القاهرة 25 يوليو 2017 الساعة 12:01 م
شيماء الناصر
في معرضه الفني بعنوان " حكايات" يقوم الفنان محمد الجنوبي بعمل إعادة تدوير لذكرياته الماضية حيث يجمع القطع الفنية القديمة التي مرت عليها عشرات السنوات ويعيد صياغتها في قالب فني جديد يجمع بين الماضي ممثلا في العمل القديم أو ما تبقى منه، والحاضر ممثلا في لمسات جديدة نابضة بالحيوية ومعبرة عما توصل إليه الفنان خلال جولة حياته الفنية من خبرات فنية خلال مشاريعه الفنية المتعددة، فكل لوحة تحتوي على صورة قديمة، منها ما رسم مفردًا كالبورتريهات للأصدقاء والمعارف والزملاء ومنها ما كان ضمن مشروع فني وتبقى لدى الفنان منذ سنوات، اسكتشات وخربشات قديمة للفنان منذ أيام دراسته الجامعية في كلية التربية الفنية جامعة المنيا، وربما ما سبق تلك المرحلة، وهذه اللمسات الجديدة تكون بالضرورة معبرة عن المحتوى العام فيها، فلكل قطعة قديمة موضوع يحاول عرضه معها بطريقة جديدة، فمناقشة الموضوع تأخذ في العمل الفني زاويتين إحداهما قديمة والأخرى أحدث. ويصنع ذلك التوائم بين الزاويتين بسلاسة فنية راقية.
· " نظرة ثانية" في حكايات الجنوبي
مجموعة من اللوحات التي تستعرض حياته الفنية من خلال مزج الماضي مع الحاضر في عمل فني واحد، حيث تقوم فكرة معرضه على أن يضع لوحة من لوحاته القديمة التي مرت عليها العديد من السنوات التي قد تصل إلى أكثر من عشر سنوات، ووضعها بعد القص والتهذيب على لوحة خشبية ليضع بعد ذلك لمسات فنية تعبر عن المراحل التي مرت عليه فنيًا، ففي العمل الواحد تجد قطعة من الورق أو القماش أو التوال حولها رسومات لها علاقة بنوعية الموضوع الذي تحمله اللوحة القديمة لكن مع فارق زمني شاسع من الخبرة والتعامل مع الألوان والأسطح، فما هي الحكايات التي يحكيها الجنوبي في هذه الأعمال؟
هو يحكي عن الماضي والذكريات متمثلة في أعمال قديمة حولها لسمات حديثة تحكي اللوحة الواحدة قصة أو حكاية تعبر عن جزء في حياة الفنان.
ونستطيع أن نعبر بلفظ" نظرة ثانية" للأعمال، فهو يفرد أمامه السنوات الطوال وينسج أعماله بمزيج متفرد من الماضي وما يحمله من البراءة والفطرة في النظرة إلى الأشياء والحاضر الذي يرى الدنيا بالعين الخبيرة، حتى أصبح الأمر كأن العمل هو الذي يصنع الفنان، وليس العكس.
· قراءة في لوحات الحكايات
في هذه الأعمال قد يضع عمل فني قديم" بورتريه" لأحد الأصدقاء في لوحة "الصديق" أو "زميلة الجامعة" في لوحة" الزميلة" ويقوم بعمل تشكيلات فنية حول كل صورة تعبر عن الفترة أو الشخص الموجود فيها.
فمثلا في لوحة "الصديق": يقوم الفنان بعمل تشكيلات فنية شعبية تشير للمنطقة التي ينتمي إليها الصديق وهي إحدى قرى الصعيد، حيث كان الفنان وصديقه يرسمان أشياء كلاسيكية في تاريخ الفن، بينما حولهم التشكيلات الفنية الشعبية والتي لم يعر الفنان لها بالا في صغيره بينما انتبه لها حينما مرت به العديد من التجارب وأصبح يرى الأشياء من وجهة نظر أخرى فراى في هذا الفن الشعبي عوالم مليئة بالحياة ومفعمة بالحيوية مثل رسومات الناس على البيوت وزخرفات الحج وكتابات الأطفال.
وفي لوحة" الزميلة": وفيها بورتريه لإحدى زميلات الجامعة، وما حولها نباتات وهي إشارة أنثوية إلى الأنثى، وبجوارها المجسد الأنثوي العاري، فهي لوحة الأنوثة بكل مظاهرها الخشنة من خلال الجسد العاري، والطبيعية من خلال بورتريه الزميلة وهو بروتريه هادئ وناعم، والنباتات بألوانها الصريحة وما تضفيه من حيوية على اللوحة وكأنها إشارة لتلك الحيوية التي تبثها الأنثى في حياة البشر، وأراها أجمل لوحات المجموعة، لما فيها من ذلك المزج بين التنويعات المختلفة من الناعم والخشن وتضفير ذلك كله بإحساس حيوي مليء بالحياة.
وفي لوحة" الوجه الهاديء": وهي بورتريه تجريبي فكان الوجه الخشن وحوله الحلول التي وضعها الفنان في الفراغ حول الوجه فأصبحت هي ما تعطيه الجمال والحيوية.
وفي لوحة" المرأة والطماطم": كانت الأيقونة في تلك اللوحة أو القطعة القديمة هي الطماطم، فهي إشارة بعيدة للطعام والطهي والمرأة والتفاصيل المتعلقة بكل ذلك، وهي مليئة بالزخرفة وقد حاول الفنان إظهار تفصيلة ثمرة الطماطم من خلال وضع اللون الأبيض في الخلفية، والغريب في هذه اللوحة تحديدًا أن المرأة التي ظهرت فيها هي إحدى ضحايا حادث قطار، فيها تجمعت عناصر الحياة والموت والفرحة والألم، غنها باختصار هي الحياة ممثلة في المرأة وكل ما له علاقة بها أثناء الحياة، فهي التي تصنع الطعام وتمد الدنيا بتفاصيل كثيرة.
وفي لوحة "التفاؤل": وهي مكونة من ثلاثة قطع إحداها تعود إلى فترة عمله كمدرس في الحمراوين ورؤية المنازل في منطقة
بحرية، والأطفال يلعبون على الشاطيء وطيور البحر والنخيل، في هذه القطعة يظهر الطفل بحجم أصغر من الطائر الأحمر اللون.
· مشكلة حل الفراغات:
واجهته مشكلة حل الفراغ من حول اللوحة" القطعة القديمة" من غير كسرها أو وضع شيء فوقها، وليس ذلك فقط، لكن أيضًا اللمسات التي سيضعها تكون معبرة عن حالة اللوحة القديمة ومنسجمة معها كليًا وهذه الصعوبة الأولى، أما الثانية فهي حالة التنوع بين الذكريات والقطع فلا يجمعها موضوع واحد، إنما هي شتات من الموضوعات وتجمعها فكرة العمل فقط، فلكل لوحة جوها الخاص وعالمها الفريد، لكن المجموعة كلها تنساب داخل دائرة الذكريات وقد حل أغلب تلك المعضلات بتشكيلة لونية معبرة عن الحالات المختلفة من المشاعر والمواضيع.
وللفنان المصري محمد الجنوبي العديد من المعارض الفنية الجماعية والفردية في مصر والعالم، والتي كان آخرها معرضًا فنيًا في طوكيو عاصمة اليابان، والذي حمل اسم" The Role of Mutation " وهو خاص برؤية الفنان للطبيعة وأيضًا تأثره بكتابات الكاتب الياباني كواباتا الذي تميز بكتاباته الفلسفية عن الطبيعة ورؤيته الخاصة لها.
وقد استخدام التوابل والبهارات كمادة للرسم والتشكيل، فالبحث عن التفرد وعدم التقليد جزء من مسار الفنان وبالنسبة للجنوبي البحث عن الجديد هو الحياة، فيبحث عنه حتى من خلال القديم أو المفرط في القدم.