القاهرة 25 يوليو 2017 الساعة 09:49 ص
عين الشرق " هى الرواية الثانية للكاتب والصحفى السورى إبراهيم الجبين ، بعدما تجولنا معه في شوارع دمشق القديمة فى روايته الأولى "
التي كان أبطالها أناس حقيقيون عاشوا في المدينة وأزقتها ، ولكن هذه المرة جعل دمشق ذاتها هى البطل صدرت "عين الشرق" حديثا عن مؤسسة العربية للدراسات والنشر,وتقعب 360 صفحة من القطع المتوسط و لوحة الغلاف من تصميم ليوسف عبدلكي
تأخذنا "عين الشرق "إلى الحياة فى دمشق، المدينة التي تنفض عنها إرث الظلم في كل زمان ، فيرصد الكاتب المذاهب الفكرية والطوائف والأعراق التى تتحرك على الشاشة السورية، لتعبر عن تاريخ المدينة المرتبط بحاضرها المليء بالوجع،في عين الشرق تسبح بعوالم يفتقدها كل عاشق لدمشق، تلتمس الاشجاربيديك وتتذوق طعم الشام المفقود وتطلع على أسرار خبأتها الحجارة والارصفة القديمة بين ثنايها.
فهناك ثمة ترميز أو تنبؤ يختبئ خلف تسمية الرواية بعين الشرق فالمقصود بعين الشرق هى مدينة دمشق لكن المثير للجدل فى هذا العنوان هو العنوان الثانى الذى اختارة الكاتب وهوهايبرثيميسيا21 هايبرثيميسياهو مرض نادر يجعل الشخص المصاب بها يتذكر كل لحظة في حياته بكل تفاصيلها ولا ينسَ شيئاً مهما مرت السنوات،
و له مسميات أخرى فرط الأستذكار أو متلازمة فرط الأستذكاربالغ القوة والمعروفة هايبرثيميسيا مرض نادر جداً بالفعل مصاب به حوالي 20 شخصاً فقط في العالم
، و غالباً ما يتذكر المصاب بهذا المرض كل يوم من حياته بكل تفاصيله لحظه بلحظة و لا ينسى منها شيئاً مهما مرت السنوات، وإختار إبراهيم الجبين أن يكون الحالة ال 21 لوصف الحالة السورية الأن التى يصعب على أهل سوريا نسيانها ، فهو جسر سيكولجى بين القارئ وذاتة ليعيد التفكير بما يحدذ تجاة سوريا .
ولفت نظرى فى بداية الرواية وضع آيه من التوراه وهى عن مجموعة نبؤات المستقبل وحديث التوراه عن دمشق التى لاتكن لحظة من لحظات التاريخ دون ذكر دمشق،ولا يمكن أستثناء دمشق من أي ثقافة أو من أي دين ولا أي أمة حتى ذكر بعض الاقوال عن القادة العسكريين على مر التاريخ أنه لا يمكن أحتلال العالم دون السيطرة على دمشق. فدمشق هى حاضرة دائما ًبجميع الثقافات والنبؤات ،وقد كانت هذه النبؤة مؤلمة جدا للكاتب ولذلك ذكرها فى بداية روايتة .
سفر أشعيا أو نبؤة أشعيا "وحى من جهه دمشق ها إنَّ دمشق تُزالُ مِن بَينِ المُدُن، فَتَكونُ رُكامًا مِنَ الأَنْقاض" فكانت هذه النبؤة قاسية جدا لأنها مطابقة لما تتعرض اليه دمشق والسعى وراء تدمير روح المدينة فلم يكن الصراع سياسي فقط بل هو صراع فكرى وثقافى مستمر ولكن المدينة تقاوم ولا تزال تقاوم حتى الأن .
وأوضح لنا الكاتب تتبع آثار خطى اليهود الشرقيين وعذاباتهم في الماضي والحاضر على حد سواء، وهم بين فكي ، اليهودية الأوروبية التي لا تعيرهم أي أهتمام، والعرب المسلمين الذي يصنفونهم على أنهم تابعون تلقائياً للصهيونية والاتجاه الذي تسير وفقه إسرائيل. ومن هنا كان أستحضار أبراهيم الجبين لكل من "الياهو ساسون "القومي العربي الدمشقي، مؤسس جريدة الحياة، الذي هاجر بعد انهيار الدولة السورية في العشرينات إلى إسرائيل، وتحول هناك إلى جسر بين العرب والإسرائيليين بعد أن انهار حلمه العربي السوري، بالإضافة إلى "شموئيل موريه" الكاتب العراقي اليهودي المعروف بسامي المعلم، الذي يسرد الجبين حواراته الدائمة معه.
تبدأ الرواية بعلاقة جمعت سارد الرواية مع رسام عجوز في مرسمه وهو" ناجى " الذى لديه مرض التعلق بدمشق بل هو عاشق لدمشق الذى جائها زائر من اربيعانات القرن الماضى ولم يستطيع أن يتركها ويعاود ،وهو ايضا مهووس بجمع الأشياء القديمة ، ولا يتخلص من أى شئ يحتفظ بكل ورقة وقطعة لديه ، ومن ضمن الاشياء الذى يحتفظ بها وثائق خاصة بالمخابرات السورية التى تضم تقارير ومعلومات وتفاصيل واسرار وأمور اخرى مدهشه الذى صنعت أشخاص الرواية .
فو ليس مجرد رسام عجوز فهو شخصيه معقدة يحمل معه مسدس دائماً بل تاريخه الذي نعرفه لاحقاً بأنه عمل في شبابه في الشعبة الثانية "المخابرات السورية" في الخمسينيات، وأطلق بيده رصاصة الرحمة على حد القول على الكثيرين من معارضي السلطات التي حكمت سوريا وبلاد الشام، من هذه الشخصيات المعاصرة تدخل الرواية في تفاصيل أشخاص رحلوا لكنهم مازالوا يسكنون روح المدينة،
من أبطالها ابن تيمية سجين قلعة دمشق الأبدي، والرئيس المستبد العجوز معزولًا في غيبوبته، تركة الأمير عبد القادر الجزائري في دمشق والعالم، كاسر وعبدالله أوجلان وسلمى المكونة من خليط من روزموند بايك ومونيكا بيلوتشي،و ستناي الشركسية فتاة الليل التي تعتد بجدها المدفون في أحد جوامع دمشق.
فأن أستحضار شخصيات مثل ابن رومية في الأدب اليوم، هي ضرورة لفهم الواقع المأساوي في دمشق كون أبن تيمية أحد أبطال الرواية، هذا لا يجعل منها عملاً غارقاً في الماضي، لكن متى لم يكن ابن تيمية حياً في أذهان السوريين؟ على الأقل في وعي الحاقدين عليه، بسبب جهلهم لفكره، والذين يسارعون إلى اتهامه بالتكفير، فيعطون للتكفيريين أثمن هدية لم يكونوا يحلمون بها، ليصبح ابن تيمية مرجعاً لهؤلاء الظلاميين،فابن تيمية صاحب التأثير الكبير على الفكر المادي الأوروبي بأسره.
فاستنطق الكاتب في أحداث روايته حتى أزقة عاصمة الأمويين وحجارتها والأرصفة القديمة ،ليقوم بسرد تاريخ مدينة دمشق القديم والراهن ليصنع المشهد السوري بكليته، ليختلط التاريخ بالحديث عن أشخاص ضمتهم المدينة فأيصبحوا جزءاً من تاريخها
قصص تثير الدهشة ، إلى أن شخصيات العمل كلها حقيقية، لكن وردت دون ذكر أسماء ، فأخفيت بعض الأسماء ليترك للقارئ فرصة تخيلها، والتقاط الاصوات من خلال السرد والبحث عنها في ذاكرته عن دمشق ، ليكون القارئ مساهماً في خلق العمل الإبداعي
شاعر تحول إلى بائع نحاس وشعراء اخرون ذبحهم داعش الذين أستولت على مدينة" دير الزور " وحاربت المجتمع بدلا من السلطة فصبت غضبها المجتمع ، وتتحدث الرواية عن المدينة بمثقفيها ومفكريها الذين اذا لجأو إلى شكل جديد من الكتابة يتهموا بانهم معارضين او عملاء ذلك لانهم شذو عن الكتابة التقليدية ، فأصبح الصراع مع السلطة ثقافى وفكرى .
رواية في زمن الأخبار السريعة والتبادلات الكارثية اللحظية تقوم بتسليط الضوء على من نهشوا الحياة وقيدوا العقل السوري،فتسدل الستار عن طبقة عانى منها كل السوريين دون ان يجرؤ احد على كشفهم، عين الشرق وثيقة تضع علامة فارقة على التاريخ و أدانة على قتل المدينة ، فتتداخل القصص وتتعدد الاشخاص ولكن تبقي البطولة المطلقة لمدينة دمشق .