
- أليس عندك أولاد صغار .. ؟
- أومأت بالإيجاب.
- منى لهم .
ارتفع أحد حاجبيها بشعره الخفيف، وخيل إلىَّ أن نظراتها لانت بعض الشيء، بالرغم من أديم عينيها الذى ركد فيه ضيق فاتر .
التلاقي
جلست على مقهى في أسوان، أنا القادم من دمنهور في مهمة. أومأت لماسح أحذية. جلس أمامى على كرسيه الصغير وانتظر. أشرت إلى رباط حذائي. أشاح بوجهه غاضباً. أشرت ثانية فازداد غضبه. حاولت استرضاءه بمد لىَّ الشيشة إليه. أزاحه ووجهه شطر وجهة أخرى .
فككت رباط الحذاء، لأعطيه لماسح آخر، أخذ أحذية بعض الرواد، لتلميعها في جوار باب المقهى من الخارج. عندئذ تناول الحذاء، وأمسك فرشته، دون أن يفك تقطيب وجهه. عزمت بالليَّ فأخذه، وقد خفت حدة غضبه، سألته أن يشرب فنجان قهوة، فلم يرد. وعندما أحضره العامل تناوله .
وتلاقت عيوننا في نظرة فاحصة، بين واحد من أقصى الشمال وآخر من أقصى الجنوب .
مطلوب
انبعثت من تليفونه المحمول آية قرآنية، استمع إليها كاملة قبل أن يرد :
- في يدي شغله أنهيها وأكون عندك .
غير القناة التليفزيونية إلى أخرى، أعجبه ما جادت به من منوعات غنائية وراقصة.
صدحت الآية ثانية، لمح الرقم نفسه، أخذ يتنقل بين القنوات .
انتصف النهار، وانصرف عن المشاهدة. مدد رجليه في ملل. ترددت الآية. ضغط الزر الأخضر. قال الطالب :
- اليوم مباراة كروية مهمة ، وقناة الرياضة هاربة .
- سأنهى ما في يدي وأكون عندك .
سار على غير هدى، وقف أمام بائع جرائد. التقط جريدة. وسأم من مد يده بالثمن، للبائع المنكب على كشف أمامه. ألقى بالنقود على الجرائد المرصوصة
ترددت الآية. أخرج التليفون من جيبه ساخطاً. لمح رقماً آخر فرد عليه :
- في يدي شغلة، أنهيها وأكون عندك .
وذهب ليضبط قنوات الطالب الأول .