القاهرة 02 اغسطس 2017 الساعة 05:10 ص
لماذا لم يدقوا جدار الخزان ؟! لماذا انتفضوا من أجل القدس ؟!
د. هويدا صالح
منذ قرأت رواية رجال تحت الشمس لغسان كنفاني قبل عقدين من الزمان وأنا أسأل نفسي هذا السؤال لماذا لم يدقوا جدران الخزان، لربما سمعهم أحدهم وأخرجهم قبل أن يموتوا مخنوقين من الحر والعطش. تحكي الرواية قصة ثلاثة من الفلسطينين حاولوا الوصول إلى الكويت داخل خزان مياه عبر الحدود من البصرة للكويت. حاول الثلاثة من أجيال مختلفة الكهل أبو قيس والشاب أسعد والصبي مروان. حاول الثلاثة أن يهربوا إلى الكويت سعيا وراء الرزق ولقمة العيش. لم يستطيعوا أن يدفعوا للمهرب العراقي الذي كان يهرب الناس للكويت، فاتفقوا مع سائق فلسطيني يُسمّى أبو الخيزران يقود خزان مياه عبر الحدود يتفق معهم على إيصالهم إلى الكويت على أن يختفوا داخل الخزان، حتى يعبر الحدود. كان من المفترض ألا يبقوا في الخزان أكثر من دقائق معدودة حتى لا يختنقوا في حر أغسطس داخل خزان مغلق، لكنه يـتأخر عليهم، فيضعفوا رويدا رويدا، حتى يموتوا، وحين يكتشف السائق موتهم، يقول: كان عليهم أن يدقوا جدار الخزان !!
استدعيت هذه القصة وأنا أشاهد الشعب الفلسطيني يقف في صمود وشموخ أمام آلة القتل الإسرائيلية حين منعتهم من دخول بيت المقدس، ساعتها هبّ الشعب الفسطيني هبة رجل واحد، لا فرق بين مسلم أو مسيحي، الجميع انتفض ليدق جدران الخزان، لم يستسلموا لجدران الخزان التي يمكن أن تخنقهم، فسارعوا جميعا ليتحدوا ويدقوا بقوة على جدران الخزان، ساعتها رضخت آلة القتل الصهيونية وسحبت كل الإجراءات التي وضعتها أمامهم، لتمنعهم من دخول المسجد الأقصى
في رواية غسان كنفاني كان المهرب الذي قضى عليهم فلسطيني مثلهم، فلماذا اختاره المؤلف من بني جلدتهم؟ لماذا لم يكن عراقيا، أو أي جنسية عربية أخرى. هل ثمة رمزية في ذلك؟ هل يقصد أن تناحر السلطات الفلسطينية التي تقف على رأس السلطة ما بين حمساوية وفتحوية هو ما يمكن أن يؤدي لقلتهم؟ هل يقصد أن هذا التناحر هو ما خنق القضية الفلسطينية ووضع مصير الشعب الفلسطيني بين سندان الصهاينة ومطرقة الخلاف الفلسطيني الفلسطيني ؟ هل يمكن أن نقرأ كُفْرَ بعض فئات من الشعوب العربية بالقضية الفلسطينية بسبب هذا التناحر؟ بسبب أن حماس انحازت للهوية الدينية على حساب الهوية الوطنية الفلسطينية؟
لقد تركت الرواية بسؤالها الوجودي أثرا لا يُمحى في الوعي الجمعي الفلسطيني، وصارت مضربا للمثل: لماذا لم يدقوا جدران الخزان.
رغم فرح العرب بتوحد الشعب الفلسطيني بعيدا عن صراعات قياداته، إلا أن اختزال قضية شعب واغتصاب أرض، وضياع حقوق مواطنة إلا أن ذلك ترك غصة في الروح سببها اختزال القضية في الحفاظ على المسجد الأقصى. نجحت إسرائيل بتواطؤ حماس والتيارات الدينية في تديين القضية واختزالها. إن حق طفل فلسطيني في الحياة أولى وأجدر وأكرم من المسجد الأقصى ذاته، ألم يقل الرسول الكريم أن دم المسلم أشد حرمة على الله من هدم الكعبة المشرفة؟ لماذا لا يتحد الفلسطينيون من أجل دماء الصغار، الشباب والشابات العجائز، النساء، الأرض والعرض، تضييع كرامة وإنسانية شعب يهدر يوميا على الحواجز وقسوة ولا إنسانية جنود الصهاينة وهم يهينون الصغار والكبار؟!.
إن الأجيال الثلاثة ماتوا في نيران حر أغسطس في خزان مغلق، الشيخ والشاب والطفل، فهل نترك الأجيال الفلسطينية تدفع ثمن أبو الخزيران الذي فقد رجولته وفحولته في حرب وقدرته الجنسية في حرب 1948، فهل في هذا إشارة إلى فقدان القيادات مقدرتهم على قيادة القضية أمام مغتصب للأرض والعرض؟
إن دق الشعب الفلسطيني لجدران الخزان أسمع العالم كله عدالة القضية وأجبر القتلة على التراجع، إن التوحد الفلسطيني هو دق جدران الخزان، فليتهم لا يتفرقوا حتى ينقذوا الأرض والعرض.