القاهرة 01 اغسطس 2017 الساعة 09:58 ص
من مساوئ النجومية أن المشهورين يستقطبون الاهتمام والأضواء كلها، فيما ينزوي الآخرون في الظل. فحين نتحدث عن أدب بلد ما، ومنه الأدب البرازيلي، فكثيرا ما نربطه بأهم نجومه، وكأن البرازيل لم تنجب سواهم، فالأدب البرازيلي يكاد يختزله الناس في اسم واحد، وهو باولو كويليو. ولا شك أن البرازيل هذا البلد العريق الحضارة، المتعدد الإثنيات، الحافل التاريخ، قد أنجب أدباء كبارا آخرين. فمن هم؟ وما هي أهم محطات هذا الأدب.
يشهد تاريخ البرازيل عن احتضان هذا البلد احتضن العديد من الأعراق والإثنيات، بدءا من الهنود الحمر السكان الأصليين للبرازيل،ثم انضم لهم البرتغاليون ثم الأفارقة والجنسيات أخرى.فالهنود هم الذين شيدوا حضارتهم التي ضمنوها ثقافتهم، كانت لهم ثقافة ومعتقدات دينية تنظم حياتهم اليومية وفق نسق جماعي محكم. ظلوا على ذلك الحال قرونا، إلى أن تعرضت القارة الأمريكية للغزو الأوروبي الذي جعل هذه البلدان والشعوب غنائم تقاسمتها الدول الأوروبية، فكانت البرازيل من نصيب التاج البرتغالي، وكان ذلك عام 1500 إثر وصول المستكشف البرتغالي بيدرو ألفارش كابرال إليها.
هذا المستكشف الذي نقل إلى هنود البرازيل ثقافة متمدنة بالمنظور الأوروبي، لتحل محل الثقافة الهندية الأصلية، ثقافة قوامها اللغة البرتغالية والعقيدة المسيحية، بهما سيتم القضاء على مظاهر الأصالة البرازيلية، وعبر هذه الثقافة سيحكم البرتغال سيطرتهم على شعوب المنطقة وثرواتها. هذه الهجمة الاستعمارية البرتغالية، واجهها السكان الأصليون بالرفض، وتصدوا للغزو الثقافي، وتمسكوا بثقافتهم ومكونات هويتهم الحضارية، وصانوها وتناقلوها عبر الأجيال.
أوائل النصوص الأدبية المكتوبة باللغة البرتغالية على أرض البرازيل كانت عبارة عن رسائل، ومنها رسالة الرحالة البرتغالي الشهير بيرو فاشدي كامينيا إلى الملك دون مانويل، وصف فيها الكاتب أرض البرازيل وما تنعم به من خيرات وثروات طبيعية،وتحدث بيرو عن الهنود الحمر وعاداتهم وتقاليدهم واللغة التي يتحدثون بها، ووسيلة تدريسهم،فكانت أول وسيلة للتواصل معهم هي لغة الإشارات، ولاننس أن من بين أهم الأساتذة البرتغاليين الذين درسوا الهنود الحمر هو الأب المبشر أنطونيو فييرا، الذي عرف بكتابته الفلسفية العميقة والحكيمة.
توالت هجرات البرتغاليين إلى البرازيل، ولتعمير هذه الأرض الجديدة واستغلال خيراتها، جلب البرتغاليون العبيد من القارة الإفريقية، من البلدان الواقعة بين أنغولا والموزمبيق وتم إدماجهم في العالم الجديد(البرازيل .(
في القرنين السابع عشر والثامن عشر، أرسل مستوطنو الأرض الجديدة أبناءهم إلى البرتغال لمواصلة تعليمهم، فكان لهذا الجيل الجديد من المثقفين البرازيليين فضل نقل التيارات الثقافية الفنية البرتغالية الجديدة كفن الباروكوbarroco ، الذي اهتم بتيمات جديدة غير مألوفة مثل العبودية، المدينة،وكان ذلك عاملا مساعدا على بروز شعراء كبار كالشاعرين البرازيليين بينتو تيشيرا و كلوديو مانويل دا كوشطا، دون أن ننسى الدور الكبير الذي قام كريكور دي ماتوش.
ومصداقا للمثل العربي الشهير (رب ضارة نافعة) فقد كان في هروب الملك البرتغالي جواو السادس JOAO SEXTO من بطش القائد الفرنسي نابليون بونابرت فائدة كبيرة على بلد البرازيل، فمجيئه إلى البرازيل أسهمفي الدفع بعجلة الثقافة، بجلبه للعديد من الكتب الثمينة التي استفاد منها البرازيليون، وقام أيضا بإنشاء مدرسة للفنون الجميلة.
أما سنة 1822 فقد تميزت بأهم حدث تاريخي عاشته البرازيل، وهو استقلالها عن التاج البرتغالي بدون إراقة قطرة واحدة من الدماء. فأنشأت لنفسها صورة بارزة وهوية متميزة.
البدايات الجنينية للأدب البرازيلي ستبرز بظهور التيار الرومانسي الذي تعاقبت عليه ثلاث أجيال.
جيل الأول يمتد من الثلاثينيات إلى الأربعينيات، وفيه سيسطع نجم الشاعر البرازيلي الكبير غونسالفش دياش
تتميز قصائد هذا الشاعربالتشبث بالهوية، وبالتغني بالوطن والافتخار به والنضال من أجل تحريره، ويستعمل غونسالفش شخصيات هندية مثل شخصية "جوكا بيراما" لإعطاء صورة إيجابية للشخصية البرازيلية،وبذلكيعد من أهم رواد المدرسة الرومانسية في الأدب البرازيلي.
أما الجيل الثاني للتيار الرومانسي فهو جيل الخمسينيات حيث سطع نجم الفارش فاغوندش فاليرا، وهو شاعر كبير، عبر عن تيمات بارزة طبعت أشعاره، مثل تيمة الجمال؛ فاليرا كان يمثل مرحلة مهمة بين الجيلين الأول والثاني، وهو حلقة وسيطة استطاع صاحبها أن يوفق في ازدهار الرومانسية بالبرازيل.
في حين يعد جيل الستينيات هو الجيل الثالث لهذا التيار، الذي تميز بمعالجته لتيمات اجتماعية وسياسية. أهم أدبائه الشاعر كاشرو ألفيش صاحب مؤلف" العبيد" ، دافع ألفيش عن المرأة والطبيعة والعبيد وطالب بتحريرهم، فقد وصف في قصيدة له بعنوان "سفينة الرقيق" أحوال العبيد الذين جاؤوا مرغمين ومقيدين بسلاسل، ودموع الأسى تطبع محياهم. إنها العبودية التي فرضها المستعمر البرتغالي الذي كان يرى الآخرين (السود والهنود) دون مستوى الإنسانية، مجرد كائنات للاستغلال.
لا يمكننا أن نغفل عن أحد أهم الرواد البرازيليين الكبار وهو الكاتب الكبير ماشادو دي أسيس، وهو الحلقة الأبرز في الأدب البرازيلي، تقلد منصب أول رئيس أكاديمية برازيلية للأدب، فهو يعد من بين أهم الكتاب ليس فقط بالبرازيل بل في التاريخ العالمي. ولا يزال صدى أعماله يرن إلى يومنا هذا، ونصوصه شاهدة على منزلته. من بين أهم مصنفاته كتاب "هيلينا" الصادر عام 1876.
أما بالنسبة للقرن العشرين فقد ظهر تيار الحداثة، تمظهر بشكل بارز في فن المسرح، خاصة المسرح البلدي لمدينة ساو باولو. في حين تجسد تيار الحداثة في الأدب البرازيلي، في أعمال أوسوالد دي أندرادي و ماري ودي اندرادي صاحب أهم مؤلف وهو "ماكو نييمة".
نشير إلى أن أهم كاتبة برازيلية محبوبة من لدن البرازيليين هي كلاريس ليشبتور، ومن بين أهم أعمالها الروائية " قريب من القلب المتوحش" صدرت عام 1942 .يتميز أسلوب ليشبتور بالرمزية فهي غالبا ما توظف الحيوانات في أعمالها، لأنها في نظرها مهمة، وتدافع أيضا عن قضايا المرأة إلى جانبها برز أيضا كارولوش دروموند دي أندرادي، الذي يعتبر من أبرز الحلقات الشعرية الحداثية في البرازيل، تأثر كثيرا بالشاعر البرتغالي لويش فاش دي كامويش، اشتهر كارلوش بقصيدته "آلة العالم".
أما على مستوى الشعر، فهناك شاعران كبيران أسهاما في تطور القصيدة البرازيلية الحديثة وهما: مانويل بانديرا وماريو غوينتنا.فبانديرا أحب الحياة وارتبط بالموسيقى ارتباطا حميميا، وخاصة آلة القيتارة التي عشقها حتى النخاع. يقرأ على أنغامها أشعاره التي يتغنى فيها بالحرية، كالقصيدة "الطائر" التي يتحدث فيها عن الطائر الذي مات كمدا من شدة الألم الذي ألم به، إنها الحرية التي أرادها الطائر ولم يجدها، فلم ينل الحياة كما تمناها، يقول الشاعر:
"ولد الطائر حرا
قطعت أجنحته
أعطاه ساشا، عشا
فيه ماء وأكل، ومده بالحنان
وبعد الاهتمام به، سرعان ما
أصبح العش سجنا
ليموت الطائر كمدا".
هناك شاعر من العيار الثقيل اسمه ماريو غوينتنا، من أهم الأصوات الشعرية في البرازيل، اتخذ الفندق مقرا دائما لإقامته، كان يسكنه حتى وفاته، وكان يشبه الحياة بالفندق الذي سنغادره يوما ما، طال الزمان أم قصر.
يمكننا أن نثمن الأدب البرازيلي المعاصر أيضا بأسماء لامعة مثل: برنارد كارفاليو، ميلتون حتوم، رضوان نصار.
وأخير نقف عند أحد الكتاب المعروفين في العالم، والأكثر ترجمة إلى اللغة العربية، وهو باولو كويليو، صاحب روايات: الزانية، الخميائي، بريدا.
يظهر لنا من خلال ما سبق بأن الأدب البرازيلي، هو أدب غني، ولا يمكننا أن نختصره في اسم واحد، بل هناك أسماء وزانة ذكرناها، وأخرى لم يسع المجال للحديث عنها. فهناك شباب واعد حمل مشعل الأدب ولم يخيبه أبدا وبفضله أصبح الأدب البرازيلي مؤثرا في العالم كله، وخير شاهد عليه هذه المحطات البارزة التي أشرنا إليها.