القاهرة 25 يوليو 2017 الساعة 11:03 ص
بقلم:ميرفت عياد
"دي ليلة حب حلوة بألف ليلة وليلة .. بكل العمر، هو العمر إيه غير ليلة زي الليلة؟" هكذا ترددت فى أذنى كلمات مقطع من أغنية كوكب الشرق أم كلثوم " الف ليلة وليلة " وأنا جالسة انتظر بداية عرض مسرحية " ليلة من ألف ليلة " التى تعرض على المسرح القومى حيث الجمال والعراقة التى تطل عليك من عبق زمن الفن الجميل ، وفور أن فتح الستار تأكد لى أاننى فى رحلة عبر الزمن أعود فيها إلى بغداد فى العصر العباسى
حيث شحاتة " الفنان القدير يحى الفخراني" يجول فى الشوارع والأزقة ليتسول قوت يومه ليعول نفسه هو وابنته الرقيقة نجفة " الفنانة هبة مجدى " والتى كانت اسم على مسمى فهى بالفعل نقطة النور التى تضئ ظلمة حياته الموحشة خاصة بعد ان اختطف جوان اللص " الفنان لطفى لبيب " زوجته منذ عشرين عاما ليتركه مع طفلته الرضيعة وقتها،
وبالرغم من مرور هذه السنين الطويلة إلا أن الرغبة فى الانتقام ظلت مشتعلة فى قلب شحاته خاصة بعد أن التقى بغريمه السابق ذلك اللص الملعون الذى دمر حياته وسرق زوجته وسرق معها فرحته، ومن هنا قرر شحاته الانتقام من جوان وابنه الذي صار وزيراً للأمن وطاغية يعيث في الأرض فسادا ،
وفى الوقت التى تشتعل فيه نيران الكراهية والانتقام بين شحاته وجوان يولد الحب بين الخليفة الشاب الذى يتنكر فى شكل جناينى وبين نجفة التى تقع فى حبه و هى لا تعلم حقيقته ، و تدور أحداث المسرحية فى قالب غنائى إلى أن تنتهى بزواج الخليفة من نجفة و تحقيق شحاته لانتقامه من جوان .
مسرحية " ليلة من ألف ليلة " مستمد من أوبريت نادر لشاعر الشعب بيرم التونسي ، واعتمد العرض على النص الأصلي ليمثل عودة إلى الاحتفاء بالمسرح الغنائي والاستعراضي، بالألحان الأصلية نفسها التي وضعها الموسيقار الراحل أحمد صدقي ونفذها الموسيقي الشاب يحيى الموجي و بطولة الفنان القدير يحى الفخرانى ، لطفى لبيب، هبه مجدى، سلمى غريب، وليد فواز ،ضياء عبد الخالق، والمطرب محمد محسن و نجوم المسرح القومى ، موسيقى وألحان أحمد صدقى، ديكور محمد الغرباوى، أزياء نعيمة العجمى ، تنفيذ موسيقى يحيى الموجى، استعراضات مجدى صابر ،و من إخراج محسن حلمى .
الأساطير الجذابة والعواطف الجياشة
يذكرنا عرض" ليلة من الف ليلة " بمدى إهتمام عشاق القصة ورجال الأدب فى العصر الحديث بكتاب" ألف ليلة وليلة " الذى يزخر بأكبر مجموعة قصصية عربية ، تمتاز بالصراحة وصدق التعبير ، وخصب الخيال ، والتصوير البديع ، والاساطير الجذابة والعواطف الجياشة ، والشخصيات الرائعة والمغامرات الباهرة ، والاجواء الساحرة التى يعيش فيها القارئ كانما يعيش فى احلام لذيذة ، حقا فإن ألف ليلة وليلة تمثل صورة تاريخية صادقة لحياة المجتمع الشرقى فى القرون الوسطى ،
وما كان عليه أهله من طبائع وعادات ، وما كان لهم من أخيلة وأفكار ، وعقائد واراء ، وبسالة المحاربين ، وما كان لهم من آراء حول المرأة ، ومن أجل كل هذا بدأ الغربيون منذ أوائل القرن التاسع عشر يهتمون بقصص الف ليلة وليلة ، ويعدونها ذخيرة أدبية ضخمة حتى قال عنها فولتير: " اننى لم ازاول فن القصة الا بعد ما قرات الف ليلة وليلة اربع عشرة مرة " أما القصاص الفرنسى "استندال " فتمنى أن يمحو الله من ذاكرته الف ليلة وليلة ليعيد قراءتها فيستعيد لذته
فحكايات "ألف ليلة وليلة " جالت جميع أنحاء العالم وتآثر بها عدد لا يحصى من كتاب العالم ومن هؤلاء الشاعر الألماني جوته الذي استلهم حكايات شهرزاد في عمله الروائي "فيلهلم مايستر" والأرجنتيني "خورخي لويس بورخيس" .
الحصان المسحور .. وسيف الملوك
لعل هذا الاهتمام العالمى بكتاب " ألف ليلة وليلة " جعل المستشرق " ملر" يبحث فى تاريخ الف ليلة وليلة وكان اول من فطن الى انه يتكون من اجزاء وقسم قصص الكتاب الى ثلاثة اجزاء ، الاول نواة الكتاب ويشمل القصص التى اخذت من كتاب فارسى يسمى " الف خرافة " مثل قصة الملك شهريار واخيه شاه الزمان ، والصياد والجنى ، وحكاية الحصان المسحور ، وسيف الملوك ، وحكاية قمر الزمان ، وغيرها من الاساطير التى يرجع اصلها الى الاساطير الهندية والفارسية
وقد ترجمت هذه القصص الى العربية فى القرن الثالث الهجرى ، اما القسم الثانى من الكتاب فهى القصص التى وضعت فى بغداد ومنها قصص هارون الرشيد ، وابى نواس ، والقصص التى تتناول حياة الجوارى والانس والطرب ، وحكايات الحب والهيام ، والقصص التى تصف الحضارة العباسية وما كان فى العراق من عمران ، واخيرا القسم الثالث وهى القصص التى اضيفت الى الكتاب فى مصر وهى تمتاز بروحها الشعبية ولغتها السهلة كحكاية الوزيرين نور الدين وشمس الدين ،
ومزين يبغداد ، وعلى بابا والاربعين حرامى ، وعلاء الدين ، ومعروف الاسكافى ، وقد أجمع كثير من الباحثين على ان النصوص العربية لالف ليله وليله التى انتهت الينا فى التاريخ الحديث قد اخذت عن النص المصرى الذى طبعت منه اول طبعة فى مطبعة بولاق عام 1835 م ، حيث جمع مخطوطاته شيخ مصرى لم يستدل على اسمه .
شهريار وشهرزاد
وتبدأ الليالي بقصة الملك شهريار الذي يعلم بخيانة زوجتهِ له فيأمر بقتلها وقطع رأسها، وأن ينذر على أن يتزوج كل ليلة فتاة من مدينته ويقطع رأسها في الصباح أنتقاماً من النساء. حتى أتى يوم لم يجد فيه الملك من يتزوجها فيعلم أن وزيره لديهِ بنت نابغة اسمها شهر زاد فقرر أن يتزوجها وتقبل هي بذلك . وتطلب شهرزاد من أختها دنيازاد أن تاتي إلى بيت الملك وتطلب من أختها أن تقص عليها وعلى الملك قصة أخيرة قبل موتها في صباح ذلك اليوم فتفعل أختها دنيازاد ما طلب منها.
في تلك الليلة قصت عليهم شهرزاد قصة لم تنهها وطلبت من الملك أنه لو أبقاها حية فستقص عليه بقية القصة في الليلة التالية. وهكذا بدات شهرزاد في سرد قصص مترابطة بحيث تكمل كل قصة في الليلة التي تليها حتى وصلت بهم الليالي ألف ليلة وليلة فوقع الملك في حبها وأبقاها زوجة له وتاب عن قتل الفتيات وأحتفلت مدينة الملك بذلك لمدة ثلاثة أيام.
حديقة الأزيكية وخيال الظل
وهذا الحدث يعود بنا الى الماضى القريب حيث الافتتاح المبهر للمسرح القومي فى العتبة بعد ترميمه وتطويره عام 2014 ، وهويقع بحديقة الازبكية ولهذا الموقع تاريخ طويل مرتبط بفن المسرح ورواده ، فكان مكان حديقة الازبكية بركة الازبكية التى كثرت على ضفافها فى عصر الدولة العثمانية عروض خيال الظل ، في عام 1870 أمر الخديوي اسماعيل حاكم مصر بتحويل بركة الازبكية الى حديقة على غرار حديقة لوكسمبورج بباريس ، وعلى مقربة من حديقة الازبكية أنشأ اسماعيل المسرح الكوميدي (مبنى المطافي حالياً) ودار الاوبرا الملكية عام 1869 وأعدها لاستقبال ضيوف قناة السويس كما انشأ في الحديقة مسرحا صغيراً.
مر مبنى المسرح القومي بعدد من مراحل التطوير بدأت في عام 1940 عندما قررت الفرقة القومية ان تشغله وفيها تم تعديل خشبة المسرح وتغيير الاثاث بالصالة بالكامل وفرش الارضية بالسجاد واصلاح المداخل وبعدها هناك نقطتان هامتان في مسار حياته المعمارية، الاولى هي التجديدات التي تمت عليه في سنة 1960 والتي تمت بعد انشاء مسرح القاهرة للعرائس 1959 وشملتها تعديلات جوهرية في مبنى المسرح ، والثانية في عام 1983 تمت تجديدات للمسرح والتي وصلتنا صورتها المعمارية حاليا .
يُعَد مبنى المسرح القومي مبنى أثرياً يغلب على مواد بنائه الخشب ، ويتميز مبناه بجمال التصميم الداخلي وروعة الديكور الذي لا يزال يحتفظ برونقه. ويتكون من قاعة كبيرة تحمل اسم جورج أبيض أحد رواد المسرح المصري في الأربعينيات، فضلا عن قاعة صغيرة تحمل اسم المخرج المسرحي والممثل عبد الرحيم الزرقاني. وقاعة صغيرة خاصة بالملابس وأجهزة الإضاءة ، ومكاتب إدارية خاصة بهيئة رئاسة المسرح، ومسرح الشباب أيضا.
فى مساء يوم 27 سبتمبر عام 2008 تعرضت خشبة المسرح وصالة العرض لحريق هائل الحق اضرارا بالغة بجميع عناصر مبنى المسرح وبعد رفع مخلفات الحريق قررت وزارة الثقافة اجراء مشروع ترميم وتطوير متكامل للمسرح القومى ليعود وبقوة لآداء دوره فى الحياة الفنية وبتجهيزات وامكانات القرن الحادى والعشرين ، مع مراعاة الطابع الأثرى للمبنى القديم وكان ومن أهداف المشروع :
إعادة إحياء مبنى المسرح القومي بعد تعرضه للدمار بعد الحريق ،إزالة التعديات التي طالت مبنى المسرح على مدار عقود طويلة وإعادة المبنى لأصله الأثري ،توفير كافة الخدمات للجمهور طبقًا لللمعايير الدولية ،توفير التقنيات اللازمة للحفاظ على قيمة المبنى وسلامة الجمهور،تجهيز المسرح بأحدث تقنيات العرض المسرحي العالمية ليواكب تطور العصر ،إعادة إحياء عناصر المبنى من زخارف خصية وملونة بعد الحريق