القاهرة 25 يوليو 2017 الساعة 05:37 م
حج الروح..سيرةحياة السفيرة عزيزة
د. هويدا صالح
حينما تجد امرأة جميلة ومتأنقة تصفها بجملة لا تحتاج كثير من التفسير، لأنها صارت مضربا للمثل: دي زي السفيرة عزيزة، أو عاملة نفسها السفيرة عزيزة، فمن هي تلك المرأة التي أثرت في الوعي الشعبي المصري، لدرجة أن يضرب بها المثل بهذا الشكل؟ وما الذي قدمته للمجتمع جعله يصنع لها صورة ذهنية تستحق أن تصير مضربا للمثل؟
صحيح أن السينما المصرية قدمت لنا فيلما يحمل نفس الاسم( السفيرة عزيزة)، وصحيح أن من قامت بالبطولة النسائية فيه هي الفنانة الأجمل سعاد حسني، وقدمت صورة تكاد تقترب من الصورة الذهنية لمضرب المثل، فهي الجميلة الأنيقة الراقية في تعاملها رغم أنها تحيا في حي شعبي، إلا أن علماء الاجتماع يمكنهم من خلال التقصي والبحث أن يعرفوا أن السفيرة عزيزة أطلق على عزيزة رشدي زوجة أحمد حسين باشا التي كانت من أولى الفتيات اللاتي دخلن الجامعة الأمريكية التي تدرس تدريسا مختلطا بين البنين والبنات.وبعد تخرجها عام 1942 بدأت تمارس العمل الاجتماعي التطوعي في الجمعيات الخيرية،ثم بدأت تشارك أعضاء "نادى سيدات القاهرة" حيث تعلمت كيفية إدارة جماعة، ودراسة احتياجات المجتمع،على خلاف باقى الجمعيات التى كانت قائمة على جمع التبرعات وتقديمها للمحتاجين، وهو ما لم تفضله، حيث كان لها وجهة نظر أن نقوم بعمل تنمية بشرية لجماعة من الناس أفضل من أن نقدم لهم تبرعات مادية دون أن نقوم بتنمية وعيهم المجتمعي بقيمة العمل والتعاون.ثم ارتبطت بأحمد حسين باشا وهو كان مهتما هو الآخر بالعمل الاجتماعي الإصلاحي،وهو من وضع لبنة وزارة الشئون الاجتماعية ذلك من خلال جمعيته (مصلحة الفلاح)، وقد دعمها في أن تكمل دورها الاجتماعي مع زميلاتها فى نادى سيدات القاهرة.
بدأت تفكر في كيفية تنمية الريف اجتماعيا، فكانت تذهب إلى الريف تتناقش معهم في احتياجاتهم وسبل مساعدتهم، ثم أسست أول حضانة فىالريف المصرى .وتحديدا فى قرية(سنديون) بمحافظة القليوبية.
عين زوجها وزيرا للشئون الاجتماعية فى وزارة النحاس باشا عام 1951، لكن أفكاره التقدمية ورؤيته للإصلاح الاجتماعى ،وجهوده لتقديم أول نظام للضمان الاجتماعى فى الريف وعموم مصر جعلت الملك يغضب عليه ويعتبره مروجا للفكر الشيوعي، وبدأ التدخل في عمله كوزير، فقرر الاستقالة وسافر هو زوجته إلى أمريكا، ليدرسا لتنمية الريفية في دول الكاريبي والمكسيك، وتعطي هي محاضرات في العمل الاجتماعي بصفتها خبيرة ااجتماعية وأول سيدة من المنطقة العربية تتحدث عن تجربتها في التجربة التنموية.
وبعد رحيلها مباشرة إلى أمريكا، قامت ثورة 23 يوليو 1952، فآمنت بمبادئها وتحمست لها، وقدمت محاضرة في إحدى كليات بيتسبرغ، بولاية بنسلفانيا حول التغييرات في مصر. وتحدثت بطريقة إيجابية جدا .وأكدت إنها متفائلة بشأن المستقبل، وأن لديها قناعة بتغير الأوضاع الاجتماعية في البلاد، وأن ما تطرحه الثورة لإصلاح قانون الأراضي، والبحث عن حل لمشاكل الضرائب التصاعديةـ وإنشاء التعاونيات الزراعية، ومشاريع الإسكان، وزيادة أجور العمال الزراعيين كل هذه مبادئ تدفعها أن تؤمن بهذه الثورة البيضاء التي غيرت بنية نظام الحكم، ولم ترق دماء المصريين، رغم أن العسكريين هم من قاموا بها وانضم لهم الشعب.
ثم رشحها الرئيس جمال عبد الناصر عام 1954 فى لجنة المرأة بوفد مصر فى الأمم المتحدة، مما جعلها أول امرأة عربية ومصرية تتولى المنصب رسميا فى أول تمثيل لبلدها عقب الثورة..وهى الفترة التى شهدت طرحها لفكرتها التى أبهرت بها العالم كله .وهى "تنظيم الأسرة " وتقول عن ذلك في مذكراتها:" شجعني علي ذلك أن الميثاق الوطني المصري اعترف بوجود مشكلة سكانية, وطرحت الموضوع عام 1954بالأمم المتحدة عندما دعيت للتحدث كعضو في وفد مصر وتناولت الممارسات الضارة ضد المرأة ..وأوضحت لهم أن الدين يرفض مثل هذه الممارسات ..وطرحت فكرة تنظيم الأسرة, وأثار ذلك دهشة المشاركين واعتبروني شجاعة لأني فجرت قنبلة, فكثير من الدول المتقدمة خشيت عرض الموضوع, لذا رشحوني لأكون عضوا بلجنة المرأة بمنظمة الأمم المتحدة( التي ظللت بها لمدة17 سنة),وبعد عامين من طرحي للموضوع ودراستهم له قررت الأمم المتحدة إدراج تنظيم الأسرةعلي جدول أعمالها لأنهم تأكدوا أن له علاقة بالمرأة".
وفي عام1977، وأثناء حكم الرئيس السادات تم ترشيحها لمنصب وزير الشئون الاجتماعية ، لكنها رفضت وفضلت مواصلة جهودها كمتطوعة. وقد ترأست وفد مصر عام 1978 في المنتدي الدولي للمرأة والسكان والتنمية ، وشاركت في صياغة اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.وهى الفترة التى شهدت كذلك رئاستها الإتحاد الدولى لتنظيم الأسرة من 1977 وحتى 1983.قبل أن تحصل عام 2000 على جائزة الإتحاد لإنجازاتها الرائدة ،وتتوجها منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة بميدالية مرموقة، وكرمتهااسمها مثلما كرمت "الأم تريزا" و"أنديرا غاندى" اعترافابدورها فى تغيير وضع "المرأة" و"الأسرة”" كلها محليا وعالميا. تركت السفيرة عزيزة كتابا سيرذاتيا بعنوان" حج الروح" حكت فيه رحلتها ودورها وعلاقتها بأبيها الذي تولى وزارة الصحة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وزوجها الذي أصبح سفيرا لمصر في الأمم المتحدة في عهد جمال عبد الناصر أيضا، ورحلة كفاحها من أجل تحسين وضعية المرأة الاجتماعية، ودفاعها عن قضايا المرأة في الأمم المتحدة وعبر العالم. .رحلت السفيرة عزيزة عن عالمنا عام 2015، لكن بقيت مسيرتها الاجتماعية النسوية العطرة، وبقي أن نصف أي امرأة جميلة وواعية ومتأنقة بأنها"السفيرة عزيزة".